الخميس 25 إبريل 2024
كتاب الرأي

الحسن زهور: الصراع العربي الإسرائيلي وشجاعة الأبطال

الحسن زهور: الصراع العربي الإسرائيلي وشجاعة الأبطال الحسن زهور

في أحلك الصراعات وأعنفها يظهر الشجعان بشجاعتهم النادرة مثل النجوم في الليلة الليلاء.

الشجاعة ليست هي أن يتقدم القائد الجماهير المهيجة ويستغل هيجانها، بل الشجاعة أن يقف القائد الحكيم ليبين للجماهير ولمن يهيجها خطأ الاتجاه الذي سلكته، فـ "الرأي قبل شجاعة الشجعان" كما قال المتنبي.

في الصراع "العربي" الإسرائيلي يسجل التاريخ أسماء أبطال شجعان وقفوا بشجاعة نادرة ضد التيار، وأغلبهم من غرب أفريقيا المتميزة بثقافتها العقلانية.

التاريخ الآن ينصف الزعماء الأبطال كبورقيبة والحسن الثاني، وموقفهما الشجاع في بداية الستينات، وفي وقت لم يجرأ فيه أي زعيم بالجهر بالموقف العقلاني الذي جهرا به خوفا من التهم وردات الجماهير المهيجة، حين دعا الزعيمان بشجاعة إلى الاعتراف بالقرار الأممي القاضي بتقسيم فلسطين، رأيا بحكمتهما وببعد نظريهما ما لم يره الآخرون الذين أعمت الإيديولوجيا بصائرهم، فوقف الزعيمان ضد التيار الجارف الذي هيجته الإيديولوجيا القومية المهيمنة آنذاك، فنعتا بشتى النعوت. وبعد سنوات من هذا الموقف الشجاع وقع ما حذرا منه فضاع كل شيء، ابتلعت إسرائيل سيناء والجولان والضفة وقطاع غزة والقدس وغور الأردن...

وبعدهما سينصف التاريخ أنور السادات بطل "كامب ديفيد" كبطل سلام في وقت نعت فيه بالخيانة وعزل عن محيطه وتم تهييج الشعوب ضده إلى أن انتهى الأمر إلى  مقتله، لكنه فعل ما لن يستطع غيره من زعماء التهييج فعله دون أن يريق قطرة دم مصرية فاسترد سيناء، وحقن دماء المصريين، والسوريين والأردنيين والإسرائيليين، وحاول عبثا حقن دماء الفلسطينيين، لكن الراحل عرفات فضل الوقوف في صف قادة التهييج فأضاع الفرصة التاريخية وابتلعت بذاك المزيد من أراضي شعبه.

نتذكر الراحل الحسن الثاني وموافقه الشجاعة، ودوره في السلام المصري الإسرائيلي وتكسيره الحصار المفروض على مصر، وتشجيعه عرفات للانخراط في السلام لاسترداد أرضه، لكن مراوغات عرفات ضيعت الفرصة.

نتذكر خطابه لصدام حسين للخروج من الكويت، وموقفه الشجاع المؤيد للكويت في وقت هيجت فيه الإيديولوجية القومية الجماهير في كل مكان لصالح الاحتلال، وشمل الهيجان الشارع المغربي، وانتهى الهيجان الأعمى كفرقعة بالون ودمرت العراق.

بالمقابل ماذا أعطت الشعارات "الثورية" الرنانة المهيجة للجماهير سوى الهزائم والدمار؟ ماذا أعطى عبد الناصر؟ شعارات احتلت بها إسرائيل سيناء، والجولان السوري وغزة والقدس وغور الأردن...

ماذا أعطى البعث السوري  والعراقي وجماهيرية القذافي واشتراكية صالح وشيوعية اليمن الجنوبي وإخوانية النميري وبعده البشير...؟ وجبهة الصمود والتصدي؟ واشتراكية الجزائر؟

الجواب ما تعيشه بلدانهم حاليا.

في المغرب، وفي الوقت الميت الذي لم يكن فيه أحد ينتظر شيئا، وكان الكل ينتظر تسليم الرئيس ترامب الرئاسة لخلفه بايدن، كانت المفاجأة من العيار الثقيل والثقيل جدا، إصابة ذهبية تاريخية في الوقت الميت فاجأت الكل، فاجأت الأصدقاء والخصوم.  فاجأت العبقرية المغربية الكل، فداخ الجيران، الأعداء منهم والمقايضون والمؤلفة قلوبهم...، شرقا وشمالا وجنوبا، وأقصى الجنوب القاري، وداخ أيضا مداويخ الداخل الغارقين في إيديولوجيات الشرق والعبث.

هذه هي سمة الأبطال، بهدوئهم وبحكمتهم يصنعون التاريخ بدون ضجيج ولا تهييج، وفي لحظة لم يكن يتوقعها أحد.

 

ذ الحسن زهور  باحث ومحلل سياسي