الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

إسرائيلي زار القصور الملكية: لا تفقدوا المغرب مرة أخرى

إسرائيلي زار القصور الملكية: لا تفقدوا المغرب مرة أخرى يوسي بيلين

إعادة التطبيع العلني مع المغرب، الذي بدأ غداة التوقيع على اتفاق أوسلو وتوقف بعد سنوات قليلة من ذلك، أعادتني 42 سنة إلى الوراء، إلى الزيارة الأولى ضمن زيارات كثيرة جداً في هذه الدولة الفريدة. كان هذا في يوليوز 1978. كنت المستشار السياسي لشمعون بيرس، رئيس العمل في المعارضة آنذاك. سافرنا إلى باريس ومن هناك إلى المغرب، في طائرة الملك الحسن الثاني. كانت هذه هي المرة الأولى التي أطير فيها بطائرة ملك، مع جواز سفر بهوية أخرى، إلى المغرب.

 

ولكن المفاجأة الكبرى انتظرتني لدى وصولنا. على مدرج الطائرة انتظرنا إسرائيلي استقبلنا بفرح كبير، ووجدنا أنفسنا نتكلم العبرية. فقد كان رئيس بعثة الموساد في المغرب، وفي تلك اللحظة فهمت عمق العلاقة. على الأرض انتظرتنا قافلة من السيارات الفاخرة السوداء، التي ضمت سيارات رجال الأمن.

 

نُقلنا إلى قصر في العاصمة، ووُجه كل منا إلى غرفته. كان القصر مكيفاً والغرف ضخمة. في غرفتي وجدت هرماً من كرات الشوكلاته. غرفة الحمام بدت مثل حانوت تجميل. فهمت بأن مفهوم “كسخاء الملك” معناه – عرض خيارات لا توجد أي صلة بينها وبين قدرة المواطن على الاستيعاب. بعد الجولة إلى الدار البيضاء التقينا الملك. كان حكيماً جداً، فرنسياً جداً، مطلعاً جداً، معتدلاً، مؤمناً بالسلام في الشرق الأوسط، وتحدث عن يهود المغرب في نبرة الشوق الحقيقي.

 

كان اللقاء الثاني مع الملك في مراكش في دجنبر 1981. قصر آخر، مدينة أخرى، سياحية جداً. مرة أخرى بيرس وأنا، وفي المساء، ننتظر لقاء الملك. سأل بيرس مرافقنا إذا كانت هناك إمكانية للمشاركة في حدث ثقافي ما. دهش المرافق ولم يرد. ولكن بعد نحو ساعة طلب منا الانتقال إلى غرفة أكبر. كان هذا مثل فيلم عجيب: غرفة كبيرة في القصر الملكي، فرقة فلكلورية مغربية، وفيها نحو دزينتين من الراقصين، ترقص أمام جمهور من رجلين ببدلتين. كان اللقاء مع الملك مشوقاً، كلقاء بين أصدقاء حميمين.

 

في شتنبر 1993، بعد التوقيع على اتفاق أوسلو، طِرنا، رابين وبيرس وأنا، إلى إسرائيل عبر المغرب، بينما كان في الطائرة ضيوفنا ورجال الإعلام الذين رافقونا. انتظرنا الملك في الرباط، وعرّفنا لأول مرة على ولي العهد، رحب بالاتفاق مع الفلسطينيين وكان متأثراً جداً. طلب مرافقته لنشاهد المسجد الثاني في حجمه في العالم، والذي دشن في الدار البيضاء قبل أسبوعين من ذلك.

 

حظي المسجد الاستعراضي بانتقادات غير قليلة في العالم. شعرت أن بوسعي أن أسأل الملك عما يقوله عن النقد. نظر إلي وقال: “مشكلتنا الكبرى ومشكلتكم هي الإسلام المتطرف. لن نقاتلهم بالسيف، ولكن لا يمكن لأحد أن يقول إنني لست مسلماً مخلصاً، إذا كنت أبني المسجد الأكبر في العالم.

 

بعد سنة من ذلك، عقد في الدار البيضاء المؤتمر الاقتصادي الشرق أوسطي الأول. شعر الملك بأن بوسعه أن يكشف العلاقة الوثيقة مع إسرائيل، وكان هذا احتفالاً (قد يكون مبالغاً فيه) بمشاركة زعماء عرب كبار، زعماء ورجال اقتصاد إسرائيليين، وبإحساس بأن فصلاً جديداً بدأ في تاريخ المنطقة. وبالتوازي، اتفق على فتح مكتبين في الرباط وتل أبيب، لن يسميا بعد سفارتين، ولكن سفيرين يترأسانهما.

 

غير أنه مثلما حصل مع دول عربية أخرى، فإن جمود المحادثات مع الفلسطينيين، منذ قيام حكومة نتنياهو، والمواجهات العنيفة أدت إلى إلغاء العلاقات الدبلوماسية الجزئية، والمؤتمرات الاقتصادية والمحادثات متعددة الأطراف (في مواضيع اقتصادية وغيرها، بمشاركة إسرائيل و13 دولة عربية). سنوات قليلة من التطبيع وفتح السماء انتهت بصوت هامس. محظور أن يحصل هذا مرة أخرى.

 

عن "القدس العربي"