الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

كريم مولاي: رسالة الرئاسيات الأمريكية إلى البوليساريو والنظام الجزائري

كريم مولاي: رسالة الرئاسيات الأمريكية إلى البوليساريو والنظام الجزائري كريم مولاي
لم ينقشع غبار الانتخابات الرئاسية الأمريكية بعد، على الرغم من كل الدلائل التي تؤكد أن فترة ترامب قد طويت، وأن عهد الجمهوريين في البيت الأبيض قد أصبح معدود الأيام، حتى أطلقت عناصر جبهة البوليساريو مدعومة بنصيحة من مخابرات النظام الجزائري، معركة جديدة في معبر الكركرات على الحدود المغربية ـ الموريتانية..
المراقب البعيد عن الأحداث في الجزء الشمالي الإفريقي، يجد صعوبة فعلا في فهم حقيقة التصعيد الذي لجأت إليه عناصر البوليساريو ضد المغرب، تحت يافطة إشعار المجتمع الدولي بأن حل المسألة الصحراوية قد طال انتظاره، وأن التجديد لبعثة المينورسو المتزامن مع تنامي الاعتراف الدولي بجدية الحل السياسي الذي تطرحه الرباط، وهو حل يقوم على حكم ذاتي واسع الصلاحيات تحت السيادة المغربية، هذا كله يشير إلى عبثية استمرار الرهان على الخيار العسكري أو خيار الفوضى..
وغير خفي على المتابع لتطورات الأوضاع الدولية، أن الديمقراطيين الأمريكيين، وعلى رأسهم الرئيس الأمريكي الفائز بالانتخابات حتى الآن، جو بايدن، يمتلك معرفة دقيقة بالأوضاع في العالم عامة، وبدول منطقة الشمال الإفريقي بشكل خاص.. وكلنا يذكر العلاقات التي كانت تربط الرباط بالديمقراطيين الأمريكيين في الانتخابات الرئاسية السابقة التي أتت بالرئيس دونالد ترامب.. ولا شك أن فوز الديمقراطيين اليوم بالرئاسة سيعيد الحياة للخيار السياسي القائم على التغيير بالطرق السياسية الناعمة، التي تراهن على العقل والحكمة لحل الخلافات وإشاعة السلام والاستقرار في العالم..
وربما لسائل أن يقول: لكن ما علاقة احتجاج البوليساريو على الحدود بين المغرب وموريتانيا بالإنتخابات الأمريكية وبفوز الديمقراطيين؟
الجواب هو أن البوليساريو ومعها النظام الجزائري، يدركان تماما أن الطرف الدولي الأقوى والقادر على تحريك ملف الصحراء ودعم الحل السياسي المطلوب هو الولايات المتحدة، وأن إثارة الفوضى في المنطقة بينما الأمريكيون منشغلون بترتيب الانتقال السياسي من رئيس جمهوري إلى آخر ديمقراطي، فإن إحداث فوضى أمنية على الحدود بين المغرب وموريتانيا، بعد إجازة التعديلات الدستورية الجوهرية في الجزائر التي تسمح للجيش الجزائري بتنفيذ عمليات في الخارج، هو جزء من سيناريو متكامل هدفه فرض أمر واقع جديد، قد يدفع باتجاه خلط الأوراق مرة أخرى، وفرض حلول أثبت الواقع أنها غير مجدية ولا تمثل مدخلا للسلام.
ولكم يحز في النفس، أنه في الوقت الذي يبتهج فيه الأمريكيون بقدرتهم على تغيير رؤسائهم بالصناديق لا باللجوء إلى الشارع، وبينما تحصد جائحة كورونا أرواح مئات الآلاف من بني البشر، بما في ذلك المغرب والجزائر وموريتانيا، وهي مرحلة تستوجب من الجميع الارتقاء فوق الخلافات التاريخية والسياسية، وإعلاء القيم الإنسانية واحترام الجوار، ينخرط عسكر الجزائر للأسف الشديد في إشعال نار فتنة جديدة في المنطقة، ظنا منه أنه يستطيع بذلك لفت أنظار الجزائريين عن مطالب التغيير، لا سيما في ظل الأنباء المتضاربة عن مصير صحة الرئيس عبد المجيد تبون الذي لازال يواجه تداعيات الفيروس المجهول المنشأ والمصير..
إن الرسالة الأهم للانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأمريكية، وما يصاحبها من خطاب سياسي، هو أن الحلول السياسية للخلافات البينية ممكنة بما حباه الله للبشر من قدرات عقلية وقيم إنسانية مشتركة، وأن الخطاب الانفصالي والانعزالي بما يحتويه من نزعات عنف قد ولى مع الأزمنة الغابرة.. ربما هذه الرسالة لم تصل بعد إلى من اختطفوا الجزائر وأقروا دستور أقلية، لكنها بالتأكيد وصلت إلى كل أنحاء العالم، وأنه لم يعد بمقدور أي طرف أن يغير التاريخ والجغرافيا بقوة السلاح..
كريم مولاي، خبير أمني جزائري