الجمعة 29 مارس 2024
مجتمع

بنيس يرصد الالتحام الجسدي للمغاربة في حواراتهم في زمن كورونا

بنيس يرصد الالتحام الجسدي للمغاربة في حواراتهم في زمن كورونا سعيد بنيس
في الوقت الذي يسارع فيه أهل الطب الزمن من أجل توقيف انتشار جائحة كوفيد 19، عبر اكتشاف لقاح له، فإن هذه الجائحة حفزت عددا من علماء الاجتماع على البحث عن آثارها وتمظهراتها على المجتمعات..
وضمن إصدارات مركز تكامل للدراسات والأبحاث ساهم الأستاذ سعيد بنيس في كتاب جماعي عنوانه: "محاولة لفهم راهن التمظهرات المجتمعية في زمن كورونا  بالمغرب"..
فيما يلي ملخصا لهذه الدراسة، على أن تنشر حلقات منها في موقع "أنفاس بريس" .
 
يعد التقارب الاجتماعي في مجتمعات العالم عادة من عادات التآلف والتعايش، وتزداد وتيرته وتنقص بحسب البلدان والقارات والتاريخ المشترك والثقافة الموروثة، كما في بلدان المتوسط وشمال إفريقيا والشرق الأوسط التي ينتمي إليها المغرب. إن التقارب الاجتماعي في المغرب يعد سلوكا مجتمعيا محمودا وتصرفا فرديا وجماعيا راقيا؛ لأنه يعبر عن تواضع الشخص ورفعته وحلمه في التعامل مع الآخرين. لهذا، فالمغربي ينحو، في تعاملاته وفي تداولاته ونقاشاته اليومية، منحى الالتحام الجسدي مع محاوريه ومخالطيه كأن الانتباه والإنصات وتلقي الكلام لا يمر عبر قناة الأذن بل عبر جسر الفم والتقارب والالتصاق بالآخر ومحاولة إقناعه وإفحامه وانخراطه باستعمال كذلك اليدين لملامسة جسمه. وكما يقال بالدارجة: "تيلبسو" و"داخل معاه" و"حاط راسو على راسو" و"نجمعو" "ونقرقبو الناب'' و"نتهاردو" و"مخشي فيه تيهدرو"... وكلها عبارات عامية تحيل على تقارب جسدي ودنو بدني وازدحام مكاني كطقس من طقوس التمغربيت والحميمية والانتماء إلى المجموعة.
لكن هذا التقارب الاجتماعي أضحى، مع انتشار جائحة كورونا ومع نصائح وإرشادات المنظمة العالمية للصحة، خطرا كارثيا على حياة الإنسان؛ بل ومصدرا مؤكدا لانتشار العدوى والوباء. ومن ثم، صار طقس وسلوك التباعد الاجتماعي [1]الحل الوحيد والأوحد؛ بل الحل الناجع ومدخلا من بين المداخل الناجحة لمحاربة هذه الجائحة. لهذا، يبدو ضروريا، للحفاظ على سلامة الفئات التي ما زالت ملتزمة بالاشتغال والتواجد الفعلي في الفضاء العمومي المغربي وفي المرافق الإدارية والصحية مثل الأطباء والممرضين ورجال السلطة العمومية والصحافيون والصيادلة وموظفي البنوك والتموين الغذائي والمتاجر الكبرى وآخرين، اتخاذ الاحتياطات اللازمة في التعامل مع المواطنين أو الزبناء أو المرتفقين؛ لأن عادة التقارب الاجتماعي عند المغاربة كطقس اعتيادي قد يؤدي إلى تفاقم أعداد المصابين بكورونا.
إن أغلب الفيديوهات والمتابعات والمشاهد، لا سيما فيما يخص بعض الفئات التي تتحرك في الفضاء العمومي ومنها على الخصوص أعوان ورجال السلطة، تظهرها فريسة سهلة وعرضة للإصابة بفيروس كورونا؛ لأنها تتعامل مع الجماعات والأفراد الذين لا يحترمون الحجر الصحي أو يعمدون إلى خرق حالة الطوارئ بتلقائية تنسجم وتخضع لثقافة التقارب الاجتماعي وتجعل الأجسام في دنو خائن ومحاذاة قاتلة.
 
كما ينضاف إلى هذه الفئات بعض الوقائع الاجتماعية، التي تشير إلى تجذر سلوك التقارب الاجتماعي عند المغاربة. ويمكن سرد، على سبيل المثال لا للحصر، ما حدث عند استلام رخصة التنقل الاستثنائية المسلمة من طرف السلطات المحلية أو عند توزيع المساعدات أو تقديم الخدمات، حيث لا يذعن الأفراد بالتدابير الاحترازية ولا تلتزم الساكنة بالبيوت للحد من تفشي فيروس "كورونا"؛ بل يعود الأفراد والمجموعات إلى طقوسيتهم التي دأبوا عليها في معيشهم المجتمعي قبل جائحة كورونا. وهذا ما وقع في جماعة سبت أولاد النمة، كما في باقي المراكز الحضرية بإقليم الفقيه بن صالح، تزامنا مع توزيع مساعدات غذائية على الأسر المعوزة. ويمكن قياس نفس السلوك على ما حدث بجماعة تگانت بإقليم كلميم عندما تجمع أكثر من 300 شخص في نفس المكان، إثر عملية توزيع للدقيق غير مبالين بمخاطر الازدحام والتقارب البدني وعدم احترام مسافة الأمان الضرورية.
ومع تعدد وتنوع حالات التجمع والاكتظاظ من أجل الاستفادة من بعض الخدمات والانتفاع ببعض المساعدات الاجتماعية وفي خضم انطلاق عملية الدعم المؤقت للأسر العاملة في القطاع غير المهيكل للاستفادة من مساعدة مالية تمكنها من المعيش والتي أقرتها لجنة اليقظة الاقتصادية، شرع في التفكير   بطريقة معمقة على رقمنة الإدارة [2] لتتم تفاعلات المواطنين مع المرافق العمومية عن بُعد كخطوة استباقية لاحترام وضبط الشروط الاحترازية للحجر الصحي. لهذا، وفي الحالات القصوى لتحرك الفرد والمواطن من أجل حاجياته الضرورية والحيوية، من اللازم كذلك توعيته ليس فقط من خلال هاشتاغ " # نبقاو فالدار" و" # خليك فدارك"؛ بل كذلك باعتماد ونشر والتشارك على نطاق واسع عبر مواقع ومنصات التواصل الاجتماعي والقنوات العمومية هاشتاغ " # بعد مني" و" # بقا بعيد بجوج مترو" و" # احترم مسافة الأمان = 2 متر".
كما أدى تجميع الأسر المغربية في البيوت، بسبب الحجر الصحي، إلى إعادة تشكيل العلاقات بين أفرادها وانتقالها إلى علاقات واقعية، بعدما انزاحت، خلال السنوات الأخيرة، إلى علاقات افتراضية، جراء تنامي استعمال وسائل الاتصال الحديثة. لهذا فمنظومة التواصل الواقعي يمكن أن تتجذّر بعد انتهاء فترة الحجر الصحي، فالأسرة ستسترجع دورها كمحضن للتنشئة، بما أن الحجر الصحي قد مكن من اكتشاف الآباء والأمهات لشخصيات أبنائهم وتطلعاتهم المستقبلية، وبالتالي حصول تقارب بين الطرفين. فمرحلة ما بعد جائحة "كورونا"، ستجعل الآباء والأمهات يعيدون النظر في طريقة تعاملهم مع أبنائهم، حيث ستتعزز قيم المراقبة، بعدما كان المنطق الزمني لما قبل كورونا قد أفضى إلى غياب الآباء والأمهات والأبناء أيضا عن البيت، رغم تواصلهم افتراضيا. لهذا فالزمن الانتقالي لكورونا يمكن أن يعيد علاقة "المْصاحبة والمعايشة" بين الآباء والأبناء، من خلال كسر "الكيطوهات" التي خلقها الشباب من خلال انغماسهم في العالم الرقمي. فالزمن الراهن الذي فرضته جائحة كورونا لم يشهد فقط تغيرات على مستوى علاقات أفراد الأسرة فيما بينهم، بل إن هذه التغيرات طالت أيضا علاقات أفراد المجتمع ككل، بعد تسجيل تحولات اجتماعية ظرفية، حيث حدث انخفاض نسبي في عدد الجرائم المرتكبة، ما نتج عنه انخفاض منسوب العنف في المجتمع، وبالتالي ارتفاع منسوب الثقة في مؤسسات الدولة الساهرة على ضمان الأمن العام.