الجمعة 19 إبريل 2024
مجتمع

سعيد بنيس: "روتيني اليومي" تجارة جنسية ومتاجرة في المكبوتات

سعيد بنيس: "روتيني اليومي" تجارة جنسية ومتاجرة في المكبوتات الأستاذ سعيد بنيس

عن سبق إصرار، تضع أم فلان جهاز الكاميرا أو الهاتف في مطبخها، ترحب بمتابعيها الذين يعدون بمئات الآلاف، ليبدأ العرض الجنسي تحت مسمى "روتيني اليومي"، لتتحول أم فلان إلى مقدمة خدمات جنسية.

في هذا الحوار يسلط سعيد بنيس، أستاذ العلوم الاجتماعية بجامعة محمد الخامس بالرباط، الضوء على هذا الشكل الجديد من الدعارة المنزلية...

 

+ تصاعدت مؤخرا فيديوهات ما يعرف بـ "روتيني اليومي"، طابعها الغالب هو تقديم الجسد للإثارة الجنسية، في نظرك أي تأثير لهذه الظاهرة على المشترك القيمي للمجتمع؟

- فعلا، نحن اليوم أمام ظاهرة "روتيني اليومي" ضمن سوق اقتصادية جديدة وهي السوق الرقمية، وهي سوق لها ما لها وعليها ما عليها، فإذا كانت مبنية على المشترك القيمي ومقومات العيش المشترك والرابط الاجتماعي، وتخضع لتقنين، فسيكون مرحبا بها من طرف جميع الشرائح الاجتماعية، أما عكس ذلك، أي عدم احترام المنظومة القيمية، وركائز التعايش والمرجعيات الدينية والقانونية، فهذا يخلق نشازا فيما يخص الدينامية المجتمعية.

وفي علاقتها بمنظومة القيم المغربية يمكن اعتبار الفيديوهات السالفة الذكر فيديوهات ومضامين تعكس احتباسا قيميا، بمعنى أنه إذا تم قبول هذا النوع من الأفعال الرقيمة ذات الجنوح الجنسي، فإنه سيرهن الأجيال القادمة داخل مصفوفة من القيم بذاتها تعتبر المرأة كجسد أو كبضاعة تدر دخلا على صاحبها، ويتم هذا بشكل يجعل التعامل مع الآخر (الطفل واليافع والشاب و…) يرتكز على أساس أن له صفة زبون ويتم استهداف مشاعره وأحاسيسه ومكبوتاته لجذبه وجني أرباح من وراء انجذابه. وتباعا يمكن اعتبار هذا النوع من "روتيني اليومي" نوعا من التجارة الجنسية وضربا من المتاجرة في المكبوتات.

يبدو أن هناك حاجة ملحة لتأطير وإعادة النظر في الطريقة والتعابير والايحاءات والتنويعات اللغوية والتواصلية والخطابية التي يوظفها "اليوتوبرز" في تناوله للمواضيع المقترحة. لا يمكن القول إن المواضيع والمضامين مهمة أو العكس لأن هناك جمهورا يتابعها..

 

+ هذا هو السؤال، أمام ارتفاع نسب المشاهدة، هل يتابع الجمهور المضامين أم التعبيرات والايحاءات الجنسية؟

- هناك بضاعة جنسية غير معلن عنها يمكن أن تستجيب لرغبات متابع معين، وهذا النوع من الغموض في التفاعل والمتابعة، يوحي أن الرواد لا تهمهم المضامين بقدر ما تثيرهم الايحاءات الجنسية كمسكن لثغرات والتهابات التنشئة الجنسية وإشباع لرغبات فردية مكبوتة.

من هذه الزاوية يمكن اعتبار فيديوهات "روتيني اليومي" التي ترتكز على الايحاءات الجنسية هي نوع من الإباحية الجديدة والبورنوغرافية والخلاعية الإقليمية، لأن الظاهرة ليست ظاهرة تهم ومنحصرة في المغرب فقط بل هي إقليمية تنتشر داخل باقي دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

لهذا يظل الهدف من فيديوهات روتيني اليومي المرتبطة بالإيحاءات الجنسية هو الحضور الفعلي والفعال في "السوق"، والسوق يتطلب بعض التعاملات والتفاوض من أجل الربح السريع، ومن بينها بعض المهارات والقدرات والاستعدادات والمِؤهلات الجسدية. فبالنسبة لليوتوبرز هذه المهارات تشكل مورد دخل أساسي لهم، والدخل يتأسس على جذب وانجذاب الرواد والحصول على أكبر عدد من المشاهدات والمتابعات.

كما أنه لا يمكن الحكم على النيات والأهداف، لكن يظهر حسب تشخيص بعض الفيديوهات أن الهدف منها ليس تعليم النساء كيف ينظفن أو يطبخن، لا سيما وأنها لا تتوجه لهن حصريا بل المستهدف هو الرجل لشده وضمان المتابعة من خلال إيحاءات جسدية ولغوية وتعبيرات خلاعية تحيل على عوالم الجنس.

 

+ ما هي الخطورة التي تمثلها هذه القنوات على الفئات المحمية بنص القانون؟

- تكمن خطورة فيديوهات "روتيني اليومي" المرتكزة على الإباحية الجديدة في إمكانية مشاهدتها من طرف الأطفال والمراهقين، لهذا أضحت الحاجة ملحة إلى تأطير قانوني يميز ويحدد ويضبط الوصلات المقبولة قانونيا والفئات العمرية التي يسمح لها متابعتها.

فالمشاهد يمتلك الحرية في الولوج للمواقع ولصفحات اليوتوب، لكن هناك بالموازاة خطر على فئات أخرى من المجتمع، وهذا الإشكال يخص جميع التجارب الدولية لهذا وجب تهيئ البيئة القانونية الملائمة لضبط هذه السوق الرقمية الجديدة.

انطلاقا من هذا المنظور وجب كذلك تأطير وضبط كل ما يدخل في خانة الجنسي من خلال جسر الأعراف والثقافة المحلية والمشترك المجتمعي والتنشئة الجنسية والمرجعيات الرمزية، وذلك بحسب طبيعة المجتمع، فالمغرب له ثقافته وهويته التي تميزانه عن باقي بلدان العالم ولا يمكننا استنساخ النماذج دون ملاءمتها للسياق والخصوصية المغربية ولمقولة "التمغربيت". من الضروري التفكير في تداول وتفاوض مجتمعي لرفض أو قبول هذه الوصلات وهذه المضامين، وإلى حدود الساعة لم نر أي رد فعل قانوني أو مؤسساتي حول هذه الفيديوهات التي تمهد لتجارة جديدة، وذلك لأن هناك "يوتوبرز" يظهر بشكل جلي من خلال ما يقدمون أن الهدف الأساس من وصلاتهم هو استعراض المفاتن الجسدية والايحاءات الجنسية لجني عائدات مالية تمكنهم من ضمان مستوى عيش لا بأس به.  في هذا الباب يمكن اعتبار ظهور أفراد عائلات "اليوتوبرز" معهن في فيديوهات "روتيني اليومي" نوعا من شرعنة ما يقمن به، ومحاولة إضفاء مشروعية غير مؤسساتية عبر الاتفاق مع عائلاتهن ومن يهمه الأمر، واعتبار أن ما يقوم به اليوتبرز هو عمل مقبول مثل باقي المهن كحل لمعضلة البطالة أو لعدم القبول بمهن مهينة وموسومة مجتمعيا على حد قول بعض "اليوتوبرز".

وبما أنه في الثقافة المغربية وباقي ثقافات دول الشرق الأوسط وشمال افريقيا كل ما هو جنسي ممنوع، وكل ما هو ممنوع مرغوب فيه وعلى اعتبار أن العالم الرقمي عالم مفتوح وفي متناول الجميع، وهنا يكمن الخطر، سيتمخض الاحتباس القيمي على سلوكات وممارسات غرائبية ومنحرفة في صفوف الأجيال القادمة، ليس من منطلق أن المجتمع هو مجتمع محافظ، وإنما على أساس أن المجتمع يرتكز على قيم يتعايش من خلالها وعلى أساسها وهذه القيم تفرض أساسا التفاوض والتفاهم حول بعض الهوامش والفضاءات المفتوحة.