الثلاثاء 23 إبريل 2024
مجتمع

صبري: اختيار التعليم الحضوري لا يعفي وزارة التعليم من مسؤولية إصابة التلاميذ بكورونا

صبري: اختيار التعليم الحضوري لا يعفي وزارة التعليم من مسؤولية إصابة التلاميذ بكورونا صبري الحو
في هذا الحوار مع الأستاذ صبري الحو، المحامي بمكناس، والخبير في القانون الدولي، الهجرة ونزاع الصحراء، يتحدث عن الآثار القانونية للاستمارة التي وضعتها وزارة التربية الوطنية بشأن التعليم الحضوري، مؤكدا أنها تندرج ضمن عقود الإذعان.
 
ما هي القيمة القانونية للاستمارة التي وضعتها وزارة التربية الوطنية بشأن الاستفادة من التعليم الحضوري بالمؤسسات العمومية والخصوصية؟
فعلا هناك نقاش حول هذه الاستمارة والخلفيات المتحكمة فيها. وهو ما نقل الالتزام على عاتقنا من أجل الخوض في طبيعتها وقيمتها القانونية، ونفس القيمة لتوقيع آباء وأولياء التلاميذ لهذه الاستمارة كإيجاب بطلب الرغبة في الاستفادة من التعليم الحضوري والالتزام باحترام البروتوكول الصحي، والتنظيم التربوي والتدريسي المحدد من طرف المؤسسة التعليمية.
 
ماهي أهم الملاحظات على هذه الاستمارة؟
تتضمن الاستمارة الموجهة إلى آباء وأولياء التلاميذ تصرفين قانونيين؛ 
الأول: وهو التعبير عن إرادة الرغبة للاستفادة من حق التعليم الحضوري، فبدون هذا الطلب، فالجزاء المقرر هو عدم الاستفادة. وقد حولت هذه الاستمارة الأصل في التعليم الحضوري الى استثناء. وجعلت من الاستثناء أصلا، في ظل الظروف الاستثنائية المقررة بفعل الطوارئ الصحية.
فآباء وأولياء التلاميذ، وبعد مرور أجل التعبير عن الطلب لن يقبل منه الاحتجاج بالحرمان من التعليم الحضوري لأبنائهم، مالم يتم فتح فرصة جديدة. لأن للتعبير أثار في جهة المؤسسات التعليمية.
ثانيا: التصرف الثاني القانوني الذي تتضمنه الاستمارة، هو الالتزام باحترام البروتوكول الصحي والتقيد بالتنظيم التربوي والتدريسي المتخذ من طرف مؤسسات التدريسية العمومية والخصوصية. فالالتزام المرتبط بالبروتوكول الصحي لايثير إشكالية مادام محدد سلفا في إطار المراسيم المنظمة للطوارئ الصحية والبلاغات الواردة عن السلطات المختصة نتيجة لذلك؛ من نظافة وتباعد جسدي وارتداء الكمامات، وفي حالة الإصابة أخذ العلاج بالعزل المنزلي.
أما الشطر الثاني من الالتزام الخاص باحترام التنظيم التربوي والتدريسي يثير منذ البداية إشكالا حقيقيا، فهذا الالتزام يعطي حرية مطلقة في التنظيم لمدراء المدارس العمومية والخصوصية سواء في شكل التعليم الحضوري، فقد يتدخلون بحرية في تحديد ساعاته، وفي مضمونه باختيار مواد التدريس خارج نطاق القانون، وقد يمتد إلى احتمال تغيير المدرسة لنمط التدريس من حضوري إلى عن بعد، دون أن يتمكن الآباء من حق الاحتجاج تبعا لطبيعة الالتزام الموقع من طرفهم.
 
لكن ما هي التزامات المؤسسات التعليمية؟
فعلا هذه ملاحظة في محلها، وهي المتعلقة بعدم توقيع المؤسسات التعليمية على نفس الالتزام باحترام البروتوكول الصحي مع آباء وأولياء التلاميذ في نفس الوقت الذي تعرض الوزارة على آباء وأولياء التلاميذ القيام بذلك. وهو ما يجرنا للحديث عن آثار عقد الاستمارة والالتزام وخلفياته؛ في محاولات قطاع التعليم دفع المسؤولية عنه في جهة الآباء.
 
هل نحن إذن أمام عقد إذعان بشروط أكثر خطورة وإجحافا؟
يتضمن عقد الاستمارة إيجابا وقبولا في نفس الوقت. من خلال التعبير عن إرادة الرغبة في التعليم الحضوري للأبناء، وذلك في جزء الاستمارة الأول المتعلق بتقديم الطلب للاستفادة منه، لأن من لم يعبر عن هذه الرغبة يعتبر في حكم الذي يتخلى عنه مرحليا.
وبالنسبة لمن اختار التعليم الحضوري، فإن العقد الذي انضم إليه هو عقد إذعان، لأنه لم يفاوض في شروطه، ولم يتم احترام إرادته إلا في جزء اختياره التعليم الحضوري، مع التزامه المسبق بالخضوع لشروط القطاع الحكومي في احترام البروتوكول الصحي، ولا ضير في ذلك لأن ذلك محدد قانونا.
غير أن الإذعان الأخطر يتجلى في اجبار وزارة التعليم الآباء وأولياء التلاميذ للتنظيم التربوي والتدريسي المحدد من قبل المؤسسة العمومية والخصرصية، والأدهى ترك ذلك التنظيم عاما وفضفاضا ومبهما، ودون تحديده. 
وهو بذلك عقد أكثر ظلما من ظلم من عقد الإذعان. لأن الأخير شروطه ولو هي مجحفة وغير متفاوض بشأنها، فان بنوده وشروطه محددة سلفا ومعروفة من ذي قبل، وقبل توقيع الخاصع له، والقبول به.
فوزارة التعليم حريصة أشد الحرص على إخضاع آباء وأولياء التلاميذ لشروط المؤسسات الخصوصية خاصة في شكل التنظيم التربوي والتدريسي المحدد من قبل هذه المؤسسات. فهي تحركت باسم هذه المؤسسات وبالنيابة عنها، ولصالحها. وفي هذا الصدد أتساءل لماذا لا تفاوض الوزارة بالنيابة عن الآباء بخصوص أثمنة التدريس وتخفيضها لمن اختار التعليم عن بعد؟ ، 
الملاحظ أيضا أن الاستمارة تمنح الحرية للمؤسسات التعليمية بالتخلي عن التعليم الحضوري في أي لحظة..
 
من يحمي الأبناء في هذه الحالة؟
يتجلى العيب الآخر والخطورة الأخرى في العقد في احتمال وإمكانية عدول وتخلي المدرسة عمومية أو خصوصية لنظامها التدريسي في نمطه الحضوري، والانتقال تحت أي ظرف كان، أو بدونه إلى التعليم عن بعد، وهو ما يجعل هذا العقد بمثابة من يستحضر هذا الاحتمال، ومع ذلك يجازف خطرا بصحة وحياة التلاميذ.
فعقد الاستمارة يضمن مخرجا آمنا للمؤسسة، لأنه يلزم الآن باحترام هذا التنظيم، ولو تغير، لأنها تركته بدون تحديد، ومنحت للمدارس حرية هذا التغيير، دون إطار للآباء يلزمها بعدم إجراء هذا التغيير.
هل عقد الاستمارة والالتزام يعفي المؤسسات التعليمية من المسؤولية عن أضرار إصابة التلاميذ بكورونا؟
لم يتحدث عقد الاستمارة عن المسؤولية مباشرة، ولا عن الإعفاء عنها، ولا التخفيف منها ولا إسقاطها ولا إحلال الآباء محل الوزارة والمؤسسات التعليمية. فالمسؤولية مرتبطة دائما بحصول وقيام الخطأ وحدوث الضرر وتبوث العلاقة السببية بين الخطأ والضرر. ولا يمكن تبعا لذلك الحديث عن المسؤولية إلا بعد حدوث الضرر. حيث ينطلق البحث عن المتسبب له خطأ كان أو جريمة أو شبه جريمة.
فعقد الاستمارة، والالتزام باختيار التعليم الحضوري من طرف آباء وأولياء التلاميذ ليس مسقطا لمسؤولية الأطراف المتدخلة. من جهة لأن العلم باحتمال الخطر متوفر لدى الجميع؛ الدولة والوزارة والمؤسسات التعليمية عمومية وخاصة، والأولياء والآباء والتلاميذ، ورغم ذلك تم تنظيم هذه الامكانية واللجوء اليها، وسمح بها القطاع الوزاري المشرف على التعليم، ورحبت المؤسسات بها واتخذت تنظيما من أجل ذلك. 
 
لكن كيف يستقيم اللجوء إلى التعليم الحضوري رغم العلم بقيام الخطر؟
لأن هذا الاختيار المقرون بالخطر يمكن منعه من طرف المشرف والمؤسسة من أساسه. وهو الاختيار الصواب لو أخذت به الوزارة، عوضا عن دفع الآباء إلى المخاطرة والمجازفة بصحة وحياة فلذات أكبادهم. بل إن مسؤوليتها يثبتها هذا الالتزام أكثر من نفيها. فهي المسؤولة عن صحة وحياة التلاميذ تحت أي ظرف كان ومهما كان.
قد تكون الوزارة تسرعت كثيرا في استئناف الموسم الدراسي، وقد تكون في مرتبة من يرتكب جريمة في حق التلاميذ بلجوئها إلى التعليم الحضوري. فالوباء مازال مستفحلا، والأزمة تتفاقم يوما بعد يوم، وآثار الموجة الكبيرة لا يمكن وقفها بعدم توفر اللقاح، واحتمال العودة الى العزل الصحي العام وارد في أي لحظة. فهل اتخذت هذه الخطوة من أجل العودة الى التعليم عن بعد تحايلا عن طلبات الآباء بالتدخل لتنظيم العلاقة بينهم وبين المؤسسات التعليمية الخصوصية!.