الثلاثاء 23 إبريل 2024
مجتمع

محمد تويجر..من ذاكرة مدرسة الحي العمالي "فلاج لبلوك" باليوسفية 

محمد تويجر..من ذاكرة مدرسة الحي العمالي "فلاج لبلوك" باليوسفية  محمد تويجر
أوحى إلي هذا النص الذي كتبه الفنان المسرحي محمد تويجر، وفاء لروح "المعلم والأب" سي محمد مغامير سليل شجرة الشاعر محمد بن إبراهيم المراكشي. النص نابض بثقافة الإعتراف التي انقرضت في زمن الرداءة.. (أوحى إلي) بملتمس نرفعه عبر منبر جريدة "أنفاس بريس" لرئيسة المجلس الجماعي لمدينة اليوسفية لبرمجة نقطة في جدول أعمال دورته القادمة تتعلق بإطلاق اسم مربي الأجيال سي محمد مغامير، على ساحة أو حديقة أو شارع بمدينة اليوسفية، اعترفا بذاكرة الرجل الذي خلد اسمه بمداد الوطنية الصادقة دون ضجيج في مدينة الفوسفاط. 
سي محمد مغامير المراكشي الأصل و الكشكاطي الهوية... نزل ضيفا بالمدينة فاحتضنته الحمرية وائتمنته على أبنائها....لم يخذلها فضمته وارتوى من حنان صدرها، فنال رضاها، وكان نعم الإبن البار و نعم الأب الروحي والمربي الفاضل. (التسليم الحمرية...التسليم).
ليس من السهل ركوب التحدي لولوج أغوار هذا الهرم تربوي...ولهذا اكتفيت بالنبش في شخصيته المتعددة المزايا والخبايا من خلال معايشتي لمشواره الغني بالأنشطة التربوية والثقافية والرياضية و بالمواقف السياسية الطريفة.
كنا نتردد باستمرار على مقر سكناه بحينا (فلاج لبلوك الفوسفاطي) بحيث كان منزله قبلة الجميع، مقرا للقاء الشباب في زمن الفراغ والغياب، عندما كانت اليوسفية تفتقر لدور الثقافة والترفيه و وغياب ورشات التأطيروالتكوين.
سي محمد مغامير من أطر التعليم العمومي، مثال المعلم الأنيق، أناقة زمانه، بهندامه النظيف المتناسق. البذلة المكوية بعناية، والقميص النظيف بربطة العنق والحذاء اللامع، نموذج المعلم المهاب المحترم الذي قيل في حقه "كاد المعلم أن يكون رسولا". 
 
هذا الإطار التربوي تميز في زمانه باستخدام وسائل تحفيزية (معنوية ومادية) لتشجيع التلاميذ على المواظبة والتحصيل وفهم الدرس دون اللجوء إلى العقاب والتعنيف، حارب الهذر المدرسي بدون عناء ولا تكليف...كان يبرمج، لفائدة تلامذته، حصصا خاصة للعب والترفيه الفني و الرياضي...وفي نهاية الموسم الدراسي ينظم حفلا ختاميا، مضمونه الفقرات التي أعدوها وتمرنوا عليها...هكذا أتيحت لنا الفرصة، ونحن أطفال، اكتشاف المسرح و التمثيل والحركة ومتعة مشاركة الجمهور في الفرجة... "تلاميذي ـ ناااااعام" كان يرددها الجميع بصوت واحد و بحماس كبير، يصدح له فضاء الحي.
لم ينل حقه، و لم ينصف في المجال الرياضي الذي أفنى فيه عمره، وصرف فيه راتبه البسيط.
راتب شهري متواضع يلبي كل الحاجيات...عجيب، كيف كان يوازي بين الرخاء وتدبير الأزمات؟ وكيف كانت المواهب تصقل وتتألق والمدينة تزدهر وتزخر بلاعبين ماهرين وشباب مبدعين، بفضل العمل التطوعي لهذا الإنسان المتفاني، الذي يعتبر من مؤسسي دوري الأحياء لكرة القدم باليوسفية وممن كانوا ساهرين على تنظيمه وتدبيره آنداك.
لم يفكر يوما، بل لم تمر بمخيلته أو بذهنه فكرة امتطاء مجال الرياضة لتحقيق أغراض ذاتية أو الوصول لهدف شخصي.
بل كان هدفه التنقيب على الطاقات من الشباب الواعد.
وصقل المواهب وتربيتها على الأخلاق، ثم تقديمها وجبة على طبق من فضة لخدمة الرياضة بالمدينة.
تألم سي المغامير كثيرا في حياته وعاش في صمت وحنين وحزن دفين.
حين فقد سنده ورفيقه في النضال والمقاومة.
خاله محمد بن إبراهيم المراكشي، الملقب بشاعر الحمراء والذي توفي في السجن شهيدا، تاركا جرحا عميقا في قلبه و حلما كبيرا يراوده.
في كل لقاء يجمعني به كان يحكي تصوره للعرض المسرحي الشعري ويتماها في طريقة  إلقاء الأبيات، منشدا بإحساسه الصادق هذه الأبيات الشعرية:
كيف المآل إذا تكون الحال ....بالجوع تقضي نسوةً ورجالُ
هذا الضعيف أمامكم مسترحماً....يرجو النوال فهل لديك نوالُ
عانى سي المغامير من قسوة السجنين. سجن المقاومة من أجل حرية الوطن. وسجن الوطن من أجل كرامة المواطن. ولكن ذلك لم يثني من عزيمته ولا أثر على مبادئه  و وطنيته ، أحب المدينة وأبناء المدينة ووهبها زبد العمر. عاش فيها سعيدا مترفعا عن كل الشبهات ، عاش شريفا متواضعا سخيا ومات كريما شهما أبيا.
غادرنا يوما ونحن في غفلة. نقاوم تيار الحياة  و مسؤولية المعاناة. غادرنا ولسان حاله يردد أبيات من قصيدة "أهل مراكش" كان يعشقها ويفتخر بها، كما كان يتباهى بها شاعر الحمراء في حياته: 
 
أولئك قوم شيد الله فخرهم  .... وما فوقه فخر وإن عظم الفخر      
أناس إذا ما الدهر أظلم وجهه.... فأيديهم بيض وأوجههم زهر 
 
الله يرحمك أسي مغامير. في عهدك تعلمنا معنى الحرية والاستقلالية، وشعرنا بأهمية المسؤولية، وتجنبنا مغامرات المراهقة الفوضوية.
استمتعنا بالسفر والتخييم في صحبتك وبين أفراد عائلتك، عشنا الأمان ولم نحس قط بالحرمان.
نم قرير العين مرتاح البال أيها المناضل العصامي. أبنائك يذكرونك بكل خير.
يدعون لك ويترحمون عليك.
شملتك الرحمة والمغفرة من رب كريم وفتحت لك أبواب النعيم. اللهم أمين اللهم أمين.