السبت 27 إبريل 2024
كتاب الرأي

حميد النهري: الحكومة تتمادى في استغباء المغاربة بهذه القرارات  

حميد النهري: الحكومة تتمادى في استغباء المغاربة بهذه القرارات   حميد النهري
في اطار مواجهة تداعيات جائحة كورونا صدر هذا الاسبوع قرارين للحكومة قاسمهما المشترك الاستهتارأو(الطنز) على المغاربة واستغباءهم.
وفي نفس الوقت صدر تقرير للمندوبية السامية للتخطيط حول تطور سلوك المغاربة تجاه جائحة كوفيد 19، هذا التقرير الذي يدخل في اطار المرحلة الثانية من البحث حول تأثير فيروس كورونا على الوضع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي للأسر، حيث خلص هذا البحث إلى خلاصات تؤكد مرة أخرى أن قرارات الحكومة في واد وحاجيات الفئات الاجتماعية الهشة في واد آخر لنقول:"وشهد شاهد من أهلها".
1 . بالنسبة للقرار الاول هو اصدار رئيس الحكومة هذا الاسبوع منشورا مهما بموجبه يلزم اعضاء الحكومة بقضاء العطلة الصيفية داخل المغرب.هذا القرار في الحقيقة فيه جرأة  وتضحية من طرف الحكومة. يجب أن نصفق له، فاعضاء الحكومة بهذا الإجراء ربما يهدفون التضامن مع الطبقات الاجتماعية الهشة؟؟ والتي اصبحت أكثر شساعة بموجب انخراط من كان يحسب من المواطنين قبل الجائحة على الطبقات الوسطى أو المجاورة للفقر.
لكن اظن ان منطق الظرفية الصعبة التي تعيشها بلادنا يجعلنا نصنفه في القرارات التي تتهكم على المغاربة؛ ويقتضي قراءته بلغة صريحة ومن عدة زوايا (شرح ملح) :
*القرار يدعو الى تنازل وتضحية من طرف اعضاء الحكومة على امتيازهم المقدس، لان هناك بعض الأعضاء من سيحرم نفسه لا من العطلة في الخارج فقط، ولكن من النزوات المرتبطة بالخارج وسَتُفوَت على البعض فرصة أن يشرعن ويحلل في الخارج ما هو محرم هنا في المغرب (كلنا نتذكر ما وقع للبعض في العاصمة الفرنسية باريس) !! اي فرصة رفع القناع والاستمتاع  بالنزوات الشخصية او بالأحرى بالوجه الآخر.
وبالنسبة للبعض الآخر،  العطلة في الخارج تمثل  فرصة لابرام صفقات استثمارية من العيار الثقيل تضمن امتيازات آنية للعائلة في جميع المجالات وتضمن تقاعدا مريحا مستقبلا. فبالنسبة لهؤلاء ما هي الا فرصة لزيارة الابناك الاجنبية والملاذات الضريبية البعيدة عن أنظار المراقبة والاستمتاع بتهريب الأموال والممتلكات وتكديسها في مكان آمن عن المراقبة وعن سؤال من أين لك هذا؟؟ خصوصا خلال هذه الظرفية الصعبة التي تعيشها بلادنا.
* هناك من يرى ان هذا القرار لن يتم احترامه من طرف العديد من أعضاء الحكومة الذين اصبح يراسهم العثماني فقط على الأوراق ؛أما فعليا فهم يشكلون حكومة بل حكومات قائمة بذاتها.
وهناك من يعتقد العكس ان المنشور سيتم احترامه من طرف جل اعضاء الحكومة ليس لطبيعته الإلزامية ،بل فقط لعدم وجود اي وجهة في العالم اليوم آمنة صحيا من الوباء؛ وماليا من التحولات السياسية والإجتماعية ،فالامور لا زالت غامضة خصوصا في البلدان المفضلة عادة لهؤلاء.
* كما ان ورود مسالة تشجيع السياحة الداخلية من طرف اعضاء الحكومة ومسؤولي المؤسسات العمومية في تصريح رئيس الحكومة يزيد الصورة كاريكاتورية. وكأن اغلب اعضاء الحكومة ومسؤولي المؤسسات ينفقون مصاريف عطلهم من جيوبهم؛ فالكل يخرج من المال العام وهذه حقيقة يلمسها جميع المغاربة ويتحسرون عليها .ففي جميع المنتجعات السياحية ببلادنا إلا وتجد إقامات مملوكة في اسم وزارة معينة أو مؤسسة عمومية !! أرفع و أجود هذه الإقامات محجوزة للمسؤول الحكومي أو المؤسسات العمومية  ومحيطه هذا هو الواقع.
حتى الفنادق المصنفة فاتوراتها تذهب الى حساب الوزارة أو المؤسسة العمومية.
إذن سواء استمتع اعضاء الحكومة ومسؤولي المؤسسات العمومية بعطلتهم في الخارج أو في الداخل النتيجة واحدة؛ وهي المال العام وتكريس مبدأ (عفا الله عما سلف).
ليكون اثر المنشور غير مجدي لا اقتصاديا ولا اجتماعيا ولا تضامنيا... 
وكان الأجدر برئيس الحكومة أن يصدر قرارا بإرجاع الأموال المكدسة في الخارج او التنازل عن الامتيازات التي يتمتع بها هؤلاء لتوفير تمويل بعض المشاريع القادرة على المساهمة في الحد من تداعيات جائحة كورونا على الطبقات الاجتماعية الهشة.
فالاسر المغربية كما جاء في خلاصات بحث المندوبية السامية للتخطيط وضعها كارثي أكثر من 7 أسر من أصل 10 اي (71,5 في المائة) من مجموع المواطنين المستجوبين صرحت أنها لا تعتزم السفر خلال العطلة الصيفية وهذه النسبة ترتفع بالنسبة للأسر الأكثر فقرا حيث تصل إلى 86،2 في المائة.  
 وارجعت هذه الاسر ذلك إلى عدة اسباب اهمها عدم توفر المال بسبب الأزمة الصحية وتراكم المتطلبات المالية عيد الأضحى الدخول المدرسي المقبل الشيء الذي يفرض اولويات أخرى أهم. 
2▪ القرار الثاني  للحكومة هو البلاغ الصادر عن وزارة الداخلية بمناسبة عيد الأضحى حيث اكدت أنها ستتخذ جملة من الإجراءات لتنظيم عمليات "ذبح الأضاحي" وتوفير كل الظروف والأجواء تحترم التدابير الصحية والوقائية المعتمدة من قبل السلطات المختصة. وأن السلطات المحلية، ستسلم الجزارين المهنيين وبعض الأشخاص الموسميين "رخصا" تؤهلهم لممارسة هذه العملية مع اخضاعهم مسبقا لاختبارات الكشف عن الفيروس، وتزويدهم بالأدوات والمواد الكفيلة لذلك على ان تعامل المواطنين يجب أن يكون بشكل حصري مع الأشخاص الحاملين لهذه "الرخص" . 
 هذا القرار أيضا يعتبر مهما لأنه يسعى إلى ضمان صحة وسلامة المواطنين. لكنه لا يعالج الإشكالية الحقيقية التي تواجه المواطنين اليوم وهي الإشكالية المادية؛ فأغلب المواطنين من الفئات الإجتماعية الهشة ليس بوسعهم توفير مال لشراء اضحية العيد؛ بالأحرى  كيف سيفكرون في إجراءات ذبح هاته الاضحية؟ . 
فجائحة كورونا انهكت اغلب هؤلاء المواطنين نفسيا وماديا وجاء عيد الأضحى ومصاريف طقوسه ثم العطلة الصيفية ثم الدخول المدرسي الجديد القديم و الإمتحانات المؤجلة في شتنبرالمقبل  ومصاريف الدراسة.....
إذن ما خلفته الجائحة أكملت عليه أجندة المصاريف المتتالية ....
والحكومة تفكر في طريقة ذبح اضحية العيد عوض التفكير في كيفية الحصول على هذه الاضحية. كان بالأحرى استصدار قرار يهدف تنظيم السوق (العرض والطلب) لان في هذه المناسبة سنويا يتضرر المواطن المستهلك من ارتفاع الأسعار نتيجة تدخل الوسطاء .
والفلاح الصغير يتضرر ايضا في هذه العملية من جراء سيطرة هؤلاء الوسطاء على السوق فيربحون في أيام معدودة اضعاف ما يربحه هو مقابل عمله لسنة وأكثر.
إذن دعونا من هذه الأسطوانة فنحن نعرف من يتحكم في السوق الخاص باضحية العيد!  ومن يستفيد أكثر هم اللوبيات الكبرى والوسطاء!؟. 
اما الفلاح الصغير فان استفادته تبقى ضعيفة جدا ولا تكفي خصوصا في هذه الظروف (الجفاف من جهة وجائحة كورونا من جهة اخرى!؟).
هذا هو القرار الحقيقي الذي كان يجب اتخاذه هو تنظيم سوق العرض والطلب يراعي الأزمة الاقتصادية والمالية التي تعيشها الفئات الإجتماعية الهشة قبل الإهتمام بازمتها الصحية.
الخلاصة إذن  للأسف ؛فقرارات الحكومة  لا اظن ان انعكاساتها ستكون إيجابية على الوضعية التي يعيشها المجتمع المغربي بل أكثر من ذلك يمكن أن تزيد الوضع تازما. 
 وبعودة إلى بحث المندوبية السامية للتخطيط فإن تطلعات الأسر بخصوص الأنشطة الاجتماعية بعد فترة الحجر الصحي تتمثل في زيارات عائلية حوالي 45 في المائة من الأسر المستجوبة صرحت بذلك؛ على اساس الثقة في التضامن العائلي بهدف مواجهة آثار جائحة كورونا. وليس الثقة في السلطة.
كما أنه  عموما لم ترق قرارات الحكومة إلى تطلعات وتحديات الفئات الإجتماعية الهشة والأكثر تضررا من الجائحة؛  وظهر ذلك بجلاء من خلال مقتضيات قانون المالية التعديلي 2020 الذي شكل نكسة كبيرة بكل  المقاييس بالنسبة للمواطنين خصوصا الفئات الإجتماعية الهشة.
وعلى الحكومة أن تدق ناقوس الخطر قبل فوات الأوان وان تستوعب دروس جائحة كورونا  والتجاوب مع تطلعات أغلبية المواطنين لضمان الإستقرار الإجتماعي.
فالفئات الاجتماعية الهشة اصبحت أكثر  توسعت رقعتها  ولن تقنع بالطرق الكلاسيكية المهدئة (بالصحة الحمام بالصحة الحلاقة بالصحة الحذاء....) فهذه الفئات تريد اليوم أن تستفيد حقيقة أكثر من الحياة !؟لا ان تاخذ صورا افتراضية للذكرى مع مظاهر التطور تضعها في مواقع التواصل الإجتماعي.
الأسر الهشة تريد من الدولة ان تعطي الأولوية لسياسة تضمن لها ولابنائها تعليما وصحة افضل وخدمات عمومية في المستوى وعيشا كريما. 
الا  بستحف لشعب المغربي ذلك!؟ ؟