الجمعة 26 إبريل 2024
فن وثقافة

عبداللطيف قيلش :برادة يسمي الأمور بمسمياتها في روايته "بعيدا من الضوضاء ، قريبا من السكات"

عبداللطيف قيلش :برادة يسمي الأمور بمسمياتها في روايته "بعيدا من الضوضاء ، قريبا من السكات" عبداللطيف قيلش، وغلاف رواية محمد برادة
رواية "بعيدا من الضوضاء، قريبا من السكات " للروائي المغربي والناقد الأدبي والمترجم محمد برادة، المتكونة من 220صفحة، والصادرة في طبعتها الأولى سنة 2014 عن دار النشر الفنك، تتناول مسار المغرب لما يزيد عن خمسين سنة.
اختار الكاتب أربع شخصيات، الراجي العاطل عن العمل الذي سيتكلف باستطلاع عن المغرب ضمن مهمة مساعدة أحد المؤرخين "الرحماني"، وهو العمل الذي ستتولد عليه هذه الرواية، ثم شخصية توفيق الصادقي الذي عايش فترة الحماية ونضالات الحركة الوطنية ، سيضطر الى التخلي عن طموحه بمتابعة الدراسات الجامعية بباريس ليتحمل المسؤولية العائلية بعد وفاة أبيه ، وولوج الوظيفة مع الإصرار على تحقيق الطموح العلمي عبر المراسلة ، ليتمكن من امتهان مهنة المحاماة . شخصية "فالح الحمزاوي" الذي يمثل جيل الشباب بحسه النقدي وحماسه من أجل التغيير والحداثة. شخصية "نبيهة سمعان" الدكتورة النفسانية التي ستفتح صالونا للقاءات حوارية والبوح بالمعاناة والآلام الداخلية وما يسكن بواطن الذات . يشكل هذا النص الروائي سردا لمسارات الشخصيات في مراحل مختلفة من تاريخ المغرب، تتمحور حول نضالات الحركة الوطنية وطبيعة العلاقة مع العرش، وتعاطي السلطة الاستعمارية مع الأحداث، ومفاوضات القادة على مطلب الاستقلال والتحضير لإيكس- ليبان والخلافات الداخلية التي برزت بخصوص هذه الاستشارات . تسمي الرواية الأشياء بمسمياتها، كاشفة عن تفاصيل تاريخية تكتسي أهمية بالغة "أخشى أن يغدو الرهان هو تثبيت شرعية المخزن الموروثة عن عهد ما قبل الاستقلال المعتم، بدلا من أن يكون هو تشييد مجتمع العدالة والتحرر الذي ناضلنا من أجله." ص 52 . محطات متعددة بعد الاستقلال ترخي بظلالها من خلال حوارات الشخوص ، يتعلق الأمر بإقالة حكومة عبدالله إبراهيم، وأحداث 1963 وانتفاضة 1965، والانقلابين العسكريين لسنتي 1971و1972، والمسيرة الخضراء 1975، والاعتقالات والمحاكمات وثورة مايو 1968 بفرنسا، والمظاهرات الطلابية وقرار منع مادة الفلسفة ، والخطب الملكية ونعت الشباب والمثقفين بالأوباش وبأنصاف المتعلمين ، واغتيال عمر بن جلون سنة 1975 ، والإضراب العام لسنة 1981، ثم تجربة "التناوب" ، يقول الراوي في هذا الصدد " وبدأت المفاوضات لتسفر عن فكرة التناوب على الحكومة ، لا تداول الحكم . والتناوب سيكون على ماذا ؟ على احتلال كراسي حكومة لا تملك سلطة القرار ولا حق المبادرة والتغيير ." ص 127. إن محمد برادة لا يقدم الأحداث من موقع الحياد ، فهو يتناولها برؤية نقدية ، ذلك ايضا ما يعبر عنه عبر الحوار بين الشخوص في الصفحة 129 ، في إطار الحديث عن محطة 2002، موجها النقد إلى المتشبثين بالاستوزار والكراسي أثناء النقاش حول الانسحاب من الحكومة " إلا أن فئة المستوزرين والذين ذاقوا البزولة واستطابوا الكراسي سرعان ما زعموا أن الانسحاب هو تخل عن برنامج الإنقاذ الذي طرحه الحزب ." ص 129 . واصل الشخوص سرد مساراتهم، والمرور عبر محطة انتخابات 2007، وحركة 20 فبراير ودستور 2011 والانتخابات التي تمت على ضوئه وانبثاق حكومة ذات مرجعية دينية، دون التردد في التعبير عن الموقف النقدي من الدستور باعتباره " استجاب لبعض المطالب دون أن يضع حدا للملكية التنفيذية " ص 217 ، وكما جاء على لسان المؤرخ الرحماني أحد شخصيات الرواية " إن لعنة المغرب هي المخزن الذي يتلبس أزياء متعددة ليستديم الامتيازات والسلطة المطلقة والتقاليد الماضوية ...." ص 217\218. لا تخلو الرواية من تناول العلاقة بين المرأة والرجل في أبعادها الجسدية والسيكولوجية والثقافية ، باستحضار معوقات التحرر من الموروث التقليدي الكابت للرغبة واللذة، وتوسيع مساحة الطابوهات والسلوكات الراضخة لها أو المحطمة لها . تتميز الرواية أيضا بغناها الثقافي والفكري باستحضار الأسماء: فرويد- لاكان-نيتشه-ماركس-ماوتسي تونغ- دولوز-سيمون دو بوفوار-وليام رايش-هربير ماركوز-موسيقى بيتهوفن وموزار -فن العيطة....إن مسار الكاتب محمد برادة غني بالعطاء ، وهو المثقف العضوي الذي جمع بين الالتزام السياسي الحزبي والالتزام الثقافي ، لذلك كانت هذه الرواية مليئة بالأحداث والتفاصيل ، وهي بمتابة قراءة نقدية للتاريخ السياسي المغربي، وأيضا الشعور بالخيبة والمرارة " لا أستطيع في الوقت الراهن، الانخراط في عمل حزبي مهما علت نواياه اليسارية، لأن طبقات من التمويه تكسو سماء السياسة عندنا، وتدثرها بلزوجة تضاعف الحيرة والضياع.
لكن، في انتظار أن تنجلي الغيوم ويشحذ الشباب ذكاءهم، يمكن أن أعانق الكتابة والحلم" ص 128، رغم أن الزمن يتسم بصعوبة الوصول إلى القراء، إنه زمن صعب "مضاد للإبداع" على حد تعبير الراوي.