الجمعة 26 إبريل 2024
كتاب الرأي

مصطفى محمد صدقي: إخلاء مكتب محام..من المسؤول؟

مصطفى محمد صدقي: إخلاء مكتب محام..من المسؤول؟ مصطفى محمد صدقي

تفاجأ الرأي العام بسابقة خطيرة تمثلت في إخلاء مكتب محامي ينتمي لهيئة الدار البيضاء ورمي ملفات موكليه بالشارع وتعريض مصالحهم للضياع، ليطرح السؤال من المسؤول؟

 

إن الثابت من خلال الوثائق الأولية التي خرجت للعلن (طلب تعيين مفوض قضائي مقدم من عامل عمالة مقاطعات الدار البيضاء) أن المسؤولية تفرقت بين العديد من الجهات وهي:

 

المسؤول الأول: عامل عمالة مقاطعة الدار البيضاء آنفا.

يبدو أن السيد العامل يعتبر هو أول مسؤول عن هذه الواقعة الخطيرة باعتباره الجهة التي أمرت بتنفيذ القرار الجماعي الصادر عن رئيس مقاطعة سيدي بليوط عدد 1198 والذي يرمي إلى الاخلاء المؤقت للسكان القاطنين بالعمارة التي يتواجد بها مكتب المحامي، وذلك بخرقه للأحكام الخاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها المنصوص عليها ضمن مرسوم بقانون رقم 292-20-2 الصادر بالجريدة الرسمية عدد 686 بتاريخ 29 مارس 2020 وما تبعه من مناشير وقرارات إدارية وأخرى صادرة عن السلطة القضائية ولعل أهمه وقف تنفيذ جميع أنواع وأشكال الإفراغ مهما كانت طبيعتها وأسبابها والجهة التي أمرت بها ووقف سريان الآجالات، فكيف تم إخلاء العمارة في ظل حالة الطوارئ.

 

المسؤول الثاني: رئيس مقاطعة سيدي بليوط

ذلك أن هذا الأخير أصدر قرارا يقضي بالإخلاء المؤقت للعمارة التي يتواجد بها مكتب الزميل بتاريخ 11/03/2020 تحت عدد 1198، معتمدا في قراره على توصية تقرير الخبرة المنجزة بواسطة مكتب الدراسات بتاريخ 26/09/2019.

 

ومما لا شك فيه أن هذا القرار تم اتخاذه في إطار القانون رقم 12-94 المتعلق بالمباني الآيلة للسقوط وتنظيم عمليات التجديد الحضري.

 

وقد أكدت المادة 6 من هذا القانون على أن رئيس مجلس الجماعة يتخذ قراره بتدعيم أو هدم المبنى الآيل للسقوط عندما يتحقق من أن الانهيار الكلي أو الجزئي للمبنى المذكور قائم، ويتم هذا التحقق بواسطة خبرة تقنية تقوم بها مصالح الإدارة المختصة أو بناءا على تقرير مكتوب تعده اللجنة الإقليمية، وهو ما يعني أن الأساس المعتمد من طرف رئيس مقاطعة سيدي بليوط غير سليم، مادام أن المشرع حدد وسائل الإثبات على سبيل الحصر، وهي إما خبرة تقنية تقوم بها مصالح الإدارة المختصة، وإما تقرير تعده اللجنة الإقليمية.

 

كما ألزم المشرع رئيس مجلس الجماعة طبقا للمادة 9 أن يخبر بواسطة قرار مالك المبنى أو مشغليه وذلك بعد توصله بتقرير مكتوب من اللجنة الإقليمية المنصوص عليها في المادة 29 من نفس القانون.

 

ويتم تبليغ الأشخاص المعنيين أي المالك ومستغل المحل بجميع وسائل التبليغ المنصوص عليها في م 20 من نفس القانون أي عن طريق السلطة الإدارية المحلية التي يوجد المبنى داخل نفودها الترابي في حالة تحديد هويتهم.

 

وفي حالة تعذر تحديد هويتهم يتم التبليغ بالوسائل التالية:

النشر بجريدتين وطنيتين.

وكيل الملك، لدى المحكمة الابتدائية التابع موقع المبنى المعني لدائرة نفوذها.

التعليق بمقر الجماعة والمقاطعة.

تعليقه على واجهة المبنى المعني.

 

إن الثابت من خلال الوثائق وتصريحات المحامي المعني بالأمر أن السيد رئيس الجماعة لم يحترم هذه الإجراءات المسطرية، ذلك أنه لا يمكن أن يزعم أنه تعذر عليه تحديد هوية مستغل الشقة التي يتواجد بها مكتب المحامي، بل كان عليه على الأقل عندما حاول تبليغه ولاحظ أن الأمر يتعلق بمكتب محامي وتعذر تبليغه حينها بسبب فرض حالة الطوارئ أو لأي سبب آخر أن يعمل على مراسلة نقيب الهيئة التي ينتمي إليها أو تبليغ القرار إلى السيد وكيل الملك الذي كان بدوره سيحيل الأمر على مكتب النقيب.

 

إن المشرع ألزم السيد رئيس مجلس الجماعة بسلوك مسطرة التبليغ صيانة لحقوق الأطراف حيث أعطى لهم إمكانية تقديم فحص جديد بواسطة مهندس مختص يتضمن تشخيصا مغايرا لوضعية المبنى طبقا للفقرة 3 من المادة 11 وخول للمعني بالأمر الطعن في قرار رئيس مجلس الجماعة أمام رئيس المحكمة الإدارية التي يوجد بدائرتها المبنى بصفة قاضيا للأمور المستعجلة طبقا للمادة 12.

 

إن الواضح من هذه المعطيات أن السيد رئيس مقاطعة سيدي بليوط لم يحترم قانون رقم 12-94 وحاول بسوء نية تفويت فرصة الطعن على المحامي وممارسة الحقوق التي خولها له القانون المذكور خدمة لجهة معينة.

 

المسؤول الثالث: المفوض القضائي

لقد استصدر السيد عامل عمالة مقاطعة الدار البيضاء أنفا أمرا عن السيد رئيس المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء بتاريخ 16/06/2020 يقضي بالموافقة على الطلب الذي تقدم به من أجل تعيين مفوض قضائي لحضور تنفيذ قرار إداري حيث حددت مهام المفوض القضائي في مواكبة تنفيذ عملية الإخلاء ومعاينة ما يمكن معاينته وجرد ما يمكن جرده أثنا عملية إخلاء الشقق.

 

فإذا كان دور المفوض القضائي هو معاينة عملية الإخلاء فقط دون تنفيذها فإن مهمته الثانية هو القيام بعملية الجرد، فكان لزاما عليه وفي إطار القانون أن يعمل على تبليغ السيد رئيس المحكمة الابتدائية أو وكيل الملك بها بأن هناك خرقا سافرا لقانون المحاماة يتم أمامه.

 

إن المشرع نص في الفقرة الأخيرة من المادة 59 من القانون المنظم لمهنة المحاماة على أنه (لا يمكن تنفيذ حكم بإفراغ مكتب محام إلا بعد إشعار النقيب واتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان مصالح موكليه) ولعل الغاية من سن هذا الفقرة ضمان مصالح موكلي المحامي أي حقوق المواطنين .

 

أن السيد المفوض القضائي عاين أن عملية الإخلاء تتعلق بمكتب محامي ومع ذلك لم يقم باتخاد ما يفرضه عليه القانون، ذلك أنه طبقا للمادة 16 من القانون المنظم لمهنة المفوضين القضائيين يمارس المفوض القضائي المهام الموكولة إليه في تنفيذ الأوامر والأحكام والقرارات وينجزها وفقا للقواعد العامة للتنفيذ وذلك تحت مراقبة رئيس المحكمة.

 

وبما أن المفوض القضائي لم يقم بإخبار السيد رئيس المحكمة أثناء معاينة خرق القانون وعدم احترام المادة 59 فإنه يكون بدوره مسؤول عن هذه الواقعة.

 

وتأسيسا على ما سبق،

يمكن التأكيد أن عملية الاخلاء التي تعرض لها مكتب المحامي الأستاذ الحسين الطالبي دبر لها بالليل وتمت خرقا للقانون لفائدة أصحاب المضاربات العقارية الشيء الذي يستدعي تدخل الجهات المعنية لفتح تحقيق نزيه في الموضوع وعلى رأسها النيابة العامة ووزارة الداخلية.

ذ/ مصطفى محمد صدقي، محام، رئيس جمعية التواصل المهني للمحاماة