الأربعاء 24 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد الحي السملالي: الحراك وتحديد المفاهيم داخل منظومة مغاربة العالم

عبد الحي السملالي: الحراك وتحديد المفاهيم داخل منظومة مغاربة العالم عبد الحي السملالي

الوطنية، حسب تقديري، ليست كلاما يكتب، ولا شعارات ترفع، ولا تبجح ناتج عن نفاق مغرض، لا نضال فيه، ولا تضحية فيه، ولا نكرانا للذات فيه. ولا موت فيه، ولا تفان فيه في خدمة الحبيب، إنما الوطنيةُ، قبل كل شيء، هي الحب الذي نكنه للوطن الناتج عن الايمان به الذي وقر في القلب، وصدقه الخلق والسلوك والعمل، إنها شعورٌ لا تشدق ولا تباهي ولا تهجم على الآخرين، فيه، شعور يرفض النعارات ويستهجن العنصريات ويحارب التعصب، إنها احساس يحرم المزايدة ولا يقبل المساومة".

 

إن المخاض الذي يجري بقوة وحيوية داخل منظومة مغاربة العالم، في الوقت الراهن، ظاهرة صحية ومطلوبة تدل على أن هناك حِراكٌ واعٍ، يعبر فيه المجتمع المدني، ومن خلاله، عن طموحاته ومطالبه وعن رغبته في التغيير وفي تبني واقرار الجديد الذي يجعل منظومتنا تواكب العصر وتواكب سيرورته، وتتحكم في صيرورته وتجعل من الراهن، ماضيا تضعه في مكانه اللائق به من التاريخ، ومن الرؤية المستقبلية ركيزة أساسية لكل منهجية تتبناها لتحقيق مشروعها المجتمعي.

 

إن هذا الحراك إن دل علي شيء فإنما يدل على رفض فعاليات المجتمع المدني، للقطعنة وللحجر ولممارسة الوصاية عليها وعلى وجدانها وللرقابة على عقولها وتفكيرها، كما يدل على استعداد ذات الفعاليات للتصدي لكل محاولة للتدجين أين كان نوعها، فردية أو جماعية…، إن نقاش هذا الراهن الذي يريد هذا الحراك أن يجعله ومنه ماضيا يضعه في مكانه اللائق به من التاريخ، يقتضي منا أولا وقبل كل شيء أن نتفق على معنا وتعريفا محددا لبعض المفاهيم وأن نوضح حمولاتها، ونضعها في مكانها في الفكر الذي يدرس وينظر لمنظومتنا أي لمنظومة مغاربة العالم،… وفي محاولة منا لتعريف هذه الأخيرة، التي تمثل الأرضية التي تجري فيها وعليها هذه الأحداث والفضاء الذي يدور فيه النقاش قلنا: "هي بيئة بشرية بعدة فضاءات يعتبر المغرب مرجعتيها الفضائية، عناصر مكوناتها مغاربة العالم وكل مغاربة المهجر لهم الحق الطبيعي في الانتماء لها وإليها، يوحد عناصرها ويجمع بينهم داخلها عدة علاقات منها والوطنية والثقافات المغربية والهوية وإمارة المؤمنين واللغات والديانات، ومن هذه العلاقات، يستمد كل عنصر وظيفته وفي فضاءاتها يمارس مواطنته"؛ ومن تم السؤال ما هي إذا المواطنة دخل وخارج منظومة مغاربة العالم؟

 

إذا كان هذا تعريفنا للفضاء الذي تجري فيه أحداث هذا الحراك، فهناك مفاهيم أخرى ثم تداولها بكثرة، داخل منظومتنا، دون سابق تعريف لها في هذا الفضاء والذي تدوّلت فيه بطريقة تكاد تكون عشوائية، وذلك منذ بداية الحراك أي منذ ما يزيد عن سنة، وانتقلت عدوى لغطها بسرعة خارج المنظومة أي داخل المغرب، وهي، حسب تقديرنا، مفاهيم فضفاضة وجديدة على منظومتنا ويعتريها كثير من الغموض والضبابية، رغم كونها أصبحت مع مرور الوقت متداولة، بشكل عادي وطبيعي، بين المثقفين وأشباه المثقفين من مغاربة العالم، وذلك من جريرة كثرة تبجح البعض بها وخاصة مفهومان منها، اثنان: الأول يتعلق بالمواطنة داخل فضاء مغاربة العالم، والثاني ولد من رحم الأول ويتعلق بالمواطنة الكاملة والتي تحمل معنى المواطنة في فضاء مغاربة العالم والتي لا تكون كاملة إلا إذا مورست بحقوقها السياسية في فضاء البلد الاصلي...

 

إن تداول مصطلح ما أو مفهوم ما بكثرة لا يكفي ليعطيه معنا واضحا في أذهان مستعمليه، أو لإعطائه تعريفا شافيا كافيا لدارسيه، فهل يا ترى كل الذين يستعملون هذه المصطلحات المفاهمية، على دراية بمعانيها؟ إن الاجابة على هذا السؤال تحتاج أولا الى معرفة معنى المواطنة خارج منظومة مغاربة العالم، أي التي تتعلق بالمواطن المقيم في بلده الأصلي، ثم مواطنة المهاجر الحامل للجنسية، التي تتعلق ببلد إقامته، ثم مواطنة هذا الأخير والتي تتعلق ببلده الأصلي داخل منظومة الهجرة والمهاجر، هذا عام يرغمنا على العودة إلى الخاص لإيجاد جواب شافي، للإشكاليات التي طرحناها سالفا، هذا الخاص الذي ستكون من خلال مناقشة الاسئلة التالية: ما الذي يجمع مغاربة العالم داخل منظومتهم؟ أهو جنسيتهم؟ أم مواطنتهم؟ أم هما معا؟ أم هويتهم؟ أم شيء اخر؟ وإذا كانت المواطنة هي التي تجمعهم، فبأي معنى؟

 

حينما أرى بعض مغاربة العالم يرفعون شعار المطالبة بالمواطنة الكاملة سرعان ما أقول مع نفسي إن هؤلاء يطالبون بأقل من حقهم، وإنه يجب ان يعيدوا النظر في فهمهم لمعنى المواطنة، فمواطنة مغاربة العالم مواطنة كاملة وزيادة! كيف ذلك؟

المواطنة هي ممارسة قبل كل شيء وليست انتماء لكنها تتطلب شرط الانتماء الذي يوفر لها حقل وفضاء الحقوق الذي تمارس فيه، ودون هذا الأخير أي دون فضاء ممارستها الذي يضمن تواجدها يصبح الحديث عنها غير ذات معنى، ومن ثم يصبح الانتماء شرط أساسي لتواجد “ممارسة” المواطنة هذا الانتماء الذي يجب أن يكون إلى مجتمع واحد ومعين تضمه بشكل عام مجموعة من الروابط، فيها الاجتماعي والسياسي والثقافي/الهوياتي، انتماء يوحدها في إطار دولة معينة تكون الجهاز الناظم والضامن لمجموعة من الحقوق كالحق في العمل والحق في الإقامة والحق في المشاركة السياسية و… أي الضامن لفضاء الحقوق الذي تمارس، المواطنة. فيه وعليه وبه ومن خلاله، ومن تم الإشكال المطروح في حالة مواطنة مغاربة العالم التي فيها الانتماء، كما تعلمون، متعدد وإلى أكثر من مجتمع, والإنسان حينما يكون بانتماءات متعددة وحامل لعدة مشاريع مجتمعاتية بعضها يتعلق ببلد الإقامة والبعض الآخر بالبلد الأصل، يصعب تعريف مواطنته وتحديدها وحصرها، مما يجعلنا نحس بانسداد وانحباس على مستوى الفكر، وكذا الإشكالية تتراء لنا مغلقة وتجعلنا نميل نحو النظري بحثا عن استقرار فكري يتطلب منا اعادة صياغة.. هذه الإشكالية التي تحيلنا على اشكالية أخرى إشكالية الثابت والمتغير في المواطنة. وقد يذهب بنا هذا الوضع بعيدا لنطرح السؤال حول مواطنة من هذا النوع هل هي ثابت أو متغير؟

 

سنجيب على هذا السؤال في التو واللحظة وبسرعة فائقة من خلال الفرضية التالية: إن المغربي المتواجد في فرنسا، وهنا تعمدت أن لا اقول المواطن المغربي حتى لا اخلط بين الجنسية والمواطنة رغم أن القانون لا يفرق بين هذين المفهومين، أي أنه يعطي لمفهوم المواطنة حمولة مفهوم الجنسية ولمفهوم الجنسية حمولة مفهوم المواطنة، على أية حال بيت القصيد عندنا هنا هو ممارسة هذا المغربي لحقوقه أي لمواطنته التي تتغير حسب الظروف الزمكانية! كيف ذلك؟ لنبدأ بالفضاء الزمني:

إن حقوق الفرنسيين مثلا، تغيرت مع الزمن، وهذا أمر بديهي، فحقوق المثليين الفرنسيين في ستينيات القرن الماضي ليست هي حقوقهم حاليا، إذن إذا تغيرت حقوقهم فإن ممارستهم لهذه الحقوق تتغير؛ وبالتالي فإن مواطنتهم تغيرت ومن هنا تكون المواطنة متغير لا ثابت، ورغم هذا الوضوح بأن المواطنة متغير يخضع لعامل الزمن، قد يقول قائل إن المفهوم، أي مفهوم المواطنة، هو الذي تطور أم المواطنة فإنها ثابت لا تحوُّلٓ فيه، لندحض هذه الادعاء، بالعودة الى ذلك المغربي المتواجد في فرنسا، فإن كان لا يحمل الجنسية الفرنسية فإنه لا يتمتع بنفس الحقوق التي يتمتع بها الفرنسيين ولا يمكنه كمغربي أن يمارس ويتمتع بحقوقه كمغربي في فضاء الحقوق الفرنسي، كتعدد الزوجات مثلا وغير ذلك في حين يتمتع بممارس عدة “حقوق” كإفطار رمضان والعلاقات الجنسية الغير الشرعية و…. ومن تم فإن ممارسة الحقوق تتغير بتغير وتغيير المكان، فتكون، المواطنة، بكل هذا متغير لا ثابت!

 

- عبد الحي السملالي، أستاذ باحث في الرياضيات