على مر الزمن عشنا -أغلبية شباب المغرب- وتجرعنا حلم الهجرة والتحرر والارتقاء نحو وضع أفضل، تحسين الظروف المادية وتسلق سلم الطبقات للوصول إلى مستوى أحسن، ربما نماذج الهجرة هي التي تعطينا الحافز والشغف من اجل اكتشاف حياة ما وراء البحر. المهاجرين -العائلة والجيران- الذين سعفهم الحظ، يتباهون كل صيف بالمناخ والحياة في الخارج والحقوق... ما نسمع من حقائق عن اسلوب حياة خارج الوطن يغذي أحلامنا... حلم السفر والاستقرار وجمع المال بسرعة وإنشاء بيت والزواج بأجنبية زرقاء العينين، العيش وسط دولة توفر لك الأولويات من تطبيب وتعليم مجاني ومعيشة معقولة وأجواء ليست متواجدة في الوطن، ربما الهجرة حل للأزمات، فكما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: المال في الغربة وطن، والفقر في الوطن غربة.
دوافع الهجرة كثيرة، فهناك من يهاجر في سبيل حرية التعبير، خير مثال الصحفي السعودي (جمال خاشقجي) الذي تقلد الكثير من المناصب المهمة انتهى به المطاف لاجئ بين أمريكا وتركيا، السبب مواقفه المعارضة ضد سياسة ولي عهد وملك السعودية، كما أنه ضد الكثير من السياسات السعودية، أبرزها التوغل العسكري السعودي في اليمن... قُتل بقنصلية السعودية في ظروف غامضة وبأسلوب وحشي، رغم نفي أي تدخل سعودي في الأمر أو علمهم بخطة الاغتيال، لكن في الأخير ظهرت الحقيقة، قُتل شهيدا لمواقفه المعارضة التي ازعجت الكثير.
قبل أيام في 6 يونيو 2020 تم الإعلان على نتائج القرعة العشوائية الأمريكية، الحلم الأمريكي الذي تشعب في عقولنا بالآونة الأخيرة، طريق إلى الخروج نحو عالم كبير، إلى دولة الديمقراطية والحرية والفرص، يمكن بمجهود قليل وقدرات عادية أن تحقق المستحيل أو أن تصبح غني... كل هذه الشعارات وأكثر لطالما وصلتنا عبر الرسائل السرية الخفية في البرامج الامريكية والأفلام الهوليودية.
أفكار جميلة حقا تباغتنا قبل ظهور النتيجة، تُشكل طريق في مخيلتك إذ ما فُزْتَ، وبعد حصولك على التأشيرة وكل الخطوات التي يجب أن تتبع، فتأتي رسالة HAS NOT BEEN SELECTED وتكسر ما حلمنا به، ربما هناك من وضع امله على الفوز ولم يحرك عجلة الحياة منذ تعبئة الطلب إلى صدور النتائج، أمل غير مؤكد نعيشه طول سنة بالفوز ومغادرة واقع ربما لم نساهم بالقليل في تغييره ودائما ما نلقي اللوم على التحديات وعن المصاعب بدون بحث أو تجربة، والخطير في الأمر هو اتهام الآخرين بأنهم السبب، الأصح أن نعيش الحلم لكن مع لواء القتال وسط واقعنا.
الهجرة بمجملها سعي وطريق رائع يمكن لها أن تفتح أفاق في رقعة جغرافية أخرى، في مكان ربما ليس للرشوة أو المحسوبية تأثير، الكلمة تكون هناك للمواهب الحقيقة والكفاءات التي تضع بصمة وأثر في مسار الإنجازات، إبداعك وما تحمل من مهارات وما ستتعلم في ذلك المكان هو طريقك إلى الرقي وإثبات الذات، لكن إن لم تتيسر الأمور فهنا -وسط الوطن- يجب علينا أن نُسْمِع الكلمة ونشق الطريق ونثبت الذات مهم كلف الثمن.