الجمعة 26 ديسمبر 2025
منبر أنفاس

الحسين الدومي:   احتفالات لا تُشبهنا..

الحسين الدومي:   احتفالات لا تُشبهنا.. الحسين الدومي
 مع نهاية كل سنة ميلادية، يتكرر المشهد نفسه في عدد من المدن المغربية: زينة الميلاد تتصدر الواجهات، الأشجار تتوسط الفضاءات العامة والخاصة، والمجلات والإعلانات تتحدث عن "احتفالات رأس السنة" وكأنها أمر بديهي، يتقاسمه الجميع. غير أن هذه المظاهر، التي قد تبدو للبعض بريئة أو "عصرية"، تفتح بابًا عميقًا من التساؤل حول مدى وعي المجتمع المغربي، المسلم في أغلبيته الساحقة، بمآلات هذه الممارسات التي لا تنتمي إلى عقيدته، ولا إلى ثقافته.
 
في الدين الإسلامي، لا يوجد ما يُعرف بعيد الميلاد، بل إن جوهر الاحتفال بهذا العيد يقوم على الاعتقاد بأن لله ولدًا، وهو ما يُناقض تمامًا عقيدة التوحيد التي تُشكل أساس الإسلام. ومع ذلك، نلاحظ أن بعض الأسر، والمدارس، والمحلات التجارية، بل وحتى بعض المؤسسات، باتت تروج لهذا الطقس بغير وعي ديني، بل بمنطق ثقافي سطحي، يرى في "الكريسماس" مجرد لحظة احتفال وزينة وفرح، دون فهم الخلفية العقائدية التي يقوم عليها.
 
هنا يبرز السؤال الجوهري: ما الذي يجعل مجتمعًا مسلمًا، يفترض أن يكون معتزًا بثقافته وقيمه، ينخرط في احتفال ديني مسيحي؟ هل هو ضعف في التربية الدينية؟ أم غياب التوجيه الرسمي؟ أم هو الانبهار بالثقافة الغربية، في ظل هيمنة إعلامية واقتصادية وفكرية فرضت رموزها حتى في وجدان غير معتنقيها؟
 إن من يبرر هذه الممارسات بدعوى "التحضر" و"احترام الآخر" يُفرط – غالبًا دون قصد – في ثوابت إيمانه. فالتحضر لا يعني الذوبان في الآخر، ولا يستلزم مشاركة رموزه الدينية. كما أن احترام الآخر لا يكون على حساب المعتقد، بل في إطار تعايش سلمي واضح المعالم، يعرف فيه كل طرف حدوده دون أن يتنازل عن جوهره.
 
وفي هذا السياق، لا يمكن إعفاء وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية من مسؤوليتها. فهي الجهة التي يُفترض أن تتصدر التوجيه الديني في المجتمع، وتعمل على ترسيخ الفهم الصحيح للعقيدة، خصوصًا لدى فئات الشباب والناشئة. فبينما تنتشر هذه المظاهر الغربية في فضاءاتنا العامة، يندر أن نجد خطبًا أو حملات توعية تشرح للناس حقيقة هذه الطقوس، وتُبين موقف الإسلام منها بلغة تربوية، حكيمة، وراشدة.
 
دور الوزارة لا ينبغي أن يكون موسميًا أو مقتصرًا على الردود الخافتة، بل يجب أن يكون استباقيًا، بنّاء، يعيد للمجتمع ثقته في مرجعياته الدينية. كما أن على المؤسسات التعليمية أن تُدرج هذه النقاشات ضمن برامجها التربوية، فتعلّم الأطفال الفرق بين التعايش والانبهار، وبين الاحترام والتقليد.
 
في النهاية، عدم احتفال المسلم بـ"الكريسماس" لا يعني أنه ضد المسيحيين، ولا أنه يرفض العيش المشترك. بل هو فقط متمسك بإيمانه، حريص على ألا يكون جزءًا من طقس لا يؤمن بجوهره. الإسلام لا يكره الآخر، لكنه يرفض أن يتخلى أتباعه عن عقيدتهم بحجة الانفتاح أو مجاراة الموضة.
 الوعي هنا هو الكلمة الفاصلة. وعي يجعلنا نميز بين ما يجب احترامه وما يجب رفضه، بين ما يمكن التفاعل معه وما يجب أن نتركه للآخر دون أن نستورد رموزه. فهويتنا ليست عبئًا، بل مصدر قوة، وحين نعرف من نحن، سنعرف كيف نحترم الآخر دون أن نفقد أنفسنا.
الحسين الدومي ، باحث في قضايا الفكر والمجتمع