الجمعة 29 مارس 2024
سياسة

تحليل: رحيل اليوسفي يحيي شغف الشباب بالذاكرة المغاربية المهدورة

تحليل: رحيل اليوسفي يحيي شغف الشباب بالذاكرة المغاربية المهدورة الملك محمد السادس إثر توليه العرش سنة 1999 في لقاء مع رئيس حكومة التناوب عبد الرحمان اليوسفي وعدد من الوزراء
 في زحمة انشغال المغرب والعالم بجائحة كورونا، ورغم ظروف الحجر الصحي فقد عوض المغاربة جنازة مهيبة كانت ستجري مراسمها في الدار البيضاء للفقيد الكبير، باهتمام غير مسبوق عبر مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام.
دأب أهل المغرب الكبير على تكريم شخصياتهم الكبيرة والتاريخية بعد وفاتها، وبذلك لن يشذ عبد الرحمان اليوسفي عن هذه القاعدة، فوسائل الإعلام ومنابر الفكر والأدب والسياسة والإعلام، تعيد اليوم اكتشاف سيرة رجل قضى حياة طويلة (96 عاما) بين الكفاح من أجل استقلال بلاده وحرية الانسان وحقوقه وبناء دولة القانون والمؤسسات.
ويضفي اهتمام مواقع التواصل الاجتماعي بأشكالها التفاعلية مزيداً من الإثارة والشغف بقصة اليوسفي الذي يعتبر إحدى أيقونات السياسة في المغرب الحديث.
ذاكرة اليوسفي الكتوم
قبل رحيله بعامين صدر كتاب "أحاديث فيما جرى" وهو بمثابة مذكرات سياسية لعبد الرحمان اليوسفي، وهي كما يصفها الراحل نفسه في عنوان الكتاب "شذرات من سيرتي كما رويتها لبودرقة"، ومبارك بودرقة رفيق درب اليوسفي طيلة عقود المنفى بالجزائر وفرنسا ثم الحقبة الأخيرة من حياته بالمغرب.
ويقع الكتاب في 240 صفحة، ويغطي كامل مراحل سيرة اليوسفي منذ طفولته في طنجة ثم مرحلة كفاحه ضد الاستعمار الفرنسي، ونضاله بعد استقلال المغرب من أجل الحريات السياسية وحقوق الانسان، حتى توليه رئاسة أول حكومة تناوب ديمقراطي توافقي في تاريخ المغرب والعالم العربي، وصولاً إلى "اعتزاله" للسياسة في السنوات الأخيرة من حياته. لكن المؤرخين والعارفين بتاريخ الرجل وطبيعة شخصيته الكتومة والمتحفظة يدركون أن الكتاب لا يمثل سوى نذراً يسيراً من تراثه السياسي الغزير.
وبرحيل اليوسفي تكون بلدان المغرب قد خسرت وجهاً سياسياً آخر طبع تاريخ المنطقة الحديث بأدواره المتعددة الوطنية والمغاربية والعربية والدولية، ففي العقود الثلاثة الأخيرة فقدت البلدان الثلاثة أو تكاد تفقد ما تبقى لها من حلقات الجيل التاريخي الذي صنع استقلالها وثوراتها وجانباً مهماً من معالم الدولة الوطنية الحديثة.
نزيف في الذاكرة المغاربية
كان عام 1992 عصيباً، فقد اُغتيل فيه الرئيس الأسبق محمد بوضياف وأحد قادة الثورة الجزائرية، وفقد المغرب أحد زعماء الحركة الوطنية واليسار عبد الرحيم بوعبيد. وفي عام 2000 رحل الرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة، الأب الروحي لدولة تونس المستقلة. وفي عامي 2012 و2015، فقدت الجزائر ما تبقى من قادة ثورتها التاريخية: أحمد بن بلة وحسين آيت أحمد.
 

أعضاء القيادة السداسية للثورة الجزائرية (أرشيف): رابح بيطاط، مصطفى بن بولعيد، محمد بوضياف، ديدوش مراد، كريم بن بلقاسم، العربي بنمهيدي

وبدوره فقد المغرب في العقدين الأخيرين سلسلة ذهبية من زعمائه التاريخيين، أبوبكر القادري وعبد الهادي بوطالب وأحمد بنسودة ومليكة الفاسي، منهم مَنْ وقع على وثيقة المطالبة بالاستقلال ومنهم مَنْ شارك في مفاوضات ايكس ليبان حول استقلال المغرب، والدكتور عبد الكريم الخطيب من مؤسسي جيش التحرير المغربي وامحمد بوستة وزير الخارجية الأسبق وخليفة علال الفاسي على رأس حزب الاستقلال والسياسي المخضرم الفقيه البصري، وصولاً إلى رحيل الملك الحسن الثاني.
معظم الشخصيات والزعماء التاريخيين لبلدان المغرب، لا يدونون مذكراتهم السياسية، وحتى المؤلفات، كتب أو شهادات، التي تركوها لا توفر مادة تاريخية بقيمة وحجم تراثهم السياسي أو الفكري. وجل الأعمال التوثيقية التي أنجزت حولهم سواء منها المكتوبة أو السمعية البصرية (إذاعية، تلفزيونية، أفلام) لا تغطي سوى جوانب معينة من سيرهم الحافلة.
مَنْ يطلع على سيَرِ شخصيات تاريخية مثل اليوسفي أو آيت أحمد أو بوضياف أو الخطيب، سيجد قاسماً مشتركاً فيما بينها، يتمثل في أن عملهم السياسي أو النضالي كان يتجاوز حدود ونطاق الدولة الوطنية، لأن الأرضية التي تأسس عليها تعود إلى حقبة الكفاح المشترك ضد الاستعمار الفرنسي أو الاسباني، وإبانها كان المجال المغاربي واقعاً إنسانياً وبشرياً وسياسياً وليس مجرد حلم.
ومن هنا تأتي خشية بعض المؤرخين وعلماء الاجتماع من فقدان جزء من الذاكرة السياسية المغاربية المشتركة بسبب رحيل رجالات هذا الجيل. وما يعزز هذه المخاوف أن دول المغرب الثلاثة لم تضع لحد الآن مؤسسات متخصصة في الأرشيف وحفظ تلك الذاكرة التاريخية.
قبل فوات الأوان!
أكثر حدّة حول حفظ الذاكرة الجماعية لشعوب ودول منطقة بأكملها. ورغم أنه قد يبدو مهمة صعبة للغاية خصوصاً بعد أن أهدر وقت طويل، لكنها ليست مستحيلة. فإذا تم الانطلاق من المادة التوثيقية والتاريخية المتوفرة لدى دول المنطقة ومراكز أرشيفها القائمة، حول حقبة الكفاح من أجل الاستقلال وبدايات بناء الدولة الوطنية في بلدان المغرب، يمكن رصد خمسة عناصر حيوية لتحقيق الفكرة وجعلها قابلة للإنجاز.
أولها، الاستفادة من شهادات شخصيات مغاربية تاريخية ما تزال على قيد الحياة. ومن هؤلاء: الوزير المغربي الأسبق وأحد زعماء حزب الشورى والإستقلال، امحمد الشرقاوي الذي شارك في مفاوضات ايكس ليبان، والزعيم اليساري محمد ينسعيد آيت يدر أحد قادة جيش التحرير في جنوب المغرب، وجميلة بوحيرد التي تعتبر من رائدات الكفاح في الثورة الجزائرية، وأحمد بن صالح أحد القادة التاريخيين لمركزية الاتحاد العام التونسي للشغل وأحد أشهر وزراء تونس في ستينيات القرن الماضي، وأحمد المستيري من رفاق الرئيس الأسبق بورقيبة في بدايات الاستقلال والمنشقين عنه في السبعينات والثمانينات وزعيم المعارضة الديمقراطية الاجتماعية.
أكثر حدّة حول حفظ الذاكرة الجماعية لشعوب ودول منطقة بأكملها. ورغم أنه قد يبدو مهمة صعبة للغاية خصوصاً بعد أن أهدر وقت طويل، لكنها ليست مستحيلة. فإذا تم الانطلاق من المادة التوثيقية والتاريخية المتوفرة لدى دول المنطقة ومراكز أرشيفها القائمة، حول حقبة الكفاح من أجل الاستقلال وبدايات بناء الدولة الوطنية في بلدان المغرب، يمكن رصد خمسة عناصر حيوية لتحقيق الفكرة وجعلها قابلة للإنجاز.
أولها، الاستفادة من شهادات شخصيات مغاربية تاريخية ما تزال على قيد الحياة. ومن هؤلاء: الوزير المغربي الأسبق وأحد زعماء حزب الشورى والإستقلال، امحمد الشرقاوي الذي شارك في مفاوضات ايكس ليبان، والزعيم اليساري محمد ينسعيد آيت يدر أحد قادة جيش التحرير في جنوب المغرب، وجميلة بوحيرد التي تعتبر من رائدات الكفاح في الثورة الجزائرية، وأحمد بن صالح أحد القادة التاريخيين لمركزية الاتحاد العام التونسي للشغل وأحد أشهر وزراء تونس في ستينيات القرن الماضي، وأحمد المستيري من رفاق الرئيس الأسبق بورقيبة في بدايات الاستقلال والمنشقين عنه في السبعينات والثمانينات وزعيم المعارضة الديمقراطية الاجتماعية.
 
عن موقع: DW