الجمعة 29 مارس 2024
فن وثقافة

"المغرب الذي كان".. أبا حماد ينفذ خطة الانتقام من "آل الجامعي" (7)

"المغرب الذي كان".. أبا حماد ينفذ خطة الانتقام من "آل الجامعي" (7) هشام بنعمر بالله وصورتان توثيقيتان للسلطان مولاي عبد العزيز وللمجلس الوزاري على عهد السلطان الحسن الأول رفقة أبا حماد

اختارت جريدة "أنفاس بريس" طيلة شهر رمضان أن تقدم لكم بعض المقتطفات من الترجمة العربية التي قام بها الأستاذ هشام بنعمر بالله لكتاب "المغرب الذي كان" للصحفي البريطاني "والتر هاريس" الذي عاش في طنجة ما بين سنتي 1887 و1921 وعاصر أهم الأحداث التاريخية التي عاشها المغرب نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.

الكاتب والصحافي البريطاني "والتر هاريس" ولج البلاطُ الحسني بوساطة من الحراب البريطاني "السير ماك لين" الذي استقدمه السلطان الحسن الأول لتطوير الجيش المغربي.

كان يتستر تحت غطاء الصحافة مراسلاً صحفياً لجريدة "التايمز" في طنجة لمزاولة مهام استخباراتية دنيئة، وخدمة المصالح القنصلية البريطانية والفرنسية حيث رافق الكثير من السفارات الأوروبية إلى البلاط المغربي. وخلال مقامه الممتد في المغرب ما بين 1887 و1921 بالمغرب ظلَّ يتقرب من مختلف الدوائر والمؤسسات المؤثرة في مغرب نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. وقد عاصر ثلاث سلاطين وتمكن من نسج علاقات مع مكونات المجتمع المغربي (وزراء وموظفو المخزن الشريف، وشيوخ القبائل والزوايا الدينية بالإضافة إلى اللصوص وقطاع الطرق، وعموم الناس)...

الكتاب حسب المترجم يرسم صورة قاتمة عن نهاية المخزن المغربي (التقليدي) أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وسقوط المغرب في قبضة القوى الاستعمارية الغربية. سقوط يسعى الكاتب من خلال مؤلفه المذكور (المغرب الذي كان) بقليل من الموضوعية إلى تبيان أسبابه ومظاهره بأسى شديد". و نشر الكتاب لأول مرة باللغة الانجليزية تحت عنوان مثير (Moroccothatwas) الذي ارتأى الأستاذ هشام بنعمر بالله ترجمته بالعربية ب (المغرب الذي كان)، عن دار النشر William Blackwood And Son بلندن سنة 1921 بينما صدرت ترجمته الفرنسية عن دار بلونPlon   سنة 1929 لبول اودينوPaul Odinot  تحت عنوان طويل :

Le Maroc disparu (Anecdotes sur la vie intime de MoulyHafid, de Moulay Abd El Aziz et de Raissouli)

وقد اعتمد الأستاذ هشام بنعمر بالله في الترجمة بالأساس على النسخة الفرنسية التي ذكرناها مع الرجوع، في أكثر من مرة، إلى النسخة الأصلية باللغة الانجليزية كلما بدا له الأمر ضرورياً لتصحيح الترجمة العربية لتبدو أمينة قدر الإمكان. واختار لها عنواناً "المغرب الذي كان" لأسباب لا يسمح المقام للخوض فيها ومناقشتها.

 

بعد تشكيل الحُكومة المخزنية الجديدة، بما يَسمحُ للسُّلطان مولاي عبد العزيز بالسَّفر، غادر البلاط الرباط نحو فاس، العاصمة الحقيقية للبلاد. من المستحيل أن يطمئن أي سلطانٍ كان على عرشه من دون ضمان ولاء أهل الحَلِّ والعَقد في فاس، ونَقل الإقامة [السُّلطانية] إلى المدينة.

في واقع الامر، تُعتبر فاس المركز الديني والعلمي، وكذلك بؤرة المؤامرات والدَّسائس، ولسُكانها تأثيرٌ كبيرٌ على القبائل.

 

كان من الضروري إذن، أن (ينتقل) السُّلطان الشَّابُ إلى فاس في أقرب وقت ممكن، متى سَنحت بذلك الأوضاع. كان مروره عبر قبائل مكناس نجاحاً حقيقياً، حيث استقبله سكان المدينة -التي شيدها السُّلطان مولاي إسماعيل زمن الملك الفرنسي لويس الرابع عشر- بحفاوةٍ بالغةٍ. لا تَبعدُ مكناس عن فاس سوى باثنتين وثلاثين ميلاً ولم تبقى سوى مرحلة واحدة لتُستكمل الرحلة.

 

اعتَبر الحاجب "أبَّا احمَاد" أنَّ الوَضع مُلائمٌ جداً لتنفيذ خطته، حيث ظَنَّ أَّنه بِمجرَّد الوصُول إلى فاس سيتراجعُ تَأثيره بينما يستطيع منافسوه الاعتماد، ليس فقط على سكان المدينة، ولكن أيضاً على أقارب السُّلطان القاطنين بها. أما هو فيُعتبر من طرف الفاسيين محدث نعمة (وصولي) ولن يهنأ لهم بال ولن يستقر لهم حال حتى يتسبَّبُوا في سقوطه. سيكون سقوطه بلا رحمة ولا شفقة. كانت اللَّحظة، بالنسبة لـ "ابَّا احمَاد"، مناسبةً لاتخَاذ القرارات القويَّة.

 

لا شيء يُنبِئ بوقُوع العاصفة. أنتظر الإخوة "الجامعي" الوصول إلى فاس لحبك خيط المؤامرة، بينما كان "أبَّا احمَاد" لبقاً في معاملة الوزراء النَّافذين. بعد أيَّامٍ من الوصول إلى مكناس، وفي أثناء التأم مجلس الوزراء الصباحي، دخل الوزير الأعظم الحاج المعطي [الجامعي]، صحبة حاشيته التي يرتدي أفرادها [القفاطين] فسَاتين بيضاء، ساحة القصر بين جثُوم (ركوع) العبيد وتحيَّات الجنود.

 

استدعي الوزير الأعظم فوراً للمُثُول بَيْنَ يَدَي السُّلطان بمفرده. عندما ولج الحاج المعطي، كان مولاي عبد العزيز بمعيَّة الحاجب. انحنى وانتظر أن يأذن له السلطان بالكلام، وبلهجة جافةٍ نوعاً ما سأله مولاي عبد العزيز، ولم يجد ردَّه مقنعاً. أخد "أبَّا احمَاد" في سَرد جُملةٍ من المؤُاخذات ضد الوزير الأعظم، وكال له التُّهم بالخيَّانة، والطَّمع، والابتزاز (المُساومة)، وعدد من الجرائم السياسية الأخرى.

 

فجأة طَلب من السلطان أن يتمَّ اعتقاله. فأومأَ  له مولاي عبد العزيز برأسهُ بالإيجاب (القبول). لحظات بعد ذلك، تَمَّ سحبُ رجلٍ مثيرٍ للشفقة، يذرف الدموع وسط السخريَّة والقهقهة في ساحة القصر بين جموع كانت قبل قليل تركع (تجثمُ) أمامه حتَّى الأرض. صارت ملابسهُ ممزقةً (مهترئةً) لأنَّ الجنود كانوا في غاية الوقاحة، عند سحبُه إلى الخارج قام أحد الحرَّاس عند البوابة بخلع الرَّزة البديعة التي كانت تُغطي رأسهُ ووضع مكانها، فوق رأس الوزير الأعظم، شَاشيتَه الحمراء القذرة.

 

عندما اعتقل الوزير الأعظم لم يكن بعد صنوه محمد الصغير قد غادر داره. فتم إلقاء القَبض عليه عند عتبة الباب. لم يبدي مُقاومة، وسَمح لهم باقتياده إلى السِّجن. تفاصيل هذه الحادثة تُعتبر من الصَّفحات السَّوداء خلال فترة حُكم السُّلطان مولاي عبد العزيز.

 

أرسل الإخوان الجامعي إلى سِجن تطوان، وتَمَّ تكبيلهما، وصُفِّدتِ أيديهم، وسُلسلاَ في زنزانة واحدة.