السبت 11 مايو 2024
كتاب الرأي

سفيان الحتاش: مشروع قانون 20-22 حلقة أخرى لتفكيك المنظومة الحقوقية بالمغرب

سفيان الحتاش: مشروع قانون 20-22 حلقة أخرى لتفكيك المنظومة الحقوقية بالمغرب سفيان الحتاش

بصرف النظر عن طبيعة النسق السياسي الذي يحكم انتاج القوانين في المغرب والآليات التشريعية التي تخضع لها تلك القوانين، فإن حكومة العدالة والتنمية المتأسلمة اليمينية المحافظة تعتبر بحق من أكثر الحكومات استهدافا وهجوما وعداء للحقوق والحريات في كل مستوياتها الفردية والاقتصادية والسياسية ولاجتماعية. لقد اقترفت هذه الحكومة "مجزرة حقوقية" بكل ما تعني الكلمة من معنى، منذ مجيئها إلى الحكم في سياق الربيع الأصولي، لم يبق مكتسب حقوقي إلا وقامت هذه الحكومة بتصفيته، بدءا بتفكيك أنظمة الحماية الاجتماعية وقانون مدونة الشغل والحريات النقابية وحريات الصحافة ومشروع قانون الوظيفة العمومية المشؤوم وليس انتهاء بالقانون الأخير حول تجريم الدعوة إلى المقاطعة أو التحريض عليها في وسائل التواصل الاجتماعي المعروف بقانون 20 -22 .

 

لا نختلف أن الحكومة المتأسلمة تتخذ هذه السياسات خدمة للدوائر المهيمنة والمسيطرة في بنية المخزن، ولكن الصحيح أيضا أن كل الحكومات السابقة التي لم يكن لها من الصلاحيات الدستورية ما هو متوفر اليوم لهذه الحكومة التي انبثقت من انتخابات 2011 التي أجريت في إطار دستور جديد جاء بمجموعة من الصلاحيات لمنصب رئيس الحكومة لم تكن متوفرة في الدساتير السابقة، مع ذلك لم تجرأ على اتخاذ هذه السياسات التي ادت الى نكوص حقوقي لم يسبق له مثيل! ولكن السؤال الأصعب الذي علينا أن نجيب عنه هو، كيف يمكن لنا أن ندين و نتباكى على هذه السياسيات التي تضرب المكتسبات الحقوقية، وفي نفس الوقت نجد أن الأغلبية الساحقة من النخب التي تشجب اليوم هذا القانون تقاطع الانتخابات وتترك الساحة فارغة لحزب العدالة والتنمية الذي ظفر بولايتين انتخابيتين؟ هل مقاطعة الانتخابات كان في صالح الطبقة المتوسطة والطبقة الحقوقية؟ لأنه في جميع الأحوال ورغم معرفتنا الدقيقة بطبيعة اللعبة السياسية بالمغرب والنسق الذي يحكم النظام السياسي بالمغرب، فإننا في اخر المطاف شئنا أم أبينا، فإن تلك الانتخابات تفرز أغلبية معينة التي تنبثق عنها حكومة، والتي بدورها تسن تشريعات وقوانين وسياسات تنعكس إيجابا أو سلبا على السياسات العمومية.

 

حزب العدالة والتنمية الأصولي ينتعش في الأزمة ويستفيد استراتيجيا من مقاطعة الانتخابات لأنه حزب ايديولوجي متأسلم له قاعدته الانتخابية الثابتة بحكم الولاء العقائدي لتلك القاعدة للحزب التي تتسع وتنتعش بالأزمة لا بالرخاء. أحزاب التهريب الديني مثل حركة المنشار في نزولها تقضم الخشب وفي الطلوع تقضم الخشب، هي لا تعرف الخسارة وليس لديها ما تخسره اصلا، الخاسر الأكبر هي القوى الديمقراطية في البلاد التي فقدت خلال الولايتين من حكم العدالة والتنمية الكثير من المكتسبات. وبالرغم من أننا نعرف جيدا أن تمدد واستحكام الحزب المتأسلم بالمشهد السياسي يرجع بالدرجة الأولي إلى سيطرته على الحقل الديني وتوظيفه للأيديولوجية الدينية في السياسة عكس الأحزاب الأخرى؛ وهذه المسألة كتب فيها عبد ربه كثيرا من المقالات والدراسات؛ فان عامل مقاطعة الانتخابات من الشارع المغربي قد خدم استراتيجيا -كما اشرت- الحزب المتأسلم وأفرغ له الساحة كي ينفذ سياساته العدوانية ضد المجتمع والقوى الحقوقية والمدنية عبر تصفية كل المكتسبات! هناك اليوم إشكالية وأزمة كبرى تعيشها القوى السياسية الديمقراطية واليسارية والمدنية والحقوقية بالمغرب، ونحن على أعتاب انتخابات 2021، أزمة أنا على وعي تام بأنها ترجع بالدرجة الأولى إلى طبيعة النسق السياسي للدولة المغربية الذي يعرف غياب أهم ركن لاستيلاد عملية سياسية طبيعية ديمقراطية، وهو بناء دولة المؤسسات التي بدونها يستحيل إنجاز أي تغيير حقيقي، ولكن قبل ذلك كيف السبيل لإيقاف تغول ظاهرة الحزب المتأسلم الذي يتحالف مع القوى النافذة لأن الأخير في تقديري أصبح يشكل تهديدا حتى لوجود الدولة والنظام السياسي إذا بقيت الأمور على ما هي عليها اليوم.

 

أنا قصدت هنا طرح بعض الأسئلة العميقة قصد تشخيص الأزمة البنيوية التي يوجد عليها الجسم الديمقراطي المغربي، وكيف يمكن له التعامل مع هذه اللحظة التاريخية العصيبة والمصيرية. أي قرارات وتصور ورؤية يملك هذا الجسم للإجابة على الأزمة؟ لأنه ليس المشكل في القانون الذي يجرم الحريات الذي يحضر له اليوم من خلال مشروع قانون 20 22 فقد سبق تمرير قوانين أخرى أكثر خطورة، كتصفية التعليم من خلال إقرار نظام التعاقد وقبل ذلك تم تفكيك كثير من أنظمة الحماية الاجتماعية التي اشرت إليها سابقا، وقد اتضح بشكل جلي أن مرحلة حكومة العدالة والتنمية هي مرحلة الهجوم على الحقوق والمكتسبات خدمة وإرضاء لسياسات الرأسمال المتوحش والليبرالية الجديدة بالمغرب. إن الأزمة في تقديري تطرح في المقام الأول اسئلة فكرية لجهة تمكن حزب العدلة والتنمية من تحويل اسلام المغاربة الى عقيدة سياسية يعبئ بها المجتمع.. وهنا تطرح قضية سيطرت الحركة الأصولية على الحقل الديني والهيمنة عليه لتنقل هيمنتها بالتبعية والنتيجة إلى الحقل السياسي فيما تعجز قوى اليسار عن التعامل مع هذه المعادلة التي لم تستطع فهما، وبالأحرى امتلاك رؤية وتصور لتجاوزها.. إن هذه الخلفية الفكرية والايديولوجية هي التي تفرز لنا مشهدا سياسيا يهيمن عليه الحزب الأصولي الذي بات بمقدوره اعطاء ضمانات للقوى الاقتصادية الرأسمالية المتوغلة والمتغولة في الداخل والخارج بأنه القادر على تمرير سياساتها، وفي نفس الوقت ضمان الامن الاجتماعي.

 

إذن يبقى السؤال، ما السبيل إلى تجاوز هذه الأزمة يتصل دائما بمدى قدرة القوى الديمقراطية وكل القوى الحية بالمغرب من تشخيص دقيق فكري وسياسي لازمتها البنيوية، ومن ثمة إعادة تموضعها على تماس خطوط الفكر والسياسية والمجتمع لبلورة تصور مجتمعي يمكنها من ربح رهان المرحلة المقبلة.

 

- د. سفيان الحتاش، باحث