الجمعة 17 مايو 2024
مجتمع

ابعيصيص يرسم بورتريهين لصيدلانيين في زمن جائحة كورونا

 
 
ابعيصيص يرسم بورتريهين لصيدلانيين في زمن جائحة كورونا ابعيصيص مع صورة الصيدلانيين عبد اللطيف وجواد

تنويه.. قد يكون عبد اللطيف هو جواد وجواد هو عبد اللطيف...

في صمت... وفي الظل... بعيدا عن أضواء الكاميرات المسلطة على كل العاملين في قطاعي الصحة والداخلية والأمن... حيث الكاميرات تترصد كل قائد وقائدة وقليل من الأطباء والطبيبات... بعيدا عن كل ذلك هناك فريق آخر يقدم خدمته وواجبه ضمن هذه الأوركسترا التي تعزف أروع سمفونيات المواطنة... إنهم الصيادلة.. المسؤولون عن تدبير مخزون الأدوية بالمستشفيات والمخازن الجهوية... رغم أن اسم الصيدلي ارتبط في مخيلتنا الشعبية بذاك الذي لا يقبل أي جدال في الثمن، لكن الوقت غير الوقت والوضع غير الوضع... من هؤلاء دكتوران صيدلانيان جواد العمري وعبد اللطيف بوغارف.

 

عبد اللطيف شاب هادئ بسحنة سمراء، تذكرك بأصول صحراوية.. ليست فقط سحنته التي تذكرك بذلك، بل حتى أخلاقه وبسمته التي لا تفارقه، إذ نادرا ما تجده منزعجا رغم أنه في وظيفة تؤهله لأن يظل منزعجا طوال الوقت.. بل أيضا خفة دمه وشهامته تذكرانك بتمغربيت ديال بصح...

 

في اتصال معه... والذي غالبا ما يكون اتصال آخر ساعة...ل أنه مع الوضع الجديد أصبح يعود متأخرا لمنزله، فالوضع غير الوضع... فالجائحة حولت صيدلية مستشفى سانية الرمل، حيث يعمل الدكتور عبد اللطيف إلى شبه غرفة عمليات... لقد أصبحت الصيدلية مثل المختبر لصنع مواد التعقيم ومثل قاعة الدرس، حيث وبتنسيق مع الإدارة المركزية ممثلة في وزارة الصحة واللجنة الوطنية لمراقبة وتتبع الأمراض التنفسية، يكون على الدكتور الصيدلاني البقاء على اتصال دائم بآخر المستجدات العلمية لمواجهة الأعراض الجانبية التي يمكن أن تظهر على مرضى كوفيد19 نتيجة استهلاكهم للأدوية المكونة للبروتوكول الخاص لعلاج الحالات المختلفة ... على الصيدلاني أن يبدي رأيه إذا طلب منه... ليس هذا فقط... قد يكون عليه أحيانا أن يقترح بدائل، طبعا بتنسيق مع الطبيب المعالج... في لحظات معينة يكون بمقدوره معرفة من غادر المستشفى ومن مازال يتلقى العلاج... فقط من خلال اطلاعه على الوصفات التي يرسلها له الأطباء المعالجون، وعليه إعدادها... بجوارهما، بل ومعهما فريق آخر من النحل الصامت الذي لا يتوقف جيئة وذهابا.. إنهم الممرضون المكلفون بتتبع الحالات، والذين عليهم تقديم الأدوية وجلبها من صيدلية المستشفى... يبدأ اليوم في الصباح ولا يتوقف...

 

في آخر ساعة سيكون على جواد وعبد اللطيف كتابة التقرير اليومي... هما سعيدان بالنظام الجديد رغم التعب والضغط... صرامة وتتبع يومي، بل تتبع ساعة بساعة... هذا ما كان قد طالب به عبد اللطيف هو ومعه أصدقاؤه في قسم الانعاش وأيضا زملاؤه في قسم الفحص بالأشعة... النظام والتتبع والصرامة والمواكبة... أذكر أنه شارك في لقاء لتسليط الضوء على مشاكل الصحة بالمدينة، وهو ليس ابنها، برفقة سفيان وأحمد... وهما ليسا ابنا المدينة لكنهما مهووسان بالوطن والمدينة...

في المساء سيكون على جواد وعبد اللطيف العودة إلى البيت...لا قبل ولا أحضان الزوجة تعد ما تيسر وفي نفس الوقت سعيدة وتتحسر.. كيف لي ألا أحضن هذا الملاك الأسمر... أما الاطفال فالألم لا يطاق، ألم الحرمان من حضن  وقبلة...

 

في هذا الوقت بالذات، هناك من عاد إلى الفندق ليضم وسادة باردة... وحسرة أشد برودة. هل يكفي اتصال هاتفي لتدفئة المشاعر؟؟ أي إحساس هذا... إنه أشبه بالرعب، بل إنه الرعب بعينه أن تعود كل ليلة لتنام واحتمال الإصابة هو الأقرب إلى الواقعية من كل وهم. أطباء وممرضون وصيادلة يواجهون عدوين، واحد مجهري يمكن القضاء عليه، والآخر ظاهر للعيان... جهلنا الجماعي وأنانيتنا الفردية...

 

شكرا د. عبد اللطيف... شكرا د. جواد، ومعكما تلك الأوركسترا الرائعة التي تعزف أروع سمفونيات المواطنة ...

 

قريبا سنشرب معا "بيييراد" شاي على شرفكم جميعا...

 

- عبد الإله ابعيصيص، باحث في العلوم السياسية