في السنوات الأخيرة، تزايد اهتمام العديد من الدول بموضوع رفاهية التلميذ داخل المجتمع المدرسي ونجاحه، وجعلته محور نظامها التعليمي. فالتلميذ الذي يشعر بالطمأنينة والراحة في المدرسة يتعلم بشكل أفضل، ويكون أكثر أداءً، ويصبح قادرًا على الاندماج اجتماعيًا ومهنيًا على المدى الطويل، والمساهمة في النشاط الاقتصادي لبلاده.
بخصوص رفاهية التلميذ في المدرسة، هناك اتجاهان فكريان يحددان طريقتين مختلفتين للتفكير في هذه الرفاهية. فالمفكر Exenberger وآخرون يشيرون إلى ضرورة الوعي بالانتقادات الموجهة إلى الأدبيات الغربية التي تناولت مفهوم السعادة والرفاه، إذ إنها متجذرة في الفكر الغربي، في حين تم إهمال التصورات الشرقية.
لقد ساهم المفكر الاقتصادي Diener، الملقب بـ "طبيب السعادة"، في دراسة الرفاه عبر تركيزه على الرفاه الذاتي المرتبط بالمقاربة اللذاتية (hédonique)، وهي أولى المقاربات في هذا المجال، والتي تقوم على وجود مشاعر إيجابية وغياب المشاعر السلبية والرضا العام عن الحياة. وهي كذلك مذهب فكري يعتبر المنفعة هي الهدف الأسمى لوجود الإنسان. ويعرف المفكر Diener الرفاه الذاتي بثلاثة مكونات هي: الرضا عن الحياة، المشاعر الإيجابية، والمشاعر السلبية. فالشخص الذي يشعر بالرفاه عادةً يصرح بدرجة عالية من الرضا عن حياته، ويختبر مشاعر إيجابية كثيرة ومشاعر سلبية قليلة.
إن العلاقات الاجتماعية داخل المجتمع المدرسي، وخاصة علاقة الأستاذ بالتلميذ والعلاقات مع باقي مكونات المدرسة، تلعب دورًا محوريًا في تحقيق الرفاه لدى التلميذ. وقد أشار نموذج المفكر Kono إلى أهمية العلاقات الاجتماعية داخل المدرسة، وكذلك دراسات كل من هوفمان وصمدال وإنجلز، التي تناولت العلاقات بين الأساتذة كأحد مؤشرات الرفاه في المدرسة.
أما المقاربة الثانية فهي المقاربة اليوذيمونية (eudémonique)، التي ترى أن الرفاه أكثر من مجرد شعور بالسعادة. فالشخص الذي يقول إنه سعيد ليس بالضرورة شخصًا متوازنًا نفسيًا. فالرفاه هنا يُفهم على أنه عملية تحقيق الذات، وليس مجرد نتيجة أو حالة نهائية. ويسمى هذا النوع من الرفاه بالرفاه النفسي، الذي يُحدد بستة مكونات: الاستقلالية، السيطرة على البيئة، النمو الشخصي، العلاقات الإيجابية مع الآخرين، وجود أهداف في الحياة، وقبول الذات. كل هذه المكونات تساهم في رفاه الفرد وتحقيق ذاته.
وتشكل العلاقات الاجتماعية الإيجابية عموماً مع الآخرين جزءًا أساسيًا من هذه العملية وفي النجاح الدراسي للتلميذ.
خليل البخاري
باحث تربوي