Tuesday 4 November 2025
Advertisement
كتاب الرأي

حكمت إبراهيم: "بصيرة الوحدة".. مبادرة الملك للحكم الذاتي كمنارة للشرعية والاستقرار

حكمت إبراهيم: "بصيرة الوحدة".. مبادرة الملك للحكم الذاتي كمنارة للشرعية والاستقرار حكمت إبراهيم
لقد انطوت صفحة من المساجلات الجدلية لتبدأ مرحلة جديدة تتسم بالمعقولية السياسية والشرعية الدولية، وذلك عقب التأييد القوي الذي أبداه مجلس الأمن الدولي لمقترح  الملك محمد السادس بخصوص مشروع الحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية. إن هذا القرار الأممي ليس مجرد دعم سياسي عابر، بل هو إقرار عالمي بمدى حكمة وواقعية الطرح المغربي، ويؤسس لمرحلة تركز على بناء المستقبل المشترك ضمن إطار السيادة الوطنية التامة.
إن المبادرة الملكية للحكم الذاتي تفوق كونها مجرد تصور لحل نزاع إقليمي؛ هي في جوهرها خطة استراتيجية متكاملة ترمي إلى تعزيز وحدة التراب الوطني وتأمين استقرار البلاد وأمنها. لقد أدرك جلالة الملك، من خلال رؤيته الثاقبة، أن التلاحم الوطني الحقيقي لا يُبنى على القسر، وإنما يتجذر عبر التباحث، التنمية المستدامة، والاحترام المتبادل لخصوصيات الجهات المحلية.
يعكس هذا المقترح إيمانًا عميقًا بأن منح قاطني الأقاليم الجنوبية صلاحية المساهمة الفاعلة في اتخاذ القرارات الخاصة بجهتهم، تحت مظلة السلطة العليا للدولة، هو السبيل الأنجع لدمجهم الكامل في مشروع التنمية الوطنية الشاملة. بهذه الخطوة الشجاعة، أثبتت القيادة المغربية أن تحويل "المعضلات المتشعبة إلى نماذج يُحتذى بها" هو سمة القادة الذين يستشرفون المستقبل.
مع تأييد مجلس الأمن، تلاشت العديد من الشكوك والتساؤلات التي كانت تحيط بهذا الملف. لقد رأت الهيئة الدولية في الاقتراح
المغربي خيارًا عمليًا وجادًا، يقدم حلًا مستدامًا يراعي مبادئ الإنصاف والكرامة ويصون في الوقت ذاته السيادة الوطنية. إن دعم الأمم المتحدة يمثل ختم الشرعية الدولية على المقترح، مؤكدًا أن المغرب يمضي بخطوات ثابتة وواثقة نحو تأسيس نموذج متوازن يجمع بين اللامركزية الفعالة والحفاظ على السلطة الوطنية الموحدة.
هذا الإقرار العالمي ليس دليلًا على "وهن" الموقف، كما يحاول البعض تصويره، بل هو دليل ساطع على العزة والحكمة؛ فالقائد الحقيقي هو من يتخذ قرارات جريئة وشجاعة لفتح آفاق الرقي والرخاء لشعبه، وهو ما يجسده مسار جلالة الملك.
تتطلع العديد من الأطراف الإقليمية إلى التجربة المغربية باعتبارها نموذجًا يُحتذى به، خاصة في البقاع التي تشهد توترات بين متطلبات الوحدة الترابية والتطلعات المحلية للحكم الذاتي أو الإدارة المستقلة. فالمغرب، بقيادته الحكيمة، يقدم درسًا في كيفية تعزيز وحدة البلاد وإغلاق الباب أمام التدخلات الإقليمية والدولية التي تسعى لتفتيت الأوطان، وذلك من خلال منح الحقوق الدستورية وإشراك السكان المحليين في مصيرهم.
من جهة أخرى، يتطلع العديد من الفاعلين الجهويين إلى أن تصبح التجربة المغربية مثالًا يُحتذى به، لاسيما في البقاع التي تنادي بالإدارة المستقلة، كشمال وشرق سوريا، حيث يُنتظر أن تتخذ السلطة المؤقتة بقيادة أحمد الشرع إجراءات شبيهة تدعم الوحدة الترابية وتحقق آمال السكان ضمن إطار متكامل. في حين أن الكرد في شمال شرقي سوريا ينادون بوحدة الأراضي السورية والابتعاد عن الانفصال، نرى أن الشرع إلى الآن لا يعترف بالحق في التنوع، وهو الموقف الذي قد يدفع البلاد نحو التقسيم، بعكس ما يقوم به ملك المغرب حيث يقترح الحكم الذاتي لمنطقة الصحراء المغربية ، وبذلك يعزز وحدة البلاد وسيادتها ويغلق الباب أمام التدخلات الإقليمية والدولية لتفتيت البلاد، كما في سوريا والعراق. حيث نأمل أن يحذو رئيس السلطة المؤقتة السيد أحمد الشرع حذوا الملك المغربي ويعترف بالحقوق الدستورية للكرد وحينها سوف تتحول سوريا إلى جمهورية ديمقراطية قوية.
بهذه المبادرة، أكد جلالة الملك أن التماسك الوطني هو مشروع مستمر، يُبنى على الفعل المحسوس والتصور الواضح الذي يضع المصلحة العليا للبلاد فوق كل اعتبار.
إن توجه جلالة الملك نحو الحكم الذاتي ليس مجرد منعطف حاسم في تاريخ المغرب فحسب، بل هو منارة سياسية للجهة بأكملها، تضيء الطريق نحو الحلول الواقعية والشاملة. إنه يؤكد أن بناء مستقبل مستقر ومزدهر للدول وشعوبها يكمن في الجرأة والحكمة والقدرة على استشراف المستقبل.