السبت 27 إبريل 2024
سياسة

سعيد بنيس: ربط الحركات الأمازيغية للفقر بالمناطق الأمازيغية تصريف لمطالب على أساس ثقافي

سعيد بنيس: ربط الحركات الأمازيغية للفقر بالمناطق الأمازيغية تصريف لمطالب على أساس ثقافي سعيد بنيس

يرى سعيد بنيس، أستاذ الأنتربولوجيا الثقافية بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن تبني الحركات الأمازيغية لمطالب الخروج من الإقصاء والتهميش بشكل يصور المغرب أنه مقسم إلى أمازيغ مهمشين وعرب مندمجين مجرد ادعاء باطل. مضيفا أن الاحتجاج لا يتم على أساس مطالب ثقافية أو لغوية، بل إنه يستند على أساس احتياجات المواطنين.

 

+ ارتفع مؤخرا بشكل ملحوظ خطاب موحد للحركات الأمازيغية يقدم المكون الأمازيغي على أنه ضحية ومظلوم ثقافيا وتنمويا وسياسيا في حين نرى أن عددا من أصحاب القرار السياسي والاقتصادي والعسكري ينحدرون من أصول أمازيغية، كيف تفسر هذه المفارقة؟

- نعم هي مفارقة، لكن من البداية يجب التأكيد على أن هناك مناطق تعاني الهشاشة والتهميش وليست أمازيغية، وهي بدورها تشهد بين الحين والآخر أشكالا من الاحتجاج، وعليه فأن تربط هذه الحركات الأمازيغية الفقر بالمناطق الأمازيغية ففي ذلك نوع من التصريف المطلبي المبني على أساس ثقافي، وينبغي القول أن جل الاحتجاجات التي تعرفها بين الحين والآخر بعض المناطق الأمازيغية ليست مبنية على أساس مطالب ثقافية أو لغوية بل مرتبطة بالمعيش اليومي، وعليه فإن هذا الاحتجاج لا ينفصل عن كونه احتجاجا مغربيا يقوم به الأمازيغي والعروبي والصحراوي.

 

+ لكن من حيث تأطير الاحتجاجات نجد حضورا قويا لهذه الحركات الأمازيغية؟

- ما يقع هو نوع من إقحام صعوبات المواطنين الاقتصادية، ولهذا قلت أن بعض الحركات الأمازيغية تصور الأوضاع على غير حقيقتها وتقدم الاحتجاجات الشعبية على أنها قائمة على أساس «حُكرة» ثقافية ولغوية..

 

+ حتى إذا سلمنا جدلا بأن هناك هشاشة بناء على أساس عرقي، فإن الواقع أن أغلب المتحكمين في القرار لهم أصول أمازيغية؟

- المناطق الأمازيغية ليست مهمشة اقتصاديا وتنمويا بنية مبيتة، وجل المناطق هي سواء في الهشاشة والتهميش، والمفروض من تلك النخبة أن تلتفت لمسقط رأسها لتحدث مشاريع تنموية في صالح السكان، كما على هذه الجمعيات الأمازيغية الكف عن المقاطعة والدخول في شراكات تنموية مع الجهات المعنية، والقطع مع فكرة أن العنصر الأمازيغي ضحية ومظلوم، ومع تحقيق التنمية الاقتصادية في هذه المناطق تأتي بشكل متوال المطالب الثقافية والهوياتية، مثلا جهة أكادير نجد الشخصيات المحلية هي التي أعطتها دفعة قوية في الاقتصاد، والمطالب الأمازيغية فرضت نفسها بحكم هذا الازدهار الاقتصادي، أيضا عندما ننتقل إلى منطقة الريف، فالمعطى اللغوي غير مطروح لأن هناك رواجا اقتصاديا مهما. وعليه، فإنه أحيانا نرى بعض تحركات الجمعيات الأمازيغية معزولة عن المحيط الشعبي. وهنا أعود للبحث الميداني الذي أجريتُه في منطقة تادلة أزيلال، فالمواطنون هناك لا يعنيهم مطلب تدريس اللغة الأمازيغية ولا يشكل لهم هاجسا، إلى درجة أن بعض المواطنين الأمازيغيين الذين تحدثت إليهم أكدوا لي أنهم يريدون تعليم أبنائهم اللغة الإيطالية كي يجدوا سهولة في «الحريك» نحو إيطاليا. بل في أحد مداشر تاكازيرت قام بعض المجازين بخلق جمعية تعنى بمحاربة الأمية ولك أن تتصور أن مطالب المعنيين كانت ترتكز على تعلم اللغتين الإيطالية والإسبانية قصد الحريك؟ ما أود قوله هو أن اللغة إذا لم تكن ذات دور وظيفي لن تجد لها صدى مهما حاول البعض رفع شعارات تدريسها أو جعلها لغة وطنية أو رسمية. وهذا ما تؤكده معطيات السوق اللغوية المغربية.

 

+ في نظرك ما الهدف من تقديم الحركات الأمازيغية نفسها على أنها ضحية السياسة الرسمية؟

- طبعا من يقدم الواقع على غير حقيقته فأهدافه مبيتة، فأن تقدم هذه الحركات منطقة أمازيغية على أساس أنها مهمشة ويطالها التفقير في حين أن باقي المناطق تنعم بالرفاه، فهذا غير صحيح، ولا أعتقد أن هناك نية مبيتة للمسؤولين في تهميش هذه المنطقة أو تلك. ولنا أن نتساءل ما الذي حققته هذه النخب الأمازيغية والريفية لرفع الهشاشة عن مناطق أجدادهم وآبائهم؟ بالمقابل أين تتموقع المناطق غير الأمازيغية والتي تعاني أكثر من الهشاشة والتهميش؟ انظر إلى زحيليكة وجرادة وواد زم ومليلة (منطقة الكارة) ودوار الضاية بسبت مرشوش (نواحي الرباط)، بل إن هناك أحياء في مناطق حضرية لم تسلم بدورها من الهشاشة بالرباط أو بالدار البيضاء، وهي لا تتوفر على حد أدنى لشروط العيش الكريم.

 

+ رغم محدودية عمل هذه الحركات الأمازيغية على المستوى الميداني، فإنها منتشرة بشكل مكثف عبر وسائل الإعلام ومواقع الأنترنيت، على درجة أن بعض المتتبعين يصفونها بـ "النمور الأنترنيتية".

- لقد أضحى عالم الأنترنيت مجالا خصبا لنمو هذه الحركات الاحتجاجية والتي لا يتجاوز فعلها وتأثيرها جهاز الحاسوب، وهكذا تصبح بعض المنتديات قلاعا أمازيغية محصنة وإذا لم تبدأ حديثك بـ «تانميرت» و«أزول» يتم استبعادك من النقاش في هذه المنتديات التي تتحول مع مرور الوقت إلى مجرد طقوس ورموز تنسي جوهر النقاش.. وبالعودة إلى سؤالك المتعلق بهدف هذه الجمعيات التي تتخذ من المطالب الثقافية موضوعها الأساسي، أشبهها بالمقاولات الثقافية، وككل مقاولة فإن الربح هو الهدف سواء كان على المدى القصير أو الاستراتيجي، وأن المطالب التي ترفع اليوم من قبل هذه الحركات هي بمثابة تشويش على الخط الرسمي الذي يتعامل مع المعطى الأمازيغي، إذ من كان يتصور أن الأمازيغية ستلج التعليم والإعلام.

 

+ في هذا الصدد أنجزت بحثا في المعطيات اللغوية والإثنية في شريط تادلة أزيلال، ما هي الخلاصات التي خرجت بها من هذا البحث؟

- تشكل جهة تادلة أزيلال وبالضبط بني ملال قمة التمازج الثقافي بناء على معطيات الجوار الجغرافي بين الجبل والسفح، فكان يقع ما يعرف بـ "العزيب" الذي ينتج عنه اختلاط وزواج ومعاملات وتجارة، أي تأثير وتأثر، من هنا نفهم سر تسمية بعض القبائل بأيت النص أو الربع أو الخمس وذلك للنسبة التي يأخذونها نتيجة مجهودهم الفلاحي.. من خلال هذا التمازج أصبحت مظاهر العيش شبه مشتركة وهو ما أدى إلى بروز هوية ثالثة هي التادلاوي الجامع بين الهويتين العربية والأمازيغية. وهذا ما يفسر ورود بعض المفردات اللغوية المستعملة من تأنيث المذكر والنطق بحرفي السين والجيم، واقتراض معظم معجم الأرض والفلاحة من الأمازيغية، وقد اعتبرتُ مدينة بني ملال «جزيرة لغوية» بامتياز وتجسد ذلك الاختلاط الإيجابي للثقافات، وعليه فإن اللقاء التاريخي بين العرب والأمازيغ لم يكن مبنيا على علاقة صدامية بل مبني على التعاون وحسن الجوار. ومن بين النتائج المباشرة لهذا البحث الميداني هو أن ما يظهر متنافرا ومتعارضا في السطح (أمازيغ/ عرب، بنو هلال/ آيت سخمان..) ليس إلا تجسيدا للتميز المغربي وتأكيدا على النموذج الثقافي المنسجم لاسيما إذا اعتمدنا في تحليلنا على متون أنتروبولوجية من قبيل تمثل المجال، طقوس الزواج، الأمثلة والحكايات. حيث أن هذه المتون تعبر على نفس النظرة إلى العالم مع وجود اختلاف في وسيلة التعبير (الأمازيغية أو العربية) تصل إلى حد النسخ والتطابق الكلي.

 

من أرشيف أسبوعية "الوطن الآن"