الثلاثاء 23 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد المنعم الكزان: هواجس عن الدولة والدين والسياسة

عبد المنعم الكزان: هواجس عن الدولة والدين والسياسة رشيد لزرق

عندما طرحت مفهوم نخبة النخبة ذهب البعض مباشرة إلى مفهوم المخزن، كما تحدث عنه عبد الله العروي، أو كما هو متداول في النقاش اليومي.. فشتان بين سلطان يسوس ويحف بحضرته مخزنا، وبين ملك تساعده حكومة، يختارها بنفسه دون ضوابط دستورية، وبين حكومة يتم اختيارها بناء على نتائج الانتخابات.. فمهما ناقشنا أزمة الديمقراطية وعلاقتها بأنماط الرساميل وأشكال التأثر، لا يمكن تحميل الأشياء أكثر مما تحمل.

 

أكيد أن نظرية النخبة ليست بالجديدة في السوسيولوجيا السياسية منذ أواسط القرن الماضي، والتي ركزت إما على نظرية الأقلية الحاكمة والأكثرية المحكومة، أو بأنها مجموعة أفراد متحكمة في مجال اقتصادي اجتماعي ثقافي معين، لكن تركيز  مفهوم النخبة على مجال معين لم يسعف من أجل التعبير عن المضمون، كما أن مفهوم المخزن أصبح متجاوزا منذ قرابة قرن على مستوى التداول الإداري، فهو امتداد لأواسط القرن الماضي.. وعليه لا يمكن إطلاق المفاهيم على عواهنها.

 

إن مفهوم نخبة النخبة باختصار يدل على أقلية متحكمة في مجموعة من النخب في مجموعة من القطاعات اقتصادية، اجتماعية، سياسية، وفي نفس الوقت تساهم في استمراريتها الجيلية من جهة؛ كما تساهم من جهة أخرى  في انتقالها من حقل لأخر.. فمنها من أستمر لأكثر من قرن من الزمن، أي اعتماد الأليات لكلاسيكية لنمط المخزن بمفهومه الحقيقي، في تجليات مختلفة دون أن تكون له علاقة بالنسق لكلاسيكي.. فهل استوعب بعض الفاعلين السياسيين هذا الأمر؟ أم بدورهم حاولوا تملك السلوك المخزني في ثوب أكثر جاذبية وتحديثا؟ فالدراسة التحليلية شيء وقراءة الطالع شيء مختلف.

 

وبناء عليه يحق لنا أن نتساءل، هل بهذه العقليات يحق لنا الحديث عن بناء دولة حديثة رغم التطورات الدستورية؟ وما الدولة إلا نظام حكم وشعب وأرض!!!

 

بعيدا عن الدولة التقليدية التي تحاكي سلطتها سلطة الإله وتنوب عنه بالتفويض في الأرض، عكس الدولة الحديثة التي هي دولة الحرية بامتياز، وهذا الأمر هو الذي لا يمكن أن يستوعبه دعاة الولاء والبراء وتسيس الدين والحاكمية، فهناك فرق كما قال عبد الله العروي بين ''تسيس الدين وتدين السياسة''.. إن الإنسان المعاصر إنسان الاختلاف والتوافق والتصالح في إطار الدولة باعتبارها دولة المواطنين والدساتير، إنها دولة المدنية والحقوق والواجبات، فلا معنى بذلك للدولة بدون حرية.. لكن في نفس الوقت تحتاج هذه الحرية إلى حمايتها وتكريسها. وهذا الامر لا يختلف مع منطق العقيدة الأشعرية التي تحتفي باجتهاد التأويل، مما يجعل الاجتهاد الفقهي متساوقا مع روح العصر، ويسمح بتلك النقلة من خلال الاحتفاء بالنص القرآني باعتباره نصا مقدسا والسنة.. أما ما دون ذلك فهي آراء يؤخذ منها ويرد، مهما كان صاحبها، سواء فهما لغويا أو تأويلا، أو مقاصدا ومصالحا، وعللا واستثمارا لأسباب النزول، ورفعا للتعارض، وقياسا، وتشبيها وإثباتا ومخالفة، أو استثمارا لعلوم عصرنا... فأبرز الفقهاء الأشعرية كابن خلدون أو أبو حامد الأشعري أو ابن رشد... كانوا أبناء زمانهم، ولم يكن هناك تحريم لتولي المرأة للوزارة والموسيقى ولا قتل للمرتد ولا تكفير، بل إن المغرب شهد تولي فقيهات للوزارة... ساهموا في تدبير الدولة السلطانية، بل ساهم هؤلاء في إدخال علوم عصرهم في فضاءات التأويل، المنطق الفلسفة، علم العمران، فما يمنع من إشراك علماء عصرنا في صيرورة تجديد الحقل الديني سواء في القانون أو السوسيولوجيا أو الطب....، حتى يتم التحول إلى دولة العدل والمساواة والحرية بشكل سلس..

 

بعيدا عن الاهتمام بالظاهرة الدينية باعتبارها مستقبل وهم، أو أنتروبولوجيا أصبحت تيولوجيا أو وعيا زائفا، فالاعتقاد أمر ضروري في حياة البشر، شأنه في ذلك شأن الحب والفرح والحزن .

 

لكن لابد لهذا الدين أن يكون له مضمون واقعي يحقق الوعد الإلهي الذي وعدنا به في مملكة اللاهوت في مملكة الناسوت، وهذا لا يمكن أن يتحقق باختطاف الدين والحاكمية، فالأصل أن للعقيدة مجالها وللسياسة باعتبارها خدمة للصالح العام، إنها بهذا المعنى خدمة لأي مواطن متجرد من أي خلفية هوياتية، عرقا وجنسا ولغة وقبيلة.

 

عبد المنعم الكزان، باحث في السوسيولوجيا السياسية