الثلاثاء 23 إبريل 2024
كتاب الرأي

الصادق أحمد العثماني: في ظل تعدد "الإسلامات"..ما الإسلام الذي نريد؟

الصادق أحمد العثماني: في ظل تعدد "الإسلامات"..ما الإسلام الذي نريد؟ الصادق أحمد العثماني، داعية وباحث في الفكر الإسلامي وقضايا الإرهاب والتطرف
ما أحوجنا اليوم إلى فهم مقاصد الدين، ومقاصد الشريعة الإسلامية الغراء؛ لأن حفظ النصوص وحدها وإنزالها على واقع الناس بدون معرفة سياقاتها ومقاصدها هو العبث بعينه، والفوضى الدينية في أبهى حللها، لهذا قرر العلماء أن كل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة وليست من الدين في شيء، مهما حاول الجهلة الصاقها به، فالظروف السيئة والخطيرة التي تمر بها الأمة المسلمة وأهل الإسلام وأحزابهم وتياراتهم الدينية على وجه التحديد تحتم علينا التعامل مع الدين بعقلانية، كما نحتاج كذلك إلى عقلانية الخطاب الديني وخصوصا فيما يتعلق بجوانبه العلمية المادية المتعلقة بشؤون الحياة الدنيوية، وإلا ستصبح مؤسساتنا الدينية وسادتنا العلماء والمشايخ والدعاة أضحوكة ومسخرة بين الملحدين والملحدات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، في عالم تعددت فيه المعارف والأفكار وتنوعت فيه الثقافات والحضارات ، وتطور فيه البحث العلمي إلى درجة يصعب تصديق ما توصل اليه من حقائق علمية مذهلة جبارة -وفي جميع المجالات - انتفع بها الشرق والغرب، والصالح والطالح، والجاهل والعالم، والغني والفقير والمؤمن والكافر؛ لهذا نحن في حاجة ماسة إلى قراءة جديدة للقرآن الكريم ولرسالة الإسلام ولأقوال سلفنا الصالح من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولأئمة المسلمين الأعلام وتراثهم الفقهي والفكري، مع مراعاة تغيرات الزمان والمكان وواقع حياة الناس وأعرافهم وعاداتهم وتقاليدهم.. فبعض علمائنا الآوائل وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تنبهوا مبكرا إلى أهمية تجديد الدين وعقلنته ومرعاة تغيرات الزمان والمكان والحال والأحوال، وفرقوا بين نصوص القرآن الكريم القطعية الثابتة منها والظنية وبين معاني النصوص الظاهرية وبواطنها ومقاصدها الكلية، مبتعدين عن القراءات الانتقائية التجزيئة المخلة بمعانيها السامية ومقاصدها الكلية، فكانوا رضي الله عنهم أجمعين أوضح رؤية وأكثر وعيا وفقها وشجاعة وإقداما على التجديد من كثير من علمائنا وفقهائنا اليوم ومن بعض الجماعات الإسلامية المعاصرة التي ترفع شعارات التجديد والتنوير والإصلاح، مع أنها موغلة في التقليد والجمود والتطرف والتشدد والتنطع؛ بحيث تتعامل مع نصوص القرآن الكريم ومع الحديث الشريف ومع التراث الإسلامي عموما بانتقائة مجتزأة بما يخدم أيديولوجتها ومصالح جماعتها ! ومن أجل ذلك أصبح لكل حزب إسلامي ولكل طائفة وكل تيار ديني، دين جديد يدعو إليه وينشره ويدافع عنه بالحديد والنار وما أوتي من قوة، ولهذا ينبغي على الأمة المسلمة ومراجعها الدينية ومؤسساتها الإسلامية المختصة أن تحدد ما الإسلام الذي يجب اتباعه والإيمان به؟ وما معالمه وطوابطه وأسسه وأركانه وقواعده؟ هل إسلام داعش والقاعدة وبوكو حرام والسلفية الجاهدية وحزب التحرير الإسلامي وحركات الإسلام السياسي؟ أم إسلام علماني تنويري حداثي ديمقراطي.. مع العلم أن أغلب هؤلاء يرفعون شعار "الإسلام هو الحل"، فهذا الشعار جيد وجميل جدا؛ لكن في ظل تناسل وتعدد هذه الجماعات الدينية في أوطاننا العربية والإسلامية، وتعدد قراءاتها للدين في الوقت نفسه، أليس من أوجب الواجبات أن نحدد ونتفق فيما بيننا على نوع هذا الإسلام الذي نريد؟، أنا شخصيا أتفق مع من يحمل شعار "الإسلام هو الحل"، ولكنى أريد ذلك الإسلام الذى أعطى للأنسان حرية الفكر والرأي وإختيار العقيده فقال تعالى "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" ، وأريد إسلاماً لا يُكره أحد على أداء شعائره الدينية بالقوة والسيف يقول تعالى "لا إكراه فى الدين، قد تبين الرشد من الغي" .
أُريد إسلاماً الذي يحكم بالعدل والشورى والديمقارطية ويُقِيّم الناس بالمحبه التى فى قلوبهم وبالأعمال الصالحة التي يقومون بها، وليس ذلك الإسلام الذى يُقيمهم بما يلبسون وما يركبون وما يأكلون، يقول الحق سبحانه فى كتابه العزيز "يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم" ويقول تعالى " إن أكرمكم عند الله أتقاكم"، نعم أُريد ذلك الإسلام الذى يحنوا على اليتيم والفقير والمسكين والأسير أيّاً كان دينهُ أو لونه أو عقيدته قال تعالى "ويطعمون الطعام على حبهِ مسكيناً ويتيماً وأسيراً" وليس المسكين المسلم أو اليتيم المسلم أو الأسير المسلم كما يظن أصحاب الإسلام الطائفي والأيديولوجي، الذين يظنون بأن الله قد هداهم لللإسلام وحدهم وفضلهم على العالمين، نعم أُريد إسلاماً يُدافع أتباعه عن كنائس النصارى ومعابد اليهود وغيرهم، كما يدافعون عن المساجد والزوايا والمصليات والحسينيات قال تعالى في محكم كتابه "ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع، وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها أسم الله كثيراً". نعم أُريد إسلاماً يسموا بالتواضع وبالرحمه والتسامح والمحبة والتعايش لا بالغرور والكبر والتكفير والتبديع والتفسيق والتفجير والقتل وقطع الأعناق وشنق المرتدين في الطرقات، يقول سبحانه "وقل رب إغفر وارحم وأنت خير الراحمين" . نعم أُريد ذلك الإسلام الذى لا يشهد أتباعه بشهادة الزور ولا يكذبون ولا يغشون ولا يسرقون ولا يزنون ولا يأكلون أموال اليتامى.. كما أريد الإسلام الذي يشهد أصحابه بالحق والصدق ولو حتى على أنفسهم كما قال تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ۚ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا ۖ فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُوا ۚ وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ". نعم أريد ذلك الإسلام الذي يتعايش مع جميع البشر بغض النظر عن ألوانهم وعقائدهم وجنسياتهم..
إذن مشكلتنا تكمن في عدم فهم ديننا ومقاصده العليا وأبعاده الاجتماعية وقيمه الإنسانية النبيلة، وليس في الابتعاد عنه أو تركه أو هجرانه كما توهمنا الجماعات الدينية المتطرفة، ومن علامات تطرفهم وهو انه كلما تقدم الزمن وتطورت العلوم والمعارف واتجهت حياة البشر والشعوب والدول والأمم نحو الحرية والكرامة والتنظيم والتخطيط والتكتلات والعيش المشترك والعقلنة والحكم بالعدل والشورى والديمقراطية وحقوق الإنسان وغير ذلك من الأمور التي اخترعها الإنسان واكتشفها في الأنفس والأكوان والبر والبحر والتي ساهمت في تحسين حياته وإسعاد نفسه؛ إلا وتمسكوا أكثر بكتب التراث والتقليد وأقوال السلف، مع أن المعلوم في الشريعة الإسلامية أن المساحة القابلة فيها للإجتهاد والتجديد ضعف مساحة الأمور الثابتة، لكن تراهم في دروسهم ومواعظهم وخطبهم وكتبهم يضيقون على الناس ما وسعه الله عليهم، ويتمسكون بأحكام قديمة في أمور عصرية تحتاج إلى إعادة نظر! وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على ضعفهم الفقهي وعدم دراستهم للشريعة الإسلامية ومقاصد الدين، لأن من المسلَّمات المجمع عليها من الفقهاء – قديمًا وحديثًا – كما تقدم أن مساحة الأمور المتجددة في شريعتنا الإسلامية أضعاف مساحة الأمور الثابتة، وأن محل الاجتهاد في النصوص الشرعية يشمل كل النصوص ظنية الدلالة، وذلك لأن هذه النصوص تقبل التأويل وتنوع الفهم، ومن ثم تكون أحكامها اجتهادية نتيجة لاختلاف العلماء في تفسيرها واستنباط الأحكام من مدلولها، وقد أورد الشرع الحكيم هذه النصوص هكذا لتحتمل إعادة النظر والاجتهاد ممن لديه أدوات الاجتهاد ومؤهلاته من أهل العلم في العصور المختلفة لتكون مناسبة للزمان، ومراعية لأحوال الناس في الأماكن المختلفة، وذلك كله لنفي الحرج عن الناس ومواكبة المستجدات الحادثة في حياتهم.