الزميل أحمد فردوس (يسارا) وإلى جانبه الفارس الشاب أناس لفريد تحكي الرواية الشفاهية المتداولة، أن مجالهم الجغرافي بمنطقة الكنتور، كان عرضة للهجمات في أيام السيبة من طرف لصوص البعير والجمال والإبل، حيث كان هذا الحيوان هو المفضل في "لكسيبة"، ويعتمدون عليه كذلك في معيشهم الفلاحي والزراعي والتجاري. لذلك سيسمى دوارهم بـ "دوار لوبيرات" التابع حاليا لجماعة الكنتور بإقليم اليوسفية. وحسب بعض المصادر، فإن أراضيهم الفلاحية كانت مرتعا يوفر علفا طبيعيا للجمال بشكل وافر، وتعج حقولهم بأشجار الشوك والسدر والطلح، حيث كان يبقى عالقا بها وبر الإبل عند رعيها واحتكاكها بالأشواك. لذلك سميت بأراضي لوبيرات، خلافا لما يتداوله البعض من كون التسمية جاءت من كلمة "قراصنة /les perates "وحسب كتاب الباحث الأستاذ مصطفى حمزة، المتخصص في التاريخ الجهوي، فإن العالم الموسوعي العلامة الشيخ التهامي الأوبيري ينتمي إلى أصولهم التاريخية والحضارية.
تعتبر التربة الحمرية الأوبيرية أرض الخيول والفرسان منذ القدم، وهي التي عجنت وتشكلت منها شخصية لمقدم الشاب أناس لفريد، الذي ورث فنون التبوريدة، وركوب الخيل عن سلالة شجرة لمقدم عبد الرحمان بن هدي الأوبيري، والد جده الفارس محمد بن محمد بن هدي، الذي كان يمارس عشق الفروسية التقليدية على صهوة جواده رفقة لمقدم لحمادي." في ما مضى كان مقدم سربة خيل لوبيرات يتزعم ويقود كتيبة فرسان يصل عدد جيادها إلى المائة حصان، ومائة بندقية خلال موسم الولي الصالح سيدي أحمد مول الواد"، يقول أحد أبناء المنطقة الذي جايل لمقدم عبد الرحمان بنهدي.
لم يتجاوز لمقدم اليافع أناس لفريد 14 ربيعا من عمره، لذلك مازال في حاجة ماسة إلى ممارسة شغبه الطفولي في طريقه إلى المدرسة، وفي الحي والزقاق مع أقرانه، متأبطا عصاه التي يحولها بقدرة فارس إلى مكحلة، فيكشف عن هوايته باللعب خارج وداخل البيت كلما كانت الفرصة سانحة للفرجة وتقديم عروضه دون أن يتردد في ذلك. "يفاجئنا أناس في الكثير من اللحظات، ونحن جالسين بإحدى غرف البيت، بامتطائه ظهر وسادة أو أي شيء يجلس فوقه، فيتصور نفسه على صهوة الحصان، لينطلق في ترديد ندهته المفضلة، والصياح بكل ما أوتي من قوة متحدثا مع فريقه من الفرسان، متقمصا شخصية لمقدم/ العلام"، يقول والده عبد الله لفريد.. مضيفا بأن أناس "يتميز بموهبة خارقة، ويعتبر ظاهرة الفروسية الحمرية منذ أن بلغ سن الثامنة من عمره، حيث امتطى أول الأمر صهوة الحصان بمهرجان قلعة مكونة، وأبان عن شخصية الفارس الذي خلق معه ميزان ركوب الخيل".
أناس لفريد التلميذ، يتابع دراسته بمستوى التاسعة من التعليم الاعدادي، ويحاول أن يوفق بين التزاماته الدراسية وتحقيق نتائج مرضية، أما شخصية أناس الفارس/ لمقدم فهي حاملة أوزار وتبعات هواية/ رياضة ركوب الخيل والبارود التي خلقت منه رجلا أكبر من سنه الطفولي. فهو يعتقد جازما أنه رجل الكتيبة بامتياز في ساحة التنافس، وقائد سربة أقرانه الفرسان التي تمثل القبيلة، لذلك تجده دائما يفكر في أفق ومستقبل السربة، ويحاول أن يجيب عن سؤال احتياجات ومستلزمات فن التبوريدة، فيجد نفسه مجبرا على تقبل الوضع بكل إكراهاته وتحدياته وكأنه يقتنع بمثل "العين بصيرة واليد قصيرة".
رغم كل الصعوبات الفنية والتقنية والمادية واللوجيستيكية التي أضحت جزء من هموم أناس، فإن مكونات جمعية نهضة فرسان الفروسية التقليدية برئاسة عبد الكريم المني، تحاول جاهدة أن توفر كل حاجيات الفرقة، وتخلق الابتسامة على وجوه فرسان سربة لمقدم أناس لفريد، "بفضل علاقاتنا الاجتماعية والإنسانية، استطعنا أن نستعير ونوفر مجموعة من لمكاحل ذات الجودة العالية في إطار العلاقات الممتازة التي تربطنا بالعديد من العلامة، وكذا العديد من مستلزمات فن التبوريدة، بما فيها الخيول والسروج..." يؤكد المتحدث نفسه.
طبعا، فشخصية أناس لفريد مازالت تجمع بين "احتياجات شغب الطفولة ورجولة اليافع المقبل على الحياة بنشاط وحيوية، وتجده يجيد تقمص شخصية العلام داخل الخيمة في حضرة الفرسان وضيوفهم، ويظهر اتزانه وعلو كعبه أثناء تمارين الركوب وإطلاق البارود، وترديد ندهته الرجولية التي استقاها من فضاءات التبوريدة، بعد أن التقطت أذناه ذات موسم صيحة وندهة، لمقدم نبيل الرحالي ابن منطقة بني هلال بدكالة، فتقمص الشخصية التي أثرت في سلوكه وصوته وصيحته.."، يقول عبد الله لفريد، مؤكدا بأن "لمقدم نبيل الرحالي هو الذي صقل حركات اللعب بالمكحلة عند أناس ورفاقه الفرسان ولقنهم مجموعة من التقنيات الخاصة برفع وتحريك المكحلة في كل الاتجاهات"...
لقد كان الاشتغال تقنيا وفنيا على منافسات جائزة الحسن الثاني قاسيا وشاقا وصارما على كل فرسان كتيبة لمقدم أناس لفريد، وتجرعنا كلنا مرارة المعاناة مع الخصاص في كل شيء: "لقد لاحظت أن شهية أناس على الطعام قد تراجعت، ولم يعد يبالي بالأكل، بل لم يعد النوم يعرف طريقا لجفونه، فأيقنت أنني قد تجاوزت حد اللياقة مع ابني أناس، وأنني تعاملت بصرامة غير مقبولة مع شخصيته الثانية الكامنة في طاقة الفارس/ لمقدم.. فاستدركت الأمر بطريقتي.. وكان الانضباط والالتزام والتنفيذ طريقنا للنجاح".
الميدالية الذهبية المستحقة التي توجت بها سربة لمقدم خلال موسم 2017/2018، غيرت الكثير من شخصية اليافع أناس لفريد، فأيقن أنه أصبح مسؤولا بصفته علام سربة الخيل عن كل كبيرة وصغيرة وسط الخيمة ومع الفرسان وأثناء تقديم وجبات الأكل، وخلال استحمام وتنظيف الخيول، وتقديم الكلأ، وتلجيم وتسليح الخيول، واستقبال ضيوف القبيلة وخدمتهم وفق ما تقتضيه مهمة قائد كتيبة لوبيرات.
شخصية الشاب اليافع أناس لفريد، فريدة من نوعها رغم صغر سنه، علام اكتسب مهارة الركوب وإطلاق البارود ورضعها من ضرع تربة الأرض الحمرية وجينات القبيلة، فارس يقتفي أثر الأجداد، يتقمص باحترافية دور لمقدم الصارم وسط محرك التبوريدة، أبهر الجمهور، وسجل أروع اللحظات في فضاء دار السلام بفوزه بالميدالية الذهبية، التي أهلته ليكون ضيف شرف بمعرض الفرس بالجديدة، وهناك خلق نقاشا واسعا وسط المجهور وبين عشاق فن الفروسية التقليدية لأنه فعلا "باردي" لا يهاب ساحة الوغى، وسيكون له شأن عظيم.
