أصبح المعاش النفسي للمواطنين مادة دسمة في أجندات المؤسسات الإعلامية المباشرة والغير المباشرة، هذه المؤسسات التي تضرب بعرض الحائط كل المبادئ الأساسية التي تأطر المجال الإعلامي فيما يتعلق بالسلامة النفسية، وتقوم بإعطاء صورة غير واقعية وفي معظم الأحيان مضخمة عن الأحداث الاجتماعية، بمباركة بعض المختصين أو المتطفلين الذين يسعون إلى خلق هالة اجتماعية حول قدرتهم في التحليل والتفسير.
إن الاستثمار الإعلامي للواقع النفسي للمواطنين، خصوصا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، يسير وفق توجه غير أخلاقي يهدف فقط إلى تحقيق أهداف تسويقية/ ربحية عن طريق خلق ما يسمى "بالإثارة النفسية" بين فئات مجتمعية مختلفة، هذه الأخيرة التي أصبحت بدورها تتأثر وتتفاعل بشكل خطير مع القضايا ذات الطابع النفسي الاجتماعي، وتستهلكها بشكل ميكانيكي دونما أن تعي بخطورة الشحنات الغير المرئية التي تسوق لها، مما أدى إلى اختلاط الحقيقة بالخيال والواقع بالوهم في ذهن المواطن المغربي، وارتسمت في وعيه تمثلات اجتماعية مليئة بالعنف الرمزي والحقد الاجتماعي تجاه مؤسسات أو أشخاص معنويين، في تغييب تام للتساؤلات الحيادية حول ما مدى صحة تلك الأخبار؟ وما الهدف منها؟
لم يعد المواطن المغربي يكتفي بتصفح ومتابعة الأخبار الاجتماعية التي تقوم على أساس معادلة نفسية تجمع في الوقت ذاته "الواقع المشترك" و"الواقع الشخصي". فقد انتقل الفرد من مبدأ "استهلاك الخبر" إلى مبدأ "إنتاج الخبر" كوسيلة لإشباع رغباته وميولاته التي لم يتمكن من إشباعها في الواقع، وهو ما يفسر حجم الاسقاطات النفسية الرمزية التي نلاحظها في التعليقات أو التغريدات، التي تحمل في طياتها موجة لا تنتهي من التوتر والضغوط النفسية، وهي في مجملها سموم نفسية تنتقل للمواطنين عبر هواتفهم الذكية أو حواسبهم الإلكترونية، وهم غير واعون بجدية التعاطي مع تلك الأخبار وما تحمله من دمار نفسي لهم.
يتعرض المواطن المغربي اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى مجموعة من التحولات الاجتماعية المتسارعة، التي تخلق لديه رغبة (لاإرادية أحيانا) في تتبع مستجدات الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، مما يضاعف ثلاث مرات من احتمال الإصابة بالاكتئاب والقلق، مقارنةً بمن يتصفح حساباته الإلكترونية مرة واحدة في اليوم. فالإفراط في متابعة المنصات الإعلامية الاجتماعية، خصوصا أثناء العمل أو الدراسة يؤدي إلى تشتيت العمليات العقلية بين مهام متعددة، ويخلق ضغط على الوظائف العقلية، وهو ما ينعكس سلبا على الصحة النفسية والقدرة على الإدراك والانتباه، وقد يتطور الأمر إلى الإصابة بالاكتئاب وسوء الحالة المزاجية والشعور بالإحباط والذنب، والتي تنتهي أحيانا بما لا يحمد عقباه كالانتحار.
يتضح لنا بأن المنصات الإعلامية الجديدة لا تراعي مبدأ السلامة النفسية في نشر الأخبار الاجتماعية، فتزايد الأدلة العلمية حول مسؤولية هذه المؤسسات في ارتفاع نسبة المصابين بأمراض نفسية تدق نقوس الخطر، لهذا ندعو جميع المهتمين بالشأن النفسي إلى تحسيس المواطنين بأهمية الفيروسات الرقمية النفسية التي تتسرب إليهم يوميا، وللمخاطر التي يمكن أن تنجم عن حالة التعاطي المفرط مع تلك المنصات.