الأربعاء 24 إبريل 2024
كتاب الرأي

يوسف لهلالي: هل يستطيع ماكرون  تنظيم إسلام بلده؟

يوسف لهلالي: هل يستطيع ماكرون  تنظيم إسلام بلده؟ يوسف لهلالي

اهتمام رئيس الدولة الفرنسية إيمانييل ماكرون، شخصيا، بملف تنظيم الإسلام ببلده أثار حفيظة بعض المسئولين على المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، وهي هيئة أسستها الدولة الفرنسية من أجل تمثيل مسلمي فرنسا أمام المؤسسات الحكومية. رئيس هذا المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، احمد أوغراس، ناشد في شهر فبراير الماضي الرئيس الفرنسي إيمانييل ماكرون "بعدم التدخل في شؤون تسيير هذا المجلس" وعدم التدخل في قضايا تنظيم الإسلام بصفة عامة. وأضاف رئيس هذه الهيئة لتنظيم الإسلام بفرنسا، إلى  وكالة رويتر: "على كل شخص الالتزام بدوره". هذه التصريحات هي "رفض لكل وصاية" من رئيس الجمهورية على ثاني أكبر ديانة ببلد فولتير. وقوة هذه التصريحات هي أنها جاءت كرد على تصريحات إيمانييل ماكرون،  التي يقول فيها إنه يعمل على "إعادة العلاقات بين الإسلام والدولة."

رؤساء هذه الهيئة، التي نشأت في رحم السلطة  الفرنسية، وبإشراف وزارة الداخلية، لم نعتد منهم مثل هذا الرد على أكبر سلطة بفرنسا، وهو قصر الاليزيه، خاصة أن هذا المجلس نشأ في أحضان السلطة الفرنسية ومن خلال المشاورات التي نظمتها وزارة الداخلية المسؤولة عن هذا الملف منذ أكثر من 15 سنة، وذلك من أجل الدفع إلى نشأة إسلام فرنسي، يتوافق مع النظام العلماني لفرنسا الذي يفصل بين الدين الدولة،  التي تلتزم الحياد في علاقتها بالديانات التي يمارسها الفرنسيون.

لكن ماذا حدث حتى يتمرد هذا المجلس المقرب من السلطة الفرنسية، ويختار رئيسه أحمد أوغراس (وهو فرنسي من أصول تركية)، أن يتمرد على هذه السلطة وعلى أعلى هيئة فيها، وهي رئيس الجمهورية، وأن يرد عبر الصحافة، بدل القنوات المعتادة في هذا المجلس، ليقول علانية "إن تنظيم الإسلام ليس من صلاحياته"، وليذكر الرئيس  الفرنسي "بالفصل بين الدولة والدين" كما ينص على ذلك قانون 1905 الذي يجعل من الدولة محايدة في تعاملها مع المعتقدات وممثليها.

يمكن تفسير رد الفعل هذا، وعبر الإعلام، بالمشاورات المكثفة لرئيس الفرنسي منذ شهور ومع كل الفئات التي تشتغل حول الدين الإسلامي من باحثين جامعيين ومؤسسات أكاديمية وفعاليات دينية حول إعادة تنظيم الإسلام دون أن يتحدث مع المعنيين، أي مع المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، وهو ما أثار تخوف هذه المؤسسة والمشرفين عليها، والتي ينتقدها الجميع اليوم ويعتبرونها لا تمثل أحدا بفرنسا.

المقربون منه وهو حكيم القروي قام بإنجاز تقرير مفصل حول أوضاع الإسلام بفرنسا وحول طرق تمويله.  وتضمن توصيات لمواجهة "صناعة الإسلاموية بفرنسا". ومحاربة الفكر المتطرف على شبكات التواصل الاجتماعي التي تعتبر مرتع لها. ومن أهم توصيات هذا التقرير: تعليم اللغة العربية في المدارس، وهو الاقتراح الذي رحب به وزير التربية الوطنية ميشال بلانكير، بدل تدريس هذه اللغة بالمساجد، وفي فضاءات أخرى غير منظمة. وطالب أيضا بفرض ضريبة على المنتجات الحلال من أجل توفير مداخل مالية لمؤسسات الإسلام. ويصبو هذا التقرير الذي صدر عن مؤسسة مونتاني الليبرالية  في ظروف إعادة تنظيم المجلس الفرنسي للديانة الاسلامية، المقررة في نهاية نوفمبر .

وقضية تمويل مؤسسات الإسلام بفرنسا هي أحد الملفات المعقدة، وتوجد العديد من القضايا أمام المحاكم الفرنسية يتابع فيها أئمة مساجد حول اختفاء جزء من هذه التمويلات القادمة من الخارج، خصوصا من بلدان الخليج، وأموال الزكاة التي تجمع بالمساجد، والتي لا تقدم حسابات حولها وكيفية  تدبيرها. الأغلبية الساحقة للجمعيات التي تقوم بهذا العمل، وهو جمع أموال زكاة المسلمين أو التبرعات الخاصة، لا تسلم تواصيل بذلك ولا تنشر تفاصيل على وضعيتها المالية ومداخليها، كما ينص على ذلك القانون عند تجاوز هذه المؤسسات  قيمة 150 الف يورو. رغم وجود مؤسسات للمراقبة بفرنسا، وذلك لحساسية هذا الملف على المستوى السياسي.

هذا الوضع المحرج لمسلمي فرنسا، وهو متابعة بعض الأئمة أو مسؤولي جمعيات المساجد، هو بسبب اختفاء أموال بناء المساجد التي يحصل عليها هؤلاء المسئولون من بلدان أجنبية أو من جمع الزكاة أو جمع التبرعات التي تقوم بها هذه الجمعيات طوال السنة. وتوجد أمام المحاكم الفرنسية، حسب بعض الصحف الفرنسية، 15 متابعة قضائية، أهمها قضية مسجد ستالينغراد بأحد مقاطعات باريس، بالإضافة إلى قضايا أخرى، سواء بمرسيليا، نيس، نانتير، كليشي، كليرمون فيران، بوردو، وذلك بسبب غياب الشفافية في صرف الأموال التي يتم جمعها.. إحدى جمعيات المساجد بمدينة بلوا، غرب فرنسا، حصلت على تمويل من المغرب لبناء مسجد قيمته 1.7 مليون يورو، وكانت ضحية أربعة مقاولين متابعين اليوم بالتحايل، وهي أخبار تداولتها العديد من الصحف الفرنسية.

بالإضافة إلى المتابعات التي تتعرض لها وكالات الاسفار الخاصة بالحج والعمرة، والتي تبيع خدمات لا تقدمها في أغلب الأحيان، كما تعكس ذلك عدد القضايا المطروحة أمام المحاكم الفرنسية، وهي عملية تحايل تورط فيها العديد من أئمة المساجد الذين يحصلون على تعويضات عن كل حاج يشتري السفر في المسجد مع هذه الوكالات للأسفار التي يختفي بعضها بعد جمع الأموال أو تقدم خدمات جد رديئة، مقارنة مع المبالغ التي يتم جمعها، حيث أن السفر للحج هو الأغلى ثمنا بفرنسا، مقارنة مع باقي البلدان الأوروبية.

السلطات الفرنسية والقضائية لا تتدخل كثيرا في هذه الملفات والتلاعبات التي يتعرض لها مسلمو فرنسا، والتي يقوم بها مسلمون آخرون، وذلك حسب عدد من الصحف، خوفا من اتهامهم "بالكولونيالية الجديدة" أو باتهامهم "بمعاداة الإسلام"، وهي تهم جاهزة يطلقها البعض للهروب من الشفافية والمحاسبة. وهي سلوكات تسيء لمسلمي وإسلام فرنسا.

وقد تمكن مجلس الشيوخ الفرنسي من تشكيل لجنة للبحث والتقصي تخص  تمويل الإسلام بفرنسا سنة 2016 ورغم حساسية الموضوع، وهو ما مكن، حسب بعض الصحف الفرنسية، من التعرف على التمويلات التي تحصل عليها بعض الجمعيات من الخارج وحجمها.

هذا التقرير بين أن المغرب هو من أهم ممولي المساجد بفرنسا (6 ملايين يورو)، تليه الجزائر 2 مليون يورو، السعودية أعلنت أنها قدمت تمويلا لـ 6 مساجد بما قيمته 3.7 مليون يورو، و5.8 مليون يورو قدمتها الكويت على 6 سنوات، والإمارات 1.7 مليون يورو. وقد اعتبرت اللجنة أن هذه التمويلات تمثل جزءا صغيرا فقط، وهي تمويلات معروفة لأنها مرت عبر التحويلات البنكية من سفارات هذه البلدان، في حين هناك تمويلات خاصة ليس لها أثر ولا تظهر في حسابات هذه الجمعيات الدينية. والتي يتم الحصول عليها من طرف الخواص بمنطقة الخليج.

وأغلب هذه الجمعيات والمساجد، بالإضافة إلى التمويلات الخارجية، لها كذلك أخرى محلية، وهي ثلاثة أنواع أهمها: زكاة الفطر، والزكاة عن الأموال، بالإضافة إلى حملات جمع الأموال من أجل بناء وإصلاح المساجد.

وحسب دراسة قام بها مكتب "صوليص"، متخصص في الماركوتينغ للمنتوجات الحلال، فإن كل مسلم فرنسي أو يعيش بفرنسا يعطي تقريبا 180 يورو في السنة، وهي نسبة متوسطة أكدتها دراسات أخرى. وهي نتائج أكدتها بيانات بعض المساجد المعروفة بالشفافية في حساباتها بفرنسا، مثل مسجد سيرجي "ضاحية باريس"، ومسجد إليس، ومسجد ماسي، ومسجد الدعوة (الذي تتابع الجمعية الإمام السابق المتورط في اختفاء أموال)، وهي أرقام قريبة مما يعطيه أتباع الديانات الأخرى مثل المسيحيين، أي حوالي 220 يور، حسب دراسات في هذا المجال. وحسب هذه الأرقام التي تقوم بها مكاتب الدراسات وبعض مصالح الدولة، فإن المساجد تحصل فقط من تبرعاتهم على الأتباع على حوالي 300 إلى 400 مليون يورو سنويا، وهو رقم كبير يجعل مسلمي فرنسا في غنى عن أي دعم خارجي أو بعيدين عن الصور الرائجة، وهي أنها ديانة فقيرة ليس لها موارد... هذه كلها طروحات خاطئة، وربما هو ما يفسر عدم رضى القائمين على هذه الجمعيات التي تتدخل في شؤون مسلمي فرنسا، وذلك خوفا من الشفافية وإعطاء الحساب حول ما يحصلون عنه من تمويلات مالية مهمة تصرف بدون حسيب أو رقيب، حسب العديد من وسائل الاعلام الفرنسية.

الرئيس الفرنسي قال للصحافة، في منتصف شهر فبراير الماضي، إنه "يريد إعادة النظر في الأسلوب الذي تنهجه الدولة فيما يتعلق بالأمور التي تمس تنظيم الإسلام بفرنسا". وهو ما أثار حفيظة المسئولين عن هذا المجلس الإسلامي الذين لا يرغبون في تدخل الدولة في شؤون عقيدتهم. وخاصة في تدبيرهم للأموال التي يحصلون عليها من الخارج أو التي تدبرها جمعيات محلية في مختلف الأقاليم الفرنسية.

وقد صدر هذا التقرير لمؤسسة مونتين في الوقت التي تجرى فيه مشاورات في مختلف الأقاليم الفرنسية من أجل إعادة تنظيم الإسلام بفرنسا، وتأسيس مؤسسة إسلامية تعنى بتنظيم الإسلام وتمويله، وتكوين الأئمة والدعاة. والتوصيات التي قدمها حكيم القروي والمشكل من 400 صفحة ينتظرها الجميع، من اجل إصلاح المؤسسات المكلفة بالإسلام بفرنسا.

يبقى السؤال الكبير المطروح: هل ستقوم فرنسا لوحدها بهذا الإصلاح أم أنها ستأخذ بعين الاعتبار البلدان الأصلية التي لها ارتباط بجاليتها المسلمة فوق التراب الفرنسي، خاصة المغرب، الجزائر وتركيا، رغم أن التقرير يقدم توصيات ترى أن الإسلام بفرنسا له ما يكفي من الموارد المادية، كما يمكنه أن يستفيد أيضا من ضريبة على المنتجات الحلال من أجل تعزيز موارده، كما يقول التقرير.. لكن هل الإسلام الفرنسي مشكله فقط مادي مرتبط بالتمويل، أم أن التوجه العام لنهج هذا الإسلام هو القضية الأساسية؟

يبقى الرئيس الفرنسي هو الذي ستكون له الكلمة الأخيرة حول النهج الذي يريده لإسلام فرنسا.