الأربعاء 27 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

مصطفى المتوكل الساحلي : في ذكرى الشهيد عمر بنجلون...للإرهاب أوجه متعددة

مصطفى المتوكل الساحلي : في ذكرى الشهيد عمر بنجلون...للإرهاب أوجه متعددة

يقول تعالى : " وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا "

جرائم القتل العمد ذات الخلفية السياسية والدينية والمذهبية تتشابه طرقها وظلامية أفكار وتصورات مرتكبيها، فسواء كان وراءها من ينسب نفسه للإسلام أو المسيحية أو اليهودية أو الوثنية أو اللادينية فهدفهم واحد، هو الإقصاء والترهيب للمختلفين معهم بقتل بعض الرموز والقادة البارزين لترهيب الآخرين وتخويف العامة، كما يلتجؤون إلى قتل أشخاص عاديين كانوا نساء أو رجالا أو أطفالا أو عجزة جماعات، باعتماد أبشع الطرق واقذرها من تصليب أو ذبح أو إحراق أو إعدامات فردية موثقة كما يفعل "الدواعش" و كما يحصل "ب ميانمار " ، أو قتل متدرج بالحصار والتجويع والترويع والإهمال، كما نرى تلك الأفعال تطال بشكل متعمد وممنهج دور العبادة والأماكن التي لها قيمة تراثية دينية، وثقافية وتاريخية، وإحياء قديمها وجديدها، ومناطق خضراء وغابوية وفضاءات رياضية وترفيهية، إنها تهدف إلى قتل ومحو الهوية المشتركة التي انتجت وبنت حضارات كبيرة تمتد لمئات القرون والتي أصبحت تجاربها ومعارفها وعلومها تشكل الشخصية المعاصرة اليوم في مجتمعاتنا، فأصبحت أمتنا تقدم للشعوب الأخرى على أنها ليست كما يقول ديننا جاءت لإخراج الناس من الظلمات إلى النور، بل لإغراق الناس في ظلمات الجهل والتطرف والكراهية والحقد ، فأين هؤلاء من قوله تعالى: " وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا " ( سورة الحج ).
إن ما نراه ونسجله في العديد من الدول وخاصة الشرق الأوسط من سوريا والعراق واليمين، أمر لا يمكن ان يقبل به الذي نسأله ونبتهل إليه ب " باسم الله الرحمن الرحيم" والذي أرسل الأنبياء والمرسلين ليعلموا الناس ويرشدوهم وليزرعوا الرحمة في القلوب، ولم يبعثهم ليرهبوا ويشردوا، ولا ليفسدوا في الأرض ويتلفوا الزرع والحرث والنسل، والذين رغم سلميتهم ورحمتهم حوربوا وقتل العديد منهم وتعرض الآخرون لكل أنواع التعذيب من أقوامهم فكان مرتكزهم في ممارسة الإرهاب على الأنبياء أنهم كفروا بآلهة قومهم وخرجوا عن نهج ومعتقدات الآباء والاجداد . قال تعالى : " إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ " ( آل عمران).

ومن هنا يحق لنا أن نتساءل، ما الذي جرى ويجري في أمتنا التي أصبحت لا تعيش إلا على كوابيس وكوارث وآلام لا تحصى، تخرب كل ما هو جميل فينا من طمأنينة وسكينة ووقار وأمن ..؟ ومن وراء عمليات القتل والتقتيل والتخريب وإشعال الفتن وتغذيتها بالأموال والسلاح ودعمها بوسائل إعلامية وحتى استخباراتية متعددة ؟ ولماذا يربط كل ذلك باسم الدين ؟

إن الذين يدعون أنهم جاؤوا ليقيموا ويطبقوا شرع الله في الأرض هم أول من يتعارض ويخرق قواعد الرحمة الالهية التي لخصها سيدنا محمد (ص) في، " الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الارض يرحمكم من في السماء "، إنهم يسجلون في التاريخ أحداثا توثق أفعالهم وأقوالهم وممارساتهم والتي يستنكرها ويتقزز من ذكرها كل من زرع الله في قلبه ذرة رحمة، وسيقدمون في كتابهم غدا أمام العدالة الالهية أكبر الإساءات للرسالات السماوية وللبشرية، ويكفينا أن نتأمل القران الكريم وحتى بعض الأسفار لنجد كيف وثق الوحي ووصف إجرامهم وترهيبهم . إن الدين والعقل لا يسمح لأي كان حتى ولو كان حاكما أن يقتل لإكراه الناس والمعارضين والمخالفين وحتى الرافضين للإيمان بدين الحاكم أو المذهب أو الطائفة أيا كان الدين، لأن الإيمان والحب قلبين وعقلين متكاملين، فالله الرحمن الرحيم لم يفوض لأي كان أن ينصب نفسه سفاكا للدماء وجلادا ومنتهكا للحرمات وقاطعا للأرحام ومسيئا للرسالات وسالبا للحريات ومعطلا للأفكار والإبداع ومناهضا للتقدم والتطور والحداثة، فهل يعتقد البعض من هؤلاء وأولئك أن أفكارهم وأوهامهم وقراراتهم واختياراتهم "السياسية " بمثابة إضافات مكملة للتشريع الالهي والضامنة لنصرته فيعتبر المخالف لهم خارجا عن الملة والدين.

لقد كان السبق للبعض في شرق العالم الاسلامي وغربه وفق "مذاهبهم" التكفيرية والاستئصالية بالالتجاء للترهيب بالقتل بكل الوسائل للمفكرين والمعارضين والمخالفين لساساتهم، حيث كشفت حقائق عن هوياتهم ومن كان وراءهم ومن ساندهم لتجنيد عصابة استغلت بالمغرب عفوية عمر بنجلون ليستوقفوه أمام بيت عائلته بمبرر سؤاله ليصبح في عداد الشهداء، في واضحة النهار يوم 18 دجنبر 1975 .

إنه مناضل وطني وسياسي ونقابي ومفكر متميز طبع حياته القصيرة بقوة الإيمان والإرادة وحسن الدفاع عن الوطن والشعب المغربي من أجل بناء دولة المؤسسات والحق والقانون، متصفا بالزهد في المناصب أو الامتيازات والمصالح، كان رحمه الله مدرسة في النضال والفكر والتأطير، هو الذي تعرض للاعتقال والتعذيب والمحاكمة وما تخلى عن مبادئه ونضاله سنة 1963 ، وحكم عليه بالإعدام يوم 14 مارس 1964 ، واختطف سنة 1965 ، ثم اعتقل سنة 1966، وأرسل إليه طرد ملغوم يوم 3 يناير 1973 سلمه الله منه، اعتقل ورفاقه يوم الجمعة 9 مارس 1973، وأطلق سراحه في 26 غشت 1974 بعدما أعلنت المحكمة العسكرية براءته.

ان المدخل الرئيسي للقضاء على الإرهاب والترهيب والحد منه وإيقاف تسربه لبعض العقول الضعيفة كمذهب أو منظومة فكرية ريعية نفعية تبتغي التحكم في الجميع بالسلطة والاستعباد، هو العلم والمعرفة والوعي بالقضاء على الأمية بكل أنواعها وتنوير عقول الناس وتسليحهم بالمنطق والعقلانية والمحبة واحترام الاختلاف والتنوع، وضرورة عدم الاستهتار والاستهانة بما يحصل وما نراه " فمعظم النار من مستصغر الشرر " ، إن الذين يقبلون ويتواطؤون مع حالات الانفلات في الفهم والإرادة سيأتي من يكفرهم ويعمل فيهم مثل ما يعملون فيقتل بعضهم بعضا بنفس العلة ونفس المرجعيات ، وهذا يحصل في العديد من الدول وتمتد آثاره إلى دول أخرى وحتى إلى أوروبا وغيرها، ليصدق عليهم جميعا قوله صلى الله عليه وسلم " إذا التقى المسلمانِ بسيفَيْهما فالقاتل والمقتول في النار " قلت: يا رسول الله هذا القاتِل فما بالُ المقتول؟ قال: " إنّه كان حريصًا على قتل صاحبه"

ملاحظة : ولد عمر بنجلون سنة 1934، كان رئيسا لجمعية الطلبة المسلمين لشمال افريقيا، قيادي في حزب الاتحاد الاشتراكي، آخر مسؤولية له قبيل اغتياله انتخابه عضوا بالمكتب السياسي لحزبه يناير 1975، وكان مديرا لجريدة المحرر وليبيراسيون .