السبت 18 مايو 2024
فن وثقافة

عبد الرحمن لبصير " الترين " إمام شيوخ العيطة الحصباوية الكبار بمنطقة عبدة(مع فيديو)

 
 
عبد الرحمن لبصير " الترين " إمام شيوخ العيطة الحصباوية الكبار بمنطقة عبدة(مع فيديو)

الفنان المتميز عبد الرحمان لبصير (1926 - 2012) مولاي عبد الرحمان مجريد، فنان موسيقي عازف على آلة لوتار، كان يعد أحد كبار شيوخ العيطة الحصباوية بإقليم أسفي وحارس فن العيطة العبدية بامتياز، وكان يعتبر فعلا مرجعا في تراث الغنائي الشعبي، عرف كيف يفتح آفاق التواصل بين كل الجهات بالمغرب، وكان رائدا من الرواد العمالقة لفن العيطة بعبدة، لقب ب " لبصير " و" الترين " ، من مواليد حوالي 1926 بدوار اولاد بوعلام الذي يبعد بحوالي 15 كلم عن الحصبة مجال جمعة سحيم، في اتجاه مدينة أسفي، وقد نشأ عبد الرحمن وسط أسرة بدوية تعيش على الفلاحة والزراعة ، و سمي بالبصير نظرا لإصابته بالعمى، ولقب بالترين نظرا لما في الكلمة من عمق دلالي فكلمة "الترين " هي كلمة تصغير لاسم " التران " نظرا لمواقفه الصارمة ووضوحه الصريح.
مازالت ترانيم وتره الصغير" السويسي" حاضرة بقوة، تخترق جدار الصمت بفضاء قاعة الأفراح التابعة للمجمع الشريف للفوسفاط بمدينة اليوسفية، ومازال شبح جسده الضعيف يؤثث منصات عروضه الفنية مدثرا بجلبابه الأبيض الأصيل الذي تفوح منه رائحة زريبة لكسيبة العبدية، وطاقيته البيضاء، ونعله التقليدي المتهالك الذي دك به خشبة القاعة في تناغم قل نظيره مع عيطة " الراضوني " الصعبة الإيقاع والعزف والأداء، والتي أداها باحترافية عالية وجودة فنية أمام جمهور عاشق لفن العيطة أحتشد ذات رمضان تكريما لرجل نذر حياته للوتر وإيقاعات العيطة الحصباوية المعقدة، ومازالت أنغام العيطة وترانيم أوتاره تخترق مسامع عشاقه ومحبيه الذين يقدرون طاقته الخلاقة في أداء عيوط خربوشة والراضوني وسيدي حسن، و كاسي فريد .... فكل الأغاني كان يؤديها باحترافية عالية وجودة فنية قل نظيرها في زمن الصخب والضجيج .
السي عبد الرحمان البصير الرجل الذي أدى العديد من الأغاني التراثية فأجاد عزفا وأتقن وأبدع طربا وقولا، حين تجالسه وتحدثه تكتشف عالما فريدا من البساطة والتواضع، مغرم بالنكتة وفن الضحك ، إلى درجة أن مرافقه وصديق عمره الملقب بعبد الرؤوف المتخصص في إيقاعات العيطة على الطعريجة، كان دائم الحضور حنبا إلى جنب مع السي ع الرحمان لبصير، زارعا البسمة على محيا جمهور فن العيطة خلال سهراته مقلدا شخصية الفنان الكبير السي عبد الرحيم التونسي، سواء بالمهرجانات أو اللقاءات الخاصة أو في الحفلات والأعراس بالمنطقة .
السي عبد الرحمان لبصير فنان موسيقي شعبي عرف كيف يفتح آفاق التواصل بين كل الجهات بالمغرب ، ضاربا كل الحواجز المصطنعة بين الدكالي والعبدي والأمازيغي بين العروبي والمديني ، من خلال آلة الوتر والطعريجة ونكته الجميلة وتلقائيته في الذوبان مع كل مجايليه شيوخا وشباب نساء وأطفالا، فنانين ومبدعين ومثقفين .
فرغم إعاقة البصر وحرمانه من النظر استطاع أن يرسم طريقه بإحساسه المرهف، وصدق مشاعره وحبه وتفانيه في عشق تراثنا الجميل ، عاش متوحدا وزاهدا في محرابه الفني مع آلة الوتر التي يعتبرها نبراسه وسراجه المنير في ظلمة الزمن الفني الرديء الذي قاومه بكل قوة، بحضوره وتجواله عبر كل مناطق عبدة وأحمر ودكالة ممتطيا صهوة وتره الصغير ضيفا وزائرا وسائلا عن محبيه الذين تقاسم معهم البساطة والمتعة في الأداء والحفظ إلى درجة تقديسه للنصوص العيطية بمختلف تلاوينها وأنماطها
هكذا عرفت الرجل / الجبل بعد عدة جلسات فنية كان آخرها بمدينة اليوسفية رفقة العديد من الفعاليات الثقافية والفنية أذكر منهم الزجالين إدريس بلعطار ومحمد عزيز بن سعد، والفنان عبد الله ديدان ، والفنان الكوميدي لكريمي ، و أصدقاء جمعيتي تراث أحمر للتنمية والأعمال الاجتماعية، والشعلة باليوسفية، حيث يحكي دون ملل عن مغربات الزمان، وما صادف في حياته من مقالب ومستملحات دون أن تفارق الابتسامة وجهه الدائري كالقمر، المنحوت بتجاعيد وتقاسيم جغرافيا التهميش والإقصاء والحاجة .
رحم الله السي عبد الرحمان لبصير، فنان العيطة العبدية، وينبوع التراث الشفهي والمحكي بالمنطقة، الذي ودعته مدينة جمعة سحيم في صمت دون أن يصل مساره الفني إلى عموم الشعب المغربي، رغم صيته الذائع عبر ربوع الوطن من خلال مشاركاته الفنية والإبداعية في العديد من المحطات الفنية ، التي أدى فيها أجود الأغاني العيطية وأعقدها دون أن تتسلل إلى نظمها ولو كلمة واحدة ساقطة لأنه بكل بساطة كان ضد الرداءة التي أصابت أنماطنا الغنائية التراثية .
إنه الفنان الشعبي مولاي عبد الرحمان لبصير العبدي، الملقب " بالترين" ، الذي نزل نبأ وفاته على محبيه بمدينة اليوسفية كالصاعقة سنة 2012 ، نظرا لما تركه من انطباعات في نفوس عشاق التراث العيطي ، ولما تحتفظ به ذاكرة المدينة عن هذه الشخصية البسيطة والعملاقة، التي امتشقت سلم الابداع وحفظ النصوص الحقيقية للعيطة، دون أن تبحث عن النجومية وسط الطفيليات التي غزت حقولنا الفنية.
نعم لقد فارق الحياة مولاي ع الرحمان لبصير، في صمت ليتسلل خلسة إلى العالم الآخر، حيث سيلتقي بالرجال العظام الذين ودعناهم واحدا تلوى الآخر، ويلتحق بقافلة مبدعينا وفنانينا الذين سرقتهم منا المنون في غفلة منا، ليعيد رسم الابتسامة على محياهم، من أمثال المرحوم فريد الأطلس المرحوم السي محمد رويشة، والسوسدي ....، ولن يجد صعوبة في اقتفاء أثر الباحث السي بوحميد ليعيد رسم واستحضار صورة السي جلول والدعباجي وفاطنة بنت الحسين وآخرين، شاء القدر ذات ليلة قمرية من موسم الحصاد أن يجمعهم بمجال منطقة الحصبة وجمعة سحيم وتحديدا بدوار أولاد بوعلام الذي رأى فيه النور سنة 1926 في كنف أسرة بدوية مرتبطة بالأرض والزراعة والفلاحة .


رابط الفيديوهنا