تطرقنا في مقالة الأمس، لرهانات الربح والخسارة لعبد الإله بنكيران، في أفق تشكيل حكومته الثانية، بعد تكليفه من طرف ملك البلاد، بعيد احتلال حزب العدالة والتنمية لصدارة تشريعيات 07 أكتوبر.
سنحاول من خلال مقالة اليوم، تسليط الضوء، حول الأسباب الحقيقية التي جعلت كل الأحزاب (ما عدا الأصالة والمعاصرة) تتهافت بشكل جنوني وهستيري نحو المشاركة في الحكومة بأي شكل من الأشكال.
لكن قبل ذلك، وجب التذكير، بأن كل هذه الأحزاب، تحاول أن تشرح للمغاربة، أن مشاركتها في الحكومة المقبلة، ستكون من أجل سبب واحد ووحيد، ألا وهو المصلحة العليا للبلاد.
لفهم هذه المصلحة العليا للبلاد، لابد من عرض الوضعية الحالية، للأحزاب الستة المعنية وما سيترتب عليه من المشاركة في الحكومة من عدمها.
1- حزب التجمع الوطني للأحرار: حزب مشارك في الحكومة الحالية، لم يسبق له أن مارس المعارضة، إلا خلال حكومة بنكيرانفي نسختها الأولى. حزب أو نادي البورجوازيين المغاربة، لا يمكنه أن يعيش في ظل المعارضة، لأنها لا تخدم لا مصالحه ولا مصالح المنتسبين إليه.
انطلاقا مما سبق، فإن هذا الحزب لم يتردد في اتخاد مجموعة من القرارات في ظرف قياسي. أولا، تقديم صلاح الدين مزوار، رئيس الحزب لاستقالته، وذلك لوضع حد لحالة الجفاء بين هذا الحزب وحزب البيجيدي. ثانيا، ربط الاتصال بعزيز أخنوش من أجل الرجوع للحزب. ثالثا، تشكيل فريق نيابي مشترك مع حزب الاتحاد الدستوري.
2- حزب الاستقلال: حزب ينتمي لصفوف المعارضة، قبل انتخابات 07 أكتوبر. حزب يعيش صراعات داخلية، تجلت بوضوح إبان تشكيل اللائحة الوطنية بشقيها النسائي والشبابي. خروجه للمعارضة، لن يزيد الوضع إلا تعقيدا. وبالتالي، فإن مشاركته في الحكومة، ستمكنه من إسكات مجموعة من الأصوات، إما عن طريق استوزارها، أو عن طريق دواوين الوزارات، أو عن طريق مسؤوليات تنفيذية بالفريق النيابي، أو عن طريق التعيين في المناصب العليا.
من أجل الحفاظ على وحدة الحزب من جهة، ومحاولة وقف نزيف التراجع السياسي من جهة ثانية، فإن حزب الاستقلال لم يتردد في أخد مجموعة من التدابير.. أولا، ترحيبه بالمشاركة في الحكومة. ثانيا، عقده للقاء تشاوري مع حزب الاتحاد الاشتراكي، انتهى بترحيب هذا الأخير بالمشاركة سويا مع حزب الاستقلال.
3- حزب الحركة الشعبية: حزب مشارك في الحكومة المنتهية ولايتها، حزب لم ينس بعد صدمته الكبيرة بخروجه في آخر لحظة من تشكيل حكومة عباس الفاسي، وبالتالي، صدمته هاته، لم تسعفه التفاوض بشروط كبيرة إبان تشكيل حكومة بنكيران I، إذ حصل على 04 مقاعد إسوة بحزب التقدم والاشتراكية، مع العلم أن فارق المقاعد بينهما يتجاوز العشرة مقاعد آنذاك. وبالتالي، فلم يكن مستغربا أن يكون حزب الحركة الشعبية أول حزب يستقبله عبد الإله بنكيران مباشرة بعد انطلاق مشاوراته.
4- حزب الاتحاد الدستوري: حزب يعيش في المعارضة منذ سنة 1998، عقب تشكيل حكومة التناوب. حزب اقترح مشاركته في حكومة بنكيرانفي نسختها الثانية، رغم عدم تلقيه لعرض من طرف عبد الإله بنكيران. يعرف هذا الحزب أن علاقته بحزب العدالة والتنمية، لا هي بالعلاقة الجيدة، ولا العلاقة السيئة، وبحكم معرفته، بأن بنكيران لن يفكر في حزب الحصان منفردا، فقد سبق الأحداث بتشكيله لفريق مشترك مع حزب التجمع الوطني الأحرار. وبالتالي، فإن حظوظ دخوله الحكومة هي نفس حظوظ حزب التجمع.
5 حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية: حزب ينتمي لصفوف المعارضة للحكومة المنتهية ولايتها. يعيش حزب عبد الرحيم بوعبيد، أسوء أيامه، لعدة أسباب نذكر منها، حصوله على 20 مقعدا فقط مقارنة بـ 39 بالانتخابات السابقة، انشقاق تيار الزايدي، وتأسيسهم لحزب البديل، ابتعاد مجموعة من المناضلين عن الحزب، في انتظار استقالة القيادة الحالية.
انطلاقا مما سبق فإن ادريس لشكر، يعرف أكثر من غيره أن رأسه مطلوب من الأصدقاء قبل الأعداء. وبالتالي، فإنه يوجد في موقع لا يحسد عليه، إذ لا يمكنه الخروج من عنق الزجاجة إلا بمشاركة في الحكومة، كيفما كان شكلها وحجمها. هذه المشاركة هي السبيل الوحيد لإسكات الأصدقاء والأعداء عن طريق الاستوزار والدواوين وما إلى ذلك.
6- حزب التقدم والاشتراكية: يبقى حزب علي يعتة، الحزب الوحيد الذي أعلن عن تحالفه مع البيحيدي، قبل الانتخابات، إما بالمشاركة معا أو المعارضة معا. لكن النتائج الهزيلة التي حصل عليها، كان من الواجب أن تحتم عليه الجلوس قليلا والتفكير مليا من جدوى هذا التحالف.
قبل الختام، وجب التذكير بجملة جاءت على لسان كل الزعماء السياسيين، أن الأجهزة التقريرية من مجالس وطنية، ولجان إدارية، هي الكفيلة بالجواب عن سؤال المشاركة. لكننا، نعرف جيدا أنه لم يسبق لجهاز تقريري أن صوت ضد إرادة مكتبه السياسي عموما، أو ضد قرار أمينه العام خصوصا.
ختاما، صحيح أن كل الأحزاب تدافع عن مصلحة الوطن والمواطنين، لكنها تدافع عن مصلحتها أولا وآخرا. وجب على كل الفاعلين السياسيين، أن يتحلوا بروح المسؤولية، ونكران الذات ويضعوا مصلحة البلاد فوق مصلحتهم الشخصية، العائلية والحزبية. وإلا فإن ذلك البصيص من الأمل الذي تولد لدى فئات واسعة من المجتمع في المشاركة السياسية خلال انتخابات 07 أكتوبر سيتم إعدامه وإقباره إلى الأبد.