لقاء نظمته لجنة الوحدة الترابية لحزب الاستقلال ومؤسسة علال الفاسي بالرباط تناول المبادرة المغربية للحكم الذاتي احتضنت مؤسسة علال الفاسي بمدينة الرباط، يوم الثلاثاء 28 أكتوبر 2025، ندوة فكرية نظمتها لجنة الوحدة الترابية لحزب الاستقلال بشراكة مع مؤسسة علال الفاسي، وذلك في إطار تخليد الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء المظفرة.
حملت الندوة عنوان "الحكم الذاتي آلية لتقرير المصير"، وناقشت بعمق موضوع مبادرة الحكم الذاتي المغربية كحل ديمقراطي وواقعي ونهائي للنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، في ظل التطورات الإقليمية والدولية المتعلقة بالقضية الوطنية الأولى.
أدار أشغال الندوة الأستاذ حسن عبد الخالق، عضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال والسفير السابق للمملكة المغربية بالجزائر، بمشاركة نخبة من الأساتذة الجامعيين والخبراء، وهم الأستاذ تاج الدين الحسيني، الخبير في القانون الدولي والعلاقات الدبلوماسية، الأستاذ الموساوي العجلاوي، الباحث في القضايا الإفريقية والمغاربية، والأستاذ لحسن حداد، الأكاديمي والوزير الأسبق المتخصص في تحليل السياسات العامة والعلاقات الدولية.
ركزت المداخلات على مفهوم مبادرة الحكم الذاتي في سياق القانون الدولي وتقرير المصير، حيث تم استحضار التجربة المغربية في تقديم نموذج متقدم للحكم الذاتي ضمن سيادة ووحدة المملكة.
وتم التأكيد على أن المبادرة المغربية تُشكل إطارا عمليا يسعى لحل النزاع القائم بطريقة ديمقراطية وتفاوضية، تحترم الشرعية الدولية وتنسجم مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وخصوصا القواعد التي تتعلق بالأقاليم غير المستقلة.
وقد أبرز المتدخلون أن مبادرة الحكم الذاتي التي اقترحها المغرب سنة 2007، تعكس خيارا استراتيجيا يعزز السلم والاستقرار في المنطقة، وتملك إشعاعا دوليا متناميا بفضل انخراط المغرب الدؤوب في تعزيز هذا الحل على الصعيد الأممي، حيث أصبحت المبادرة محل إجماع عالمي باعتبارها الحل الأنسب للنزاع الإقليمي المفتعل حول الصحراء.
وشددت الندوة على أهمية تثقيف الرأي العام الوطني والدولي بمضامين هذه المبادرة، وتحفيز النقاش العلمي والفكري حول أبعادها القانونية والسياسية والتنموية، وذلك كجزء من الدفاع الوطني عن الوحدة الترابية للمملكة.
وشملت النقاشات كذلك دور الحكم الذاتي في تأمين المشاركة الحقيقية للسكان المحليين في تدبير شؤونهم، ضمن إطار الدولة الديمقراطية التي تتبنى الجهوية المتقدمة.
ويستند الحكم الذاتي، وفقا للإطار القانوني الدولي، إلى مبادئ ميثاق الأمم المتحدة وقرارات الجمعية العامة التي تنظم حق الشعوب في تقرير مصيرها ضمن إطار يحترم وحدة الدول وسيادتها. ففي قراري 1514 و1541 الصادرين عام 1960، يتضح أن الأقاليم التي لم تكن تتمتع بالاستقلال، مثل الصحراء تحت الاستعمار الإسباني سابقًا، يمكن أن تمارس حقها في تقرير المصير من خلال آليات غير الانفصال، كالحكم الذاتي، بشرط أن يحصل ذلك ضمن الدولة الفردية التي تتيح للأقاليم المشاركة السياسية والاقتصادية والثقافية.
وتنطلق المبادرة المغربية للحكم الذاتي التي تم تقديمها في 2007 من هذا المفهوم، حيث تمنح السكان المحليين بالصحراء صلاحيات واسعة في تدبير الشأن المحلي، مع الحفاظ على السيادة الوطنية للمغرب.
ويصف الخبراء هذه المبادرة بأنها حل وسط سياسي يوازن بين تمكين السكان واحتضان الوحدة الوطنية، كما أنها نموذج ديمقراطي يعزز السلم والاستقرار الإقليمي.
على الجانب التنموي، يشكل الحكم الذاتي إطارا يساعد في تفعيل البرامج الاقتصادية والاجتماعية التي تراعي خصوصيات المنطقة، مما يسهم في إشراك السكان في بناء مستقبلهم وتنمية مواردهم، ويعزز الشعور بالانتماء والولاء للدولة.
وبهذا رأى المتدخلون في الندوة أن الحكم الذاتي هو ترجمة حديثة وواقعية لمبدأ تقرير المصير، حيث يحقق تفاعلا ديمقراطيا داخل الدولة الواحدة دون الانفصال أو إبراز خلافات سياسية مزعزعة، وهو نموذج يدعم استقرار المملكة المغربية، ويراعي تطلعات سكان الصحراء في نفس الوقت.
واختتمت الندوة بدعوة المشاركين إلى توسيع دائرة الحوار الأكاديمي والإعلامي لدعم مبادرة الحكم الذاتي، باعتبارها تعبيرا عن إرادة شعبية راسخة تجسد تمسك المغاربة بوحدة التراب الوطني وثوابت الدولة الحديثة المنفتحة على قيم الديمقراطية والتنمية.
ويأتي هذا النشاط الفكري في سياق الإعداد لإعادة تجديد النقاش الوطني والدولي حول القضية الوطنية، وتعزيز قدرة المغرب على التحرك الدبلوماسي والتنموي المواكب للمكتسبات التي حققتها في مجال التنمية بالأقاليم الجنوبية، وتثبيت مكانتها على الصعيد الإقليمي والدولي.
يشار إلى أن هذه الندوة تندرج ضمن سلسلة من الأنشطة التي ينظمها حزب الاستقلال ومؤسسة علال الفاسي لتسليط الضوء على الرؤية المغربية بخصوص قضية الصحراء، في أفق تعزيز الجبهة الداخلية والدفع بملف الوحدة الترابية نحو الحسم خلال الفترة القادمة.

