الاثنين 16 سبتمبر 2024
كتاب الرأي

عبد الحميد جماهري: فوق عتبة القانون وتحت سقف الأخلاق!

عبد الحميد جماهري: فوق عتبة القانون وتحت سقف الأخلاق!

كل شيء في قضية القياديين ، بنحماد وفاطمة النجار يغري بالحديث، بالفذلكة اللغوية، بتجريب الخيال في مآزق العاطفة في اللعب بالكلمات وانفتاح السخرية على شهيات جديدة..البحر،
فمن لم يقده الحب إلى البحر ، ليس محبا بالمرة
الفجر،
ومن لم يجرب السهر حتى منتصف الفجر ليس محبا بالمرة
العمر،
و من لم يغامر باحتراق خمسيني على جمر اللذة لم يعمر الأرض بالمرة
لكن الأمر أكبر من شهوة
وأعلى من لذة!
و الذي يقض المضجع عندما نكون أمام حالات متتالية ، يوضع فيها القانون والأخلاق على محك السياسة والدعوة يكون أبعد من توصيف سريع لعلاقة أبدع فيها ابن حزم في طوق الحمامة .. ونزار القباني قبل ليلة سبت غير عادية على شواطئ فضالة !
عندما سئل الفيلسوف الفرنسي »إيريك فياط« عن العفة ، في حوار مع أسبوعية ليبراسيون،أجاب :» العفة هي أن تحمر الروح خجلا من الجسد ...«.
وامتثال الروح للجسد، فكرة بشرية شاعرية، لكنها تكتسب بعدا مأساويا عندما يميل نزوع ما ، باسم الدين أو باسم العرق ... إلى الأخلاق ، وهو ما حدث مع قضية الحبيب الشوباني، ثم مع قضية بنحماد والنجار، وقضية المخدرات ثم قضية الخمر..
كيف؟..
نحن أمام وقائع يتجاور فيها كل ما هو في حكم الخارج عن الأخلاق(امتلاك أرض من منبر المسؤولية السياسية، زواج عرفي، ونزهة بحرية لا تغري شابين في مقتبل العمر بالنهوض باكرا .. حادثة المخدرات في بيت مستشار جماعي ينتسب إلى «التميز الأخلاقي«، ثم حركة سير غير عادية تحت تأثير الخمر )، مع ما هو في عرف القانون....
ففي حكاية الشوباني ، مثلا ، بدا من التسويغ القانوني لقضية الهكتارات أن من حق الرئيس أن يستثمر، طبقا للشكلانية القانونية المحضة، لكن السياسة، وبالضبط الأخلاق السياسية ، كانت تضعه على طرف نقيض مما تبغي نفسه!
هنا كنا أمام ثنائية لم يسبق أن واجهها حزب وضع الأخلاق عتبة «سماوية» ما زال صداها يتردد عند قولة الأستاذ عبد الإله بنكيران :هل تريدون الحكومة أم تريدون الجنة؟.. فاختاروا الجنة طبعا!
هذه الثنائية هي :القانون يسمح بالملكية الشخصية للأراضي، ولكن الأخلاق السياسية تمنع ذلك..
القانون مع الترف، لكن الأخلاق مع الزهد في الدنيا!
وفي الحالة الثانية، نحن أمام ثنائية تتجاوز في تقديري الحرية الشخصية !
فالأمر لا يتعلق بشخصين عاديين لهما سلوكهما، الديني والتربوي والأخلاقي، بل هما من صناع الرأي العام الدعوي، يضعان لأنفسهما وضعا اعتباريا حول قيادة الجميع نحو مراتب السلوك الذي يريدون، كما يضعان تعريفا محددا للتدين، مبني على فهم معين .... للشريعة!
وهنا نصل إلى ثنائية أخرى ، أكبر بكثير من حريتهما الفردية في قيادة الجسد إلى ضفاف اللذة.
فهما في نقطة استعصاء غير مسبوقة في حياتهما وحياة من يصنعان لهما شبكة لقراءة الدين! فلأول مرة يقول القانون عكس ما تقول الشريعة كما يفهمانها معا، ومن على مراتب المسؤولية في حركة دعوية هي دليل الهيمنة الثقافية للحزب السياسي الأول في البلاد!
إننا أمام استعصائين: الأول بين القانون وأخلاق المسؤولية ..
والاستعصاء الثاني بين تأويل الشريعة وحقيقة القانون!
ولا بد من أن نحدد أنه عندما تضع عتبة عالية في المجال الأخلاقي، أو الأخلاقوي المتعلق بالسلوك العام، عليك أن تحسن القفز فوق الزانة..
فأنت تضع عتبة لمحاكمة الناس ، فلا يمكن أن تغضب عندما يحاسبونك بناء على ذلك..
ويذكر العبد الضعيف لربه مقولة للراحل الكبير، محمد جسوس في أحد ملتقيات الشبيبة الاتحادية، وهو يرد على تدخلات المناضلات والمناضلين وهم يشتكون من »قساوة« الأحكام والانتقادات التي بدأت توكل وقتها إلى حزب القوات الشعبية والشهداء:كان الشباب ، ذكورا وإناثا في حالة تبرم حقيقية من الانتقادات القاسية فقال رحمه الله:»لا تنسوا، أنتم من علم الناس ربط السياسة بالأخلاق ، وأنتم الذين انتقدتم كل السلوكات غير السوية، فلا بد من أن يستعمل الناس معكم ما علمتموهم ..«!
كان كلام الراحل الكبير حجتنا في تحمل القساوة وتحمل الأحكام، بالرغم من أن ما كان يعاب علينا ، وقتها لا يتجاوز بعض مظاهر »الرخاء« العابر على بعضنا، وبعض الاستفادات المحدودة من الانتخابات..

من المحقق أن المحاكمة، بنية حسنة أو بسوء جوانية تمتد إلى الانتخابات، موجودة قبل الحادثة، ذلك أن الذين وضعوا الميزان الأخلاقوي في حدود السلوك اليومي، كانوا يضعون المحكمة بكامل أعضائها، بدون حضور محامي الدفاع...
حتى الحكم صادر منذ 14 قرنا، عندما يحينوننه باسم التجديد الديني..
لاشيء إذن جديد في القضية ويكفي لمن يريد أن يتابع مستجداتها أن يعود .. إلى قصة المسيح والزانية أو إلى قصة النبي عليه صلوات الله وسلامه والزانية..
هذا المشهد وقع منذ 14 قرنا، كان ينقصه البحر.. والفرقة الوطنية!
ما الجديد إذن ؟
قد يكون الجواب مني، وضع ما كتبه صلاح الوديع حرفيا بدون رتوش ، حيث لا اجتهاد مع النص ، وحيث الهامش الوحيد الذي يسمح به المجاز هو .. القصيدة. ومن يحب يستعيد كل عواطفه كاملة من حادثة الذنب الدينية.
كتب صلاح الشاعر، بغير قليل مما يستحقه القلب:"رغم أن الشماتة تغري، فلن أنساق، كم من لعب بالكلمات يمكن للمرء أن يقوم به في هذه القصة، وكم من التصريحات السابقة التي تدين أصحابها موجودة بالجملة والمفرقة على اليوتوب وغيرها. لكنني لن أفعل.
بل فقط سأغتنمها فرصة كي أدافع عن الرأي الذي سبق أن دافعت عنه مرارا، ومؤخرا على الهواء بالمباشر التلفزي.
قلت في ذلك المباشر أن النفاق الاجتماعي القائم يجب أن ينتهي. وقلت أن العلاقات الرضائية قائمة اليوم في مختلف الأوساط. بل هي شائعة حتى في صفوف الإسلامويين بصيغ التوائية اسمها الزواج العرفي أو "زوجتك نفسي"... وقلت يجب أن يرتفع التجريم عن العلاقات الرضائية بين البالغين، ما عدا في حالة شكوى متضرر مباشر. ولم أكن أعتقد أن دفاعي هذا سوف يستفيد منه يوما ما، بعض من يناهضون الحريات الفردية.
واليوم أضيف أن تهمة الإخلال بالآداب العامة يجب أن تنتفي من قانوننا، لأن مجرد قبلة أو تماسك بالأيدي يمكن أن يؤدي بصاحبه أو صاحبته أو هما معا لغياهب الزنازين.
سأدافع مرة أخرى عن رأيي إذن، وإن كان من أعتبرهم خصوما إيديولوجيين وهم متابعون اليوم بتهم الخيانة والفساد، سيستفيدون من هذا الدفاع. ذلك أن ما يهمني بالأساس هو أن يتم التقدم في حل معضلات المجتمع لا أن أهزم خصومي سياسيا، في مقام الأولوية.
لن أغرز السكين في الجرح ولن أستغل لحظة اختلاء بين رجل وامرأة، لحظة فيها ربما بعض الحب أو كله.
ولو لم يكن الشخصان المعنيان داعيتين "إسلاميتين" بارزتين ما عرَّجتُ على الأمر حتى بدافع الفضول.
فقط أريد أن أعبر عن غضبي من التوتير الوجداني والشحن النفسي مع ما لهما من أثر وخيم على أجيال الشباب الذين تعرضوا للقصف الإيديولوجي من طرف هذين الشخصين سنين طوالا، ويتعرضون اليوم للإحباط المطلق بسبب ازدواجية السلوك والتناقض بين الخطاب والممارسة لدى من كانا إلى حدود السبت الماضي/السابعة صباحا، أيقونتين لا يأتيهما الباطل لا من أمامهما ولا من خلفهما.
هي لحظة كي ينفضح تجار الدين ومزدوجو الخطاب ومدَّعو احتكار الأخلاق والفضيلة باسم الإسلام، من أجل كسب مصالح دنيوية.
أما من سوف يصر على الشماتة، فقول السيد المسيح كاف للرد عليه: "من كان منكم بلا خطيئة فليرمهما بحجر...".
لكن ...
ثم لكن مرة ثانية مع حذف التردد، يفوق الموقف الانسجام المنطقي، القانوني، إنه يتعلق بحصول تعبير جسدي بشري عاطفي عن تناقض لم يعد يستسغه الوضع الراهن: بين القانون والعاطفة الدينية
بين الأوضاع الجديدة والحكم الأخلاقوي الضيق
لقد مالت بعض الدفوعات الشكلية إلى تحميل القانون مأزق العاطفة من قبيل القول: لو لم تمنع المدونة التعدد لما كانت الفاحشة.. والحال أن الفاحشة تحصل في قلب المعبد..
والجسد معبد الإنسان الحمدلي...( من الحمد لله)!
والعهد هو الترسانة الممتدة من بداية الحديث إلى نهاية البسملة..
والحادث اليوم أن مشكلة رجل دين وداعية مع امرأة دين ودعوة، تطرح نفسها أيضا على .. الحداثيين ، لكي يجدوا حلا بين الحرية وبين القانون
بين الدعوة وبين الحق..الخ.
يبقى أن معضلة ما يحدث اليوم، هو غير مسبوق لحركة دعوية تعمل في السياسة، (باستثناء ما وقع للعدل والإحسان فيما لم يسايره كثيرا عموم الناس ..نظرا لغياب شرط الانتخابات)، ليس فقط في انهيار النموذج السلوكي المتعالي، الشبيه بالتجرد المسيحي، بل في كون الثنائيات المستحدثة، بفعل الذهول في السياسة، غير مسبوقة بالمرة وهي امتحان عام على الملأ، لايجد فيه الدعوي والدعوية من دفاع، إلا ما أسسته العلمانية واليسار، أي العدوان!
لهذا أعجبت بتدوينة، لا نكاية فيها لأحد الفايسبوكيين العتاة يقول فيها ما معناه أن الحرية تأخذ شكلها النهائي عندما ندافع عنها مع من هو ضدها...!
إن النقاش، بعيدا عن الأجواء التي رافقت السجال المجتمعي حول القانون الجنائي، والذي تميز بالمواجهة الضحلة بين رئيس الحكومة وبين محمد الصبار، هو في العمق أحقية الدعوة في إعادة بناء المجتمع الذي لم يكتمل من الصحابة، هو كيف يتحقق للفكر الدعوي البعد التنسيبي في التاريخ ويستحضر حدود إعادة بناء الجمهورية الفاضلة..
هو كيف يستطيع أن يضمّن تفكيره بعدا لايوجد فيه هو : القانون!
القانون قبل الحدود
القانون
قبل الشريعة
القانون التأويل.. الخ!
وهذه هي المعضلة الكبرى التي تلخص المأزق الحقيقي، عندما ينتقل الداعية إلى مجال الحداثة.. في الحياة وليس في التفكير طبعا!
نعود للتركيز: هناك ثنائية القانون وأخلاق المسؤولية
هناك القانون وتأويل الشريعة
هناك ثنائية الحب والزنا
‫.......‬
الخ
لا شيء يمنع الحب سوى الايديولوجيا والأعراف العابرة للقارات..
الحب يتسع للمتدينين ولغير المتدينين، لكن القانون لاشرطية فيه سوى الحق في المحاكمة العادلة..
لا شك أن كل شيء في القضايا التي أوردناها يغري بأن يكون بنحماد وفاطمة. والتحكم ثالثهما.. وفي هذه القضية لا بد من أن نحترس : وجود الشك في المتابعة لا يعني بأن شرطها المادي غير موجود، والخصم لا يربحنا لأنه يختلق الأشياء بل لأنه يستعملها وهي موجودة..
وتحوير القضية إلى حدودها البسيطة (الاستقالة والإقالة يفوت فرصة من ذهب لنقاش في العمق حول حدود الفهم الشريعاتي للحاضر، وحدود القانون مع الناموس الديني ...)، ومن المفروض أن يسير النقاش الآن، وألا ينتظر واقعة أخرى ، ليس لواقعتها كاذبة!