من المحقق أن المحاكمة، بنية حسنة أو بسوء جوانية تمتد إلى الانتخابات، موجودة قبل الحادثة، ذلك أن الذين وضعوا الميزان الأخلاقوي في حدود السلوك اليومي، كانوا يضعون المحكمة بكامل أعضائها، بدون حضور محامي الدفاع...
حتى الحكم صادر منذ 14 قرنا، عندما يحينوننه باسم التجديد الديني..
لاشيء إذن جديد في القضية ويكفي لمن يريد أن يتابع مستجداتها أن يعود .. إلى قصة المسيح والزانية أو إلى قصة النبي عليه صلوات الله وسلامه والزانية..
هذا المشهد وقع منذ 14 قرنا، كان ينقصه البحر.. والفرقة الوطنية!
ما الجديد إذن ؟
قد يكون الجواب مني، وضع ما كتبه صلاح الوديع حرفيا بدون رتوش ، حيث لا اجتهاد مع النص ، وحيث الهامش الوحيد الذي يسمح به المجاز هو .. القصيدة. ومن يحب يستعيد كل عواطفه كاملة من حادثة الذنب الدينية.
كتب صلاح الشاعر، بغير قليل مما يستحقه القلب:"رغم أن الشماتة تغري، فلن أنساق، كم من لعب بالكلمات يمكن للمرء أن يقوم به في هذه القصة، وكم من التصريحات السابقة التي تدين أصحابها موجودة بالجملة والمفرقة على اليوتوب وغيرها. لكنني لن أفعل.
بل فقط سأغتنمها فرصة كي أدافع عن الرأي الذي سبق أن دافعت عنه مرارا، ومؤخرا على الهواء بالمباشر التلفزي.
قلت في ذلك المباشر أن النفاق الاجتماعي القائم يجب أن ينتهي. وقلت أن العلاقات الرضائية قائمة اليوم في مختلف الأوساط. بل هي شائعة حتى في صفوف الإسلامويين بصيغ التوائية اسمها الزواج العرفي أو "زوجتك نفسي"... وقلت يجب أن يرتفع التجريم عن العلاقات الرضائية بين البالغين، ما عدا في حالة شكوى متضرر مباشر. ولم أكن أعتقد أن دفاعي هذا سوف يستفيد منه يوما ما، بعض من يناهضون الحريات الفردية.
واليوم أضيف أن تهمة الإخلال بالآداب العامة يجب أن تنتفي من قانوننا، لأن مجرد قبلة أو تماسك بالأيدي يمكن أن يؤدي بصاحبه أو صاحبته أو هما معا لغياهب الزنازين.
سأدافع مرة أخرى عن رأيي إذن، وإن كان من أعتبرهم خصوما إيديولوجيين وهم متابعون اليوم بتهم الخيانة والفساد، سيستفيدون من هذا الدفاع. ذلك أن ما يهمني بالأساس هو أن يتم التقدم في حل معضلات المجتمع لا أن أهزم خصومي سياسيا، في مقام الأولوية.
لن أغرز السكين في الجرح ولن أستغل لحظة اختلاء بين رجل وامرأة، لحظة فيها ربما بعض الحب أو كله.
ولو لم يكن الشخصان المعنيان داعيتين "إسلاميتين" بارزتين ما عرَّجتُ على الأمر حتى بدافع الفضول.
فقط أريد أن أعبر عن غضبي من التوتير الوجداني والشحن النفسي مع ما لهما من أثر وخيم على أجيال الشباب الذين تعرضوا للقصف الإيديولوجي من طرف هذين الشخصين سنين طوالا، ويتعرضون اليوم للإحباط المطلق بسبب ازدواجية السلوك والتناقض بين الخطاب والممارسة لدى من كانا إلى حدود السبت الماضي/السابعة صباحا، أيقونتين لا يأتيهما الباطل لا من أمامهما ولا من خلفهما.
هي لحظة كي ينفضح تجار الدين ومزدوجو الخطاب ومدَّعو احتكار الأخلاق والفضيلة باسم الإسلام، من أجل كسب مصالح دنيوية.
أما من سوف يصر على الشماتة، فقول السيد المسيح كاف للرد عليه: "من كان منكم بلا خطيئة فليرمهما بحجر...".
لكن ...
ثم لكن مرة ثانية مع حذف التردد، يفوق الموقف الانسجام المنطقي، القانوني، إنه يتعلق بحصول تعبير جسدي بشري عاطفي عن تناقض لم يعد يستسغه الوضع الراهن: بين القانون والعاطفة الدينية
بين الأوضاع الجديدة والحكم الأخلاقوي الضيق
لقد مالت بعض الدفوعات الشكلية إلى تحميل القانون مأزق العاطفة من قبيل القول: لو لم تمنع المدونة التعدد لما كانت الفاحشة.. والحال أن الفاحشة تحصل في قلب المعبد..
والجسد معبد الإنسان الحمدلي...( من الحمد لله)!
والعهد هو الترسانة الممتدة من بداية الحديث إلى نهاية البسملة..
والحادث اليوم أن مشكلة رجل دين وداعية مع امرأة دين ودعوة، تطرح نفسها أيضا على .. الحداثيين ، لكي يجدوا حلا بين الحرية وبين القانون
بين الدعوة وبين الحق..الخ.
يبقى أن معضلة ما يحدث اليوم، هو غير مسبوق لحركة دعوية تعمل في السياسة، (باستثناء ما وقع للعدل والإحسان فيما لم يسايره كثيرا عموم الناس ..نظرا لغياب شرط الانتخابات)، ليس فقط في انهيار النموذج السلوكي المتعالي، الشبيه بالتجرد المسيحي، بل في كون الثنائيات المستحدثة، بفعل الذهول في السياسة، غير مسبوقة بالمرة وهي امتحان عام على الملأ، لايجد فيه الدعوي والدعوية من دفاع، إلا ما أسسته العلمانية واليسار، أي العدوان!
لهذا أعجبت بتدوينة، لا نكاية فيها لأحد الفايسبوكيين العتاة يقول فيها ما معناه أن الحرية تأخذ شكلها النهائي عندما ندافع عنها مع من هو ضدها...!
إن النقاش، بعيدا عن الأجواء التي رافقت السجال المجتمعي حول القانون الجنائي، والذي تميز بالمواجهة الضحلة بين رئيس الحكومة وبين محمد الصبار، هو في العمق أحقية الدعوة في إعادة بناء المجتمع الذي لم يكتمل من الصحابة، هو كيف يتحقق للفكر الدعوي البعد التنسيبي في التاريخ ويستحضر حدود إعادة بناء الجمهورية الفاضلة..
هو كيف يستطيع أن يضمّن تفكيره بعدا لايوجد فيه هو : القانون!
القانون قبل الحدود
القانون
قبل الشريعة
القانون التأويل.. الخ!
وهذه هي المعضلة الكبرى التي تلخص المأزق الحقيقي، عندما ينتقل الداعية إلى مجال الحداثة.. في الحياة وليس في التفكير طبعا!
نعود للتركيز: هناك ثنائية القانون وأخلاق المسؤولية
هناك القانون وتأويل الشريعة
هناك ثنائية الحب والزنا
.......
الخ
لا شيء يمنع الحب سوى الايديولوجيا والأعراف العابرة للقارات..
الحب يتسع للمتدينين ولغير المتدينين، لكن القانون لاشرطية فيه سوى الحق في المحاكمة العادلة..
لا شك أن كل شيء في القضايا التي أوردناها يغري بأن يكون بنحماد وفاطمة. والتحكم ثالثهما.. وفي هذه القضية لا بد من أن نحترس : وجود الشك في المتابعة لا يعني بأن شرطها المادي غير موجود، والخصم لا يربحنا لأنه يختلق الأشياء بل لأنه يستعملها وهي موجودة..
وتحوير القضية إلى حدودها البسيطة (الاستقالة والإقالة يفوت فرصة من ذهب لنقاش في العمق حول حدود الفهم الشريعاتي للحاضر، وحدود القانون مع الناموس الديني ...)، ومن المفروض أن يسير النقاش الآن، وألا ينتظر واقعة أخرى ، ليس لواقعتها كاذبة!