لم تعد تفصلنا سوى شهرين من الاستحقاقات البرلمانية المقررة يوم 7 أكتوبر المقبل . الترقب و تحرك الأحزاب و المترشحين الحاصلين على التزكية بدأت قبل الحملة ، و قراءة المشهد و الخريطة على ضوء المعطيات الحالية يتطلب الكثير من الدقة في ظل تسارع الأحداث و التقييمات و المواقف و الخطابات التي أنهت بها الأغلبية و الحكومة الحالية ولايتها .
و من المؤشرات التي تستوجب الإحاطة و الطرح هناك اعتماد عتبة 3 % و التي تعتبر منخفضة نسبيا بعد أن كانت سنة 2011 محددة في 6% .
الأكيد هو أن مطلب تخفيض النسبة و العتبة كان مطلبا للأحزاب المتضررة من نتائج 2011، و الأخرى التي تطمح في تمثليها في البرلمان بغض النظر عن العدد . مع العلم أن الأحزاب الطامحة في اكتساح البرلمان تتحفظ .. و هناك من يرى في ذلك مدخلا آخرا لبلقنة المشهد السياسي المقبل أكثر مما هو راهنا . لكن لا بد من الوقوف على المعطيات و الاحتمالات التالية :
- بلقنة المشهد وارد كمعطى ،و تبقى واردة حتى إن لم يتم تخفيض العتبة ، نظرا لطبيعة الاقتراع ، و نسب المشاركة المحتملة ، وإكراهات السياق العام .
- طبيعة الأحزاب المتطلعة للوصول إلى نتائج أحسن ، أو حتى الوصول إلى البرلمان لأول مرة لن تؤثر على التحالفات المحتملة ، نظرا لصعوبة التنسيق المقبل بين أحزاب اليسار بمن فيهم تحالف اليسار بقيادة حزب اليسار الموحد و تحالفاته الانتخابية من جهة ، وحزب الاتحاد الاشتراكي من جهة ثانية . مع العلم أن حزب التقدم و الاشتراكية يطمح دائما في التنسيق مع حزب العدالة و التنمية ، رغم الاختلاف و التباين الاديولوجي بين الكونين .
- فرضية و إمكانية حصول حزب العدالة و التنمية على أكبر عدد من المقاعد سيعيد المشهد إلى نفس سيناريوهات 2011 نظريا ، إذا افترضنا احتفاظ حزب الاستقلال و التجمع و الحركة الشعبية بنفس الترتيب – وهو أمر محتمل – .
- و العكس ، إذا حقق حزب الأصالة و المعاصرة الأغلبية في المقاعد البرلمانية ، ففي هذه الحالة قد تتغير الأغلبية و الحكومة في شكلها . و في تنسيق محتمل مع الاتحاد الاشتراكي الذي يطمح لتحقيق نتائج مرضية رغم الاكراهات الموضوعية و الذاتية التي يجابهها . مع أن إمكانية تحالف حزب الاستقلال و العدالة و التنمية تبقى واردة مرة أخرى ومن جديد ، سواء في الأغلبية و العارضة ، و هو سيناريو يعيدنا إلى نسخة تشكيلة الحكومة الأولى للعدالة و التنمية .
- تبقى حظوظ حزب الأحرار و الحركة الشعبية كما كانت من قبل ، مع إمكانية تحالفهما مع كل الأحزاب المشكلة للأغلبية – وكعادتها - لتبرير و تشكيل أغلبية ما ، حتى وإن لم تكن متجانسة .
- لا توجد مؤشرات أكيدة على إمكانية الرفع من نسب المشاركة ، وهو ما يعني إمكانية التحكم في المشهد و فق نفس المعطيات السالفة .
- قد يستفيد حزب اليسار الموحد و تحالفاته كلها من وضع تخفيض العتبة ، بحكم تطلعه للوصول إلى البرلمان و بالأعداد المتاحة ، حتى و إن كانت قليلة ، و على شاكلة منظمة العمل الديمقراطي الشعبي في برلمان التسعينيات ، ليشكل بعد ذلك صوتا يساريا في المعارضة .
هذا ، و تبقى العتبة المحددة شكلا في 3 % أمرا ثانويا لن يؤثر بالضرورة على المشهد السياسي و البرلماني في كليته ، وأقصى ما قد يضيف هو تقريب بعض الأحزاب المتعثرة في مسارها البرلماني من إمكانية التمثيل و المشاركة ، سواء في الأغلبية أو المعارضة .