الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

ذ.المصطفى المتوكل: استعمال الترهيب كمزاح .. كاللعب بالنار

ذ.المصطفى المتوكل: استعمال الترهيب كمزاح .. كاللعب بالنار

قال رسول الله (ص): (من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه، حتى وإن كان أخاه لأبيه وأمه) رواه مسلم، قال (ص): «والله لا يومن، والله لا يومن، قيل من يا رسول الله، قال الذي لا يأمن جاره بوائقه ».. البوائق المصائب والشرور الترهيب باستعمال السياسة والدين والمال والعنف من أجل إخضاع الناس قهرا وتجبرا وابتزازا، أمور ممنوعة ومنهي عنها شرعا وعقلا لأنها تسعى إلى تحقيق مبتغى مصلحي دنيوي بالإكراه، والإسلام لا يعتمد فلسفة ومنهجية الترهيب من أجل إخضاع الناس واتباعهم له، إنه يعتمد المنطق والإقناع والحسنى وعدم الإعتداء والإحترام والتقدير المطلقين سواء في التواصل بين الناس أو في التعامل معهم، وهذا هو الذي جاء به الإسلام. أما حال البعض بعالمنا اليوم فإنهم يسيرون على نهج يناقض الإسلام نصا وفهما وتأويلا وعقلا متعقبين آثار إقدام و” أفكار” لا يمكن تصنيفها لا بالعاقلة ولا بالرشيدة، ولو اعتلى دعاة ذلك منابر أو تقلدوا مسؤوليات، فليس من العقل في شيء أن يصبح أمن الشعب لعبة وورقة سياسية للمساومة والابتزاز، كما لا يمكن السكوت على من يشجع الإرهاب المادي أو المعنوي، ولا يجوز للدولة أن تقبل أن يتقمص البعض أدوارها في الإفتاء والتأويل والتشريع في علاقة باستصدار أحكام تفتح الأبواب على مصراعيها للفكر التكفيري وتشجع على كسر الحواجز النفسية أمام المتدبدبين الذين يعجبون بالأفكار التكفيرية أو “يعشقون” استغلال أية فرصة كيفما كان نوعها أو مستواها لتصفية حسابات ضيقة وتعمد الإساءات المتغولة وصناعة الإشاعات المغرضة وتوظيف الدين بشكل تعسفي لئيم بهدف الوصول إلى غايات محددة يفترض فيها أن تكون أداة للإصلاح والبناء والتطور والتعاون، فجعلوها للهدم والتخريب ونشر الأحقاد والكراهية وتهييج ضعاف النفوس والإيمان ضد من يجهلونهم ولا يعرفونهم.

إنهم ولاعتبارات متعددة يطلقون العنان “للإرهاب” الإلكتروني على صفحات التواصل الاجتماعي، فيستصغرون آراء الدعوة للقتل ويعللون ويبررون دواعي الإفتاء بإعدام “آخر معارض بأمعاء آخر انقلابي؟؟”، وهذه دعوة خطيرة لاجتثاث المعارضين بالإنقلابيين وهنا لابد من الوقوف على نعث ”الإنقلابي” لنسائل هؤلاء جميعا هل تربطون بين “انقلاب” تركيا والمعارضة المغربية؟ هل تطالبون رئيس تركيا بأن يعدم المعارضين حتى عندنا بأمعاء الإنقلابيين أو من سيطالهم هذا الإتهام عنده؟ أم هي دعوة لمن يعنيهم أمر الإقتداء بالخارج لتصريف محصلاته بالداخل؟ إننا بالمغرب نعلم في إطار بعض الفنون الشعبية أن أمعاء المعز تصلح لآلة الهجهوج / الكنبري، كما تصلح "للكرداس والتقلية "، أما أن تستعمل أمعاء الانسان للإعدام فهذا أمر لم نسمع به ولم نقرأ عنه إلا في زماننا هذا الذي تنافس فيه “الدواعش” في إعدام المخالفين لهم بالسحل والحرق والإغراق أو بالتفجير أو بالذبح، ولديهم اقتراح جديد مبتدع الشنق بأمعاء الإنقلابي؟؟

إن دول العالم التي تربطنا بها علاقات تعتبر ضرورية سياسيا وديبلوماسيا واقتصاديا وثقافيا واجتماعيا وأمنيا، تتتبع الشاذة والفادة عندنا، سياسات عامة وتصريحات الحكام والاحزاب السياسية والنقابات والمجتمع المدني بل وحتى مواقع التواصل الاجتماعي والإنترنيت، إنهم يلتقطون ويتتبعون “الارهاب” وهو كلمة أو تعليق أو بيان قد يشكل تهديدا أو خطورة على أمنهم وأمننا، إنهم يتعاملون بحساسية كبيرة مع قضايا وملفات استقرار وأمن مواطنيهم، ومن هنا تتقاطع المصالح المشتركة معهم، فان أصبحنا في بلداننا مستأنسين مع الكلام المشحون بالترهيب والمشجع على الارهاب ونستعمله حتى على سبيل المزاح والتنكيت، فإن الآخرين سيعتبروننا منطقة موبوءة وخطرة وغير آمنة على أهلها وعلى مواطنيهم وأن مصالحهم مهددة عندنا كما أننا سنصبح أينما تواجدنا موضع شبهة ومتابعة ومراقبة، إن البعض من الناس –  والذين قد يدلون برأيهم عندما يتم الاعداد للتشريع ووضع القوانين بالمؤسسات الدستورية وخارجها – يعتبرون ويرون أن من حرية التعبير كتابة مقالات أو تعاليق أو الإدلاء بتصريحات تدعو إلى أبشع صيغ الترهيب التي فيها تشنيع بجثة من أعدم وتلاعب بأحشائه ودعوة أخرى وتحريض للإعداد لقتل إنسان آخر، نقول في هذه الحالة كان الله في عون أمتنا تشريعا وافتاء ودولة حيث يصبح الحلال والمباح و الحرام والمكروه كراهة تحريم مدونين بألواحهم الخاصة ”المقدسة” الإسلام منها براء، فيستبيحون أعراض الناس وخصوصياتهم، ويستحلون نساءهم وأموالهم و قد يسفكون دمائهم، ولنا العبرة التي ما بعدها درس توضيحي إضافي في “الدول” أو “التنظيمات” التي أدعت وتداعت السبق إلى إحياء دولة “كذا أو كذا” والتي خرب الاقتصاد بها ومزقت المجتمعات والأسر وأشعلت نيران كل الفتن والمآسي التي ظهرت منذ خلق الله آدم، في سنواتنا هاته يصلى لهيبها وسعيرها النساء والعجزة والأطفال والناس كافة، إن كل هرطقات الذين يفتون ويوصون ويغردون ويدعون إلى قتل المخالفين والمعارضين لهواهم هي عند البعض من حرية التعبير، لهذا وجب على من يقف ورائهم أن يتقدم إلى المنتظم الدولي بملتمس لتجديد وتحديث وملائمة الاعلان العالمي لحقوق الإنسان، وأن يتداعى الفقهاء من كل الأديان ليراجعوا مفاهيم وثوابت حقوق الإنسان في الديانات لتتلائم مع أفكار ترى أن الإرهاب حق من حقوق الانسان كفرد أو كجماعة أو كحزب أو كدولة له أن يمارسه ولا إشكال …؟؟

 إن البعض منهم لا يرون حرجا في أن يعتبروا القتل والتفجير من حرية الفعل والإرادة التي تدخل الجنة ، وأصبحوا متشابهين مع بعض الشعوب البدائية والجاهلة التي تعتقد أنها تتقرب إلى إلاهها أو آلهتها بقتل النساء أو الرجال ذبحا أو حراقا أو إطعاما لحيوانات مفترسة، ولا حول ولا قوة الا بالله، إنه لا يمر يوم إلا ونسمع أو نقرأ سخافات موغلة في التخلف ومخالفة للعقل والذوق السليم ومتعارضة مع شرع الله جملة وتفصيلا، إن الذين يتهيؤون لاستحقاقات انتخابية في العديد من بلدان العالم الاسلامي والذين يوظفون الدين لمواجهة منافسيهم بإصدار شبه أحكام تخاطب العامة والبسطاء بأن الديموقراطية متلازمة مع الكفر وبأن العلمانية متعارضة مع الإيمان بالدين، وقولهم أن من صوت على بعض الاحزاب أو الاشخاص تصريحا أو تلميحا فسيدخل النار معها، وفي هذا الأمر خطورة ودعوة تحريضية للذين ينتظرون من يشرعن لهم ممارسة الارهاب بالصيغ المقدور عليها أو الموصى بها، إن من يتطاول على ما يختص الله به وحده من إحياء وإماتة، وما يختص به من معرفة المؤمن من غيره، ومن سيدخل الجنة أو غيرها، قد تجاوز الشيطان في عدم امتثاله لأوامر الله ونافسه في الكيد وإغواء الناس لإغراق الدنيا بأهل جهنم لجهنم.

نخلص إلى القول أن ما نراه في عالمنا المعاصر هو من اللعب بالنار التي تحرق من يلعب ومن يتفرج ومن يصفق وتأتي على الأخضر واليابس، إن الكيس من يتعظ بغيره وبتاريخ الأمم، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ مَا أَتَخَوَّفُ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ قَرَأَ الْقُرْآنَ حَتَّى إِذَا رُئِيَتْ بَهْجَتُهُ عَلَيْهِ ، وَكَانَ رِدْئًا لِلْإِسْلَامِ، غَيَّرَهُ إِلَى مَا شَاءَ اللَّهُ، فَانْسَلَخَ مِنْهُ وَنَبَذَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ ، وَسَعَى عَلَى جَارِهِ بِالسَّيْفِ، وَرَمَاهُ بِالشِّرْكِ)، قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَيُّهُمَا أَوْلَى بِالشِّرْكِ، الْمَرْمِيُّ أَمِ الرَّامِي؟ قَالَ: (بَلِ الرَّامِي)”. وقال: "من قتل مؤمناً فاغتبط بقتله لم يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً".