الصحة حق من حقوق المواطنة، فهي مسؤولية مركزية للسلطات العمومية، وذلك باعتبارها قطاعا منتجا يتعين أخذه بعين الإعتبار عند أي تخطيط للسياسة العامة للبلاد. فقبل سنة 2002 كان الانخراط في التأمين الصحي اختياريا، لكن بالنظر لعدة عوامل، واعتبارا للتحولات التي عرفها المجتمع المغربي وكذا خريطة الأمراض، تم في نونبر 2002 إقرار نظام التغطية الصحية على المستوى التشريعي، وهذا ما وسع قاعدة المستفيدين من هذا النظام، الذي يعود أول نص قانوني منظم له إلى 12 نونبر 1963، ويستفيد من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض مجموعة من الفئات الإجتماعية وذوي حقوقها. ويضمن هذا النظام العديد من الخدمات الطبية، وإن كان قد أقصى بعض الخدمات من إطار ضمانه. وقد عرف القطاع التعاضدي منذئذ عدة تطورات كان لبعضها الأثر الإيجابي في تفعيل مقتضيات الظهير، مثلما كانت له سلبيات لاسيما على مستوى عدم إعمال آليات رقابية حقيقية وفعالة( ضعف المساءلة الإدارية والمالية)، مما أفسح المجال لعدة ممارسات غير مشروعة وفاسدة من بينها تغييب الممارسة الديمقراطية، ونهب أموال طائلة، حيث اغتنى الكثيرون على حساب أمراض المنخرطين، علاوة على ممارسات زبونية وتفشي المحسوبية واستعمال التعاضديات للإثراء اللامشروع ولتغييب الممارسة الديمقراطية. بل تحولت التعاضديات طيلة سنوات، في غياب المساءلة والمراقبة الإدارية والمالية، إلى صناديق سوداء لشراء الذمم وخدمة أغراض مشبوهة على حساب المنخرطين، مما ساهم في نشر ما يمكن تسميته "قيم الريع التعاضديوثقافته"، وخلود العديد من الأشخاص على رأس الأجهزة المسيرة لمختلف التعاضديات لعقود من الزمن. وقد وصلت العديد من ملفات الفساد التعاضدي إلى ردهات المحاكم، التي للأسف لم تنصف إلى غاية اليوم ضحايا نهب أموال المنخرطين ومغتالي الديمقراطية.
أمام اتساع الخروق والتجاوزات كان لابد من تغيير القانون المنظم للتعاضد، واعتماد إجراءات المساءلة والمراقبة الإدارية والمالية المنصوص عليها في النصوص المعمول بها وتقويتها، وإقرار الفصل بين المهن تطبيقا للمادة 44 من مدونة التأمين الإجباري على المرض، وإجبارية إخضاع حسابات التعاضديات لافتحاص سنوي خارجي علاوة على وضع تدابير ومقتضيات تتعلق بالعقوبات في حالة مخالفة القوانين والأنظمة الجاري بها العمل وتكون متلائمة مع نوعية وخطورة المخالفات، وتوسيع رقابة المجلس الأعلى للحسابات لتشمل التعاضديات التي تتلقى مالا عام من خزينة البلاد عبر الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتمعي (الكنوبس). وهذا ما جاء به مشروع القانون رقم 12-109 بمثابة مدونة التعاضد، الذي يتضمن عدة مقتضيات إيجابية لا يمكن أن ينكرها إلا جاحد. (صادق مجلس المستشارين يوم الثلاثاء 7 يوليوز 2015، على مشروع مدونة التعاضد، بعد أن ظل حبيس دواليبه منذ نونبر 2014،....وأحيل هذا المشروع منذ بداية الدورة النيابية الثانية التي انطلقت في أبريل 2016 على لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب والتي صادقت عليها يوم 27 يوليوز 2016، ليصادق عليه لاحقا في جلسة عامة).
وعليه فإن صدور نص جديد يشكل إنجازا هاما بعد تقادم النص القديم الذي يعود إلى أكثر من 50 سنة خلت، كما لا يمكن لأي عاقل ومتبصر بعيد النظر أن يعتبر كل مقتضيات المشروع سلبية.
من ضمن المقتضيات الهامة للقانون رقم 109.12 بمثابة مدونة التعاضد:
- ألزم نص مشروع القانون، في المادة 89، التعاضديات بالتقيد بقواعد محاسبية خاصة في مسك محاسبتها، إلى جانب وضع ”محاسبة منفصلة لعمليات كل صندوق مستقل وكل وحدة اجتماعية تدبرها التعاضدية”؛
- نصت المادة 94 على أن التعاضديات تخضع لمراقبة الدولة، وتمارس هذه المراقبة على الوثائق التي يفرض هذا القانون الإدلاء بها، وكذا على الوثائق التي تطلبها الإدارة، على أساس أن تمارس هذه الرقابة بعين المكان؛
- شددت المادة 98، على أن المراقبة تمارس بعين المكان من طرف موظفين محلفين منتدبين، ويمكنهم افتحاص جميع العمليات التي تقوم بها التعاضديات...
لذا ينبغي التعامل بتجرد ونزاهة مع النص الجديد لمدونة التعاضد لأن فيه العديد من الإيجابيات، وإذا كانت لبعض الفرقاء المعنيين ملاحظات أو مؤاخذات على بعض النقط والمقتضيات فإنه من المستحب أن يقدم الفرقاء اقتراحات من شأنها الدفع بالمشروع إلى الأمام خدمة للمنخرطين ولتكريس دولة القانون والمؤسسات والالتزام بمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.
وأختم بالقول كفى كذبا على المنخرطين والتغطية على المفسدين الذين لا يجمع بينهم سوى التعطش للمزيد من الريع التعاضدي، ونهب أموال المنخرطين المرضى والمعاقين والأيتام والأرامل...