الاثنين 16 سبتمبر 2024
كتاب الرأي

عبد الله الفرياضي: هل يسعى بنكيران للإنقلاب على الملك؟

عبد الله الفرياضي: هل يسعى بنكيران للإنقلاب على الملك؟

في منظوري الشخصي، يمكن القول أن الأسلوب الذي تصاغ به الخطب الملكية عادة، في شقها المتعلق بالشأن الداخلي للبلاد أو التدافع السياسي بين الفرقاء الحزبيين على الأقل، يكون أسلوبا مرنا ينطوي على توجيهات وإرشادات تستوجبها المرجعية الدستورية التي أقرت الاختصاص التحكيمي لجلالته قصد تخليق الممارسة السياسية وتقويم الأخطاء التي قد يسقط فيها أحد أو بعض هؤلاء الفرقاء السياسيين.

بيد أن غالبية المحللين أو حتى المواطنين العاديين الذين تابعوا الخطاب الملكي الأخير بمناسبة الذكرى السابعة عشرة لعيد العرش، أكدوا على قوة الشق المتعلق بالتدافع الحزبي في الخطاب وكثافة حمولته الإيحائية وحتى الإشارات السياسية التي يستبطنها.

حسنا، هذا كله تحليل منطقي ومطابق للواقع. لكن هلا حاولنا التساؤل عن العلل أو العوامل والأسباب التي أرغمت جلالته - على غير عادته - على معالجة موضوع على هذه الدرجة من الخطورة وبهذا الأسلوب من التقريع والاستنكار والتوبيخ؟

محاولة منا للإجابة عن هذا السؤال، يتوجب علينا العودة إلى نص الخطاب الملكي السامي لنقرأ فقرة قال فيها جلالته بالحرف والكلمة ما يلي: "ما يبعث على الاستغراب، أن البعض يقوم بممارسات تتنافى مع مبادئ وأخلاقيات العمل السياسي، ويطلق تصريحات ومفاهيم تسيء لسمعة الوطن، وتمس بحرمة ومصداقية المؤسسات، في محاولة لكسب أصوات وتعاطف الناخبين".

كلام الملك هنا واضح لا لبس فيه ولا يحتمل تعدد التأويلات، إنه توبيخ وتقريع صريحين للأمين العام لحزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، الذي لا يتوانى في تسفيه الممارسة السياسية في البلاد والتشكيك في مصداقية المؤسسات الدستورية بما فيها المؤسسة الملكية نفسها. غير أن السؤال الذي ينطرح أمامنا بقوة -والحالة هاته- هو: ألم يكن بوسع الملك أن يتصل هاتفيا أو يستدعي بنكيران إلى مكتبه قصد توبيخه بشكل فردي ومباشر؟ بلى، لقد كان ذلك ممكنا. فلماذا إذن اختار جلالته أن يوبخه في خطاب موجه للشعب وأمام أنظار ومسامع الشعب؟

إن اختيار الملك لحظة خطاب العرش لتوبيخ بنكيران وأتباعه الذين تمادوا في الإساءة إلى المؤسسات الدستورية يمكن قراءته في ضوء ما يلي:

- أولا: اختيار خطاب موجه إلى الشعب يحتمل قراءة ممكنة وراجحة في نظري، ألا وهي أن الملك ليس معنيا لوحده بما يقوم به بنكيران من "ممارسات لا أخلاقية" حسب تعببر جلالته، بل الشعب هو المعني الأول والأخير. وذلك اعتبارا لكون بنكيران وصحبه وأتباعه كانوا يعمدون على دفع الشعب نفسه إلى اليأس وكراهية بقية الفرقاء الحزبيين عبر شيطنتهم، علاوة على مساعيهم الحثيثة من أجل تشويه الملك والمؤسسة الملكية في عبون المغاربة عبر تقديم الملك على أنه "حام للفاسدين" أو أنه لا يملك أية سلطة وما إلى ذلك مما يمكن استخلاصه بوضوح في مختلف خرجات بنكيران الخطابية أو الإعلامية.

- ثانيا: اختيار ذكرى عيد العرش ليس أمرا اعتباطيا أو عفويا، بل يحمل رسالة قوية مفادها أن الملك يستمد شرعيته في الحكم أساسا من ولاء الشعب له لا من ولاء حزب أو جماعة. وهب رسالة يمكن قراءتها كما يلي: الممارسات اللاأخلاقية التي يقوم بها بنكيران وأتباعه في تشويه المسار الديمقراطي للبلاد وتسفيه مؤسساته الدستورية أمام الشعب، لا يستبعد أن تكون وراءها رغبة خبيثة من هذا الحزب في تأليب الرأي العام ضد المؤسسة الملكية ونظام الحكم. خصوصا وأن بنكيران وأتباعه يعمدون بشكل مستمر ومستفز إلى الطعن في نزاهة الملك ومصداقية المؤسسة الملكية، عبر اتهام مبطن له بحماية مستشاريه الذين يتهمونهم بالفساد والانحلال وما إلى ذلك من أقبح النعوت. والدلائل في هذا الإطار لا تعوز أي باحث مبتدئ. لعل أبرزها الحملة الخبيثة التي تشنها كتائب "البي جي دي" ضد المستشار الملكي فؤاد عالي الهمة، الذي سبق لبنكيران أن وصفه بالمراهق السياسي، بل وصل به الأمر درجة التصريح لمجلة مغربية أنه لا يكن له حبا كبيرا. وإذا فمنا بتجميع هذه المعطيات بعضها ببعض يمكننا أن نركب الصورة التالية: (بنكيران يتوجه للشعب المغربي ليقول له أن الملك الذي يدين له بالولاء، ملك يصر على أن يحيط به مستشارين مراهقين وفاسدين وأن هذا الملك يحميهم وأنا لا أحبهم)...

الرسالة إذن وصلت وبلغت، بل إن الذي بلغ هو السيل وقد بلغ الزبى. فالإسلاميون، مهووسون دوما بالسلطة والحكم (الحكم لوحدهم وليس بشراكة مع غيرهم)، ومهما حاولوا أن يوهموا الحكام بأنهم يؤمنون بالديمقراطية فإنهم حتما كاذبون.. الديمقراطية بالنسبة إليهم مجرد آلية مرحلية لتثبيت دعائم الانقلاب على السلطة المدنية من أجل إحلال سلطة ثيوقراطية ديكتاتورية محلها. فالدستور الحقيقي لبنكيران وأتباعه ليس هو دستور فاتح يوليوز أو أي دستور تعاقدي قد يصوت عليه المغاربة مستقبلا، بل إن الدستور الأسمى لديهم هو ذلك التراث السياسي الذي ورثوه عن أبي الأعلى المودودي وسيد قطب وحسن البنا. ولنا في التجربة التركية اليوم خير دليل.

وحتى لا نوغل في الكلام النظري، أعتقد أنه بات علينا لزاما أن نصرح بالحقيقة - كما نتصورها - فنقول: إن بنكيران وحزبه يشكلون خطرا على النظام الملكي الذي ارتضاه الشعب المغربي لنفسه لقرون عديدة. وقد بات استئصال هذا الخطر أمرا حتميا اليوم وقبل أي وقت مضى. لأن جميع المحاولات المبذولة إلى حد الآن للتعايش معه قد أبانت عن فشلها.