الخميس 18 إبريل 2024
سياسة

لماذا يتشبث حزب العدالة والتنمية بالدفاع عن بوعشرين ضد الضحايا؟

لماذا يتشبث حزب العدالة والتنمية بالدفاع عن بوعشرين ضد الضحايا؟ من اليسار: توفيق بوعشرين، عبد العالي حامي الدين، امكراز، الإدريسي

غالبا ما كان حزب العدالة والتنمية يشن حروبا «أخلاقية»، ويقدم نفسه للمواطنين، دون سائر الأحزاب الأخرى، بأنه حزب «أخلاقي» و"إسلامي"، ويرفع في حملاته الانتخابية المصاحف كانه ذاهب إلى «الجهاد». في مجموعة من المواقف كان «الأصوليون» يلبسون قناع «الورع» و"التقوى"، ويتضايقون حتى من ظل «صاية» أو سروال «جينز» يستر «عورة» أنثى. ولعل حادثة أمينة خباب، مصورة القناة الثانية، حين انتفض عبد الإله بنكيران وهاج في وجهها وأمرها بأن تغادر قبة البرلمان بسبب سروال «الجينز» الضيق الذي أيقظ فحولته آنذاك، أو معركة «صاية» فتاتي إنزكَان التي خاضها البيجيدون برباطة جأش، ودوافع أخلاقية وإيديولوجية متزمتة، ونقلوا هذه المعركة إلى مجلس الأمة.

وقائع كثيرة «اصطاد» فيها الأصوليون ضحاياهم من «المغبونين» و"المخدوعين" من أبناء الشعب باسم هذه الحرب المقدسة على الحريات الشخصية، وطابو الجنس، بمعايير أخلاقية ومحاربة الفساد والدفاع عن القيم. كانوا يلبسون رداء الطهرانية من أجل خلق منسوب عال من «المؤثرات» الأخلاقية، لتسلق المناصب واحتلال الكراسي والترقي في السلم الاجتماعي.

لكن سرعان ما انقشعت هذه السحابة، مع «تسرّب» الفضائح الجنسية التي سقطت فيها أسماء وازنة تمثل «الفيترينة» السياسية للحزب (الوزيران لحبيب الشوباني وسمية بنخلدون)، أو الدعوية (عمر بنحماد وفاطمة النجار، القياديان البارزان بحركة التوحيد والإصلاح)، أو الإعلامية (الصحافي توفيق بوعشرين).

قضية توفيق بوعشرين ربما ستكون هي القضية الأبرز التي حولت كل المعارك والحروب الأخلاقية التي خاضها الأصوليون إلى مجرد سراب. تشبث حزب البيجيدي بالدفاع باستماتة عن توفيق بوعشرين المتهم بالتحرش الجنسي والاغتصاب والاتجار في البشر، وانتداب «فيلق» من المحامين للدفاع عنه ضد ضحاياه، هو موقف «متناقض» و"ملتبس"، ويتناقض مع القيم والشعارات التي يتبناها حزب العدالة والتنمية الذي اختار أن يحشر أنفه في قضية أخلاقية «ثقيلة»، ويورط نفسه في ملف «أسود» مشابه لملف عبد العالي حامي الدين، المتهم في جريمة قتل الطالب محمد بنعيسى أيت الجيد، مع اختلاف سيناريوهات «الجريمتين»، لكن قاسمهما المشترك هو بشاعة الفعل الجرمي شبهة الاتهام.

إذا كانت الأحزاب الأخرى بعضها اختار أن يلتزم الصمت ويلعب دور المتفرج وانتظار الحكم النهائي للمحكمة، وبعضها الآخر قرر أن يخرج عن حياده ويتبنى قضية ضحايا توفيق بوعشرين من منطلق حقوقي وإنساني والانحياز إلى المشتكيات، فإن حزب العدالة والتنمية ربما شكل الاستثناء وهو يحاول أن يبرر دفاعه عن توفيق بوعشرين بتسييس قضيته، ومن ثمة اختيار الانتصاب ضد المشتكيات وضد المحكمة وضد تهم التحرش الجنسي والاغتصاب، عبر التشكيك في استقلالية السلطة القضائية والبحث عن صكوك الغفران للمتهم الذي طالما خاض حروبا بالوكالة دفاعا عن سياسة بنكيران. وهو موقف أثار تساؤلات في صفوف الوسط الاعلامي والسياسي بشأن بواعث الحزب الأغلبي الذي يقود الحكومة، وأحد وزرائه كان يحمل حقيبة العدل في حكومة بنكيران، ويحمل في حكومة العثماني حقيبة حقوق الإنسان. إنه موقف يُلبس قضية توفيق بوعشرين لباسا سياسيا، ويضحي بـ «العفة» التي كان الحزب يدعيها، و«الطهرانية» التي يصبغ بها خطابه الإيديولوجي الغارق في التطرف، إلا إذا كانت مكانة بوعشرين توازي مكانة عبد العالي حامي الدين داخل دواليب الحزب، إلى درجة أن يتحدى بنكيران العدالة بمقولته الشهيرة «لن نسلمكم أخانا عبد العالي حامي الدين». سقطت فجأة كل أوراق التوت التي تغطي عورة قياديي البيجيدي بعد أن تسربت «ماسورة» الفضائح الجنسية، ومازالت تواصل السيلان.

في فضائح أخلاقية مماثلة هزت الرأي العام، كان البيجيدي، وحفاظا على سمعة الحزب، يختار التضحية بقيادييه والتبرؤ منهم مثل موقفه الصريح من فضيحة كوبل البحر «بنحماد والنجار» بعدم التصعيد والتشكيك في «الرواية القضائية»، أو الضغط القوي الذي مارسه بنكيران على كوبل «العشق الممنوع» الشوباني وينخلدون لتقديم استقالتهما من منصبيهما الوزاري. وهذا ما يطرح أكثر من علامة استفهام كبرى في تعاطيه مع قضية توفيق بوعشرين، والخروج الغريب لعبد العالي حامي الدين (نائب رئيس المجلس الوطني للحزب) على مواقع التواصل الاجتماعي، وإعلان تضامنه اللامشروط مع بوعشرين، دون الأخذ بعين الاعتبار لحيثيات القضية وحساسية التهم الخطيرة التي يتابع بسببها، والخسائر التي سيجنيها الحزب من وراء هذه الخطوة المتسرعة. لأن حامي الدين لا يمثل نفسه في هذا الملف، بل يعبر عن الوعي الجماعي لحزب العدالة والتنمية الذي فضل اللعب بأوراق مكشوفة، وكفى الله المؤمنين شر القتال.

ماذا يحدث؟ وما الذي جرى لحزب الأصوليين حتى ينقلب مليون درجة مئوية على مبادئه وقيمه؟ إلا إذا كان توفيق بوعشرين يمثل رقما صعبا في التسويق لـ «البروباغندا» الأصولية، وحليفا استراتيجيا سيتضرر الحزب بفقدانه، وذراعا إعلامية بترها سيضعف البيجيدي.. هذا الاصطفاف في معسكر المتهم بوعشرين بلا قيد أو شرط يفكك شفرات هذا الحزب الذي كان يستقوي بمدافعه الإعلامية التي كان يرشق بها خصومه، ويؤكد أنه حزب «حربائي» و"متلون" يمكن أن يتحالف حتى مع الشيطان حفاظا على مصالحه، وقد تنهار كل القيم والمبادئ، ويتفسخ خطاب التهليل والتطبيل والتخوين، وينصرون القاتل على القتيل، والمغتصب على الضحية المغتصَبة. باختصار، كل المشاهد السابقة لتصدر مدير نشر «أخبار اليوم» الصفوف الأمامية في أهم المنعطفات الكبرى في تاريخ الحزب خلال العشرية الأخيرة، أصبحت اليوم مشاهد مرئية، خاصة أن بوعشرين كان ينفي عنه صفة الناطق الرسمي بمصالح البيجيديين في جريدته، والمدافع عنهم في مطباتهم. ولكن حان الوقت للبرّ بالإحسان والاعتراف بالجميل، لكن ليس إلى درجة أن يغامر الحزب باسمه، ويواجه الرأي العام بصدر مكشوف وبلا قناع هذه المرة، كأنه يقول في سره بأسلوب التحدي والعناد «لن نسلمكم أخانا توفيق بوعشرين»... لو كان يقتنع حزب البيجيدي بقرينة براءة بوعشرين لاستطاع أن يجهر بمقولة بنكيران الفاضحة المسوغة لجرائم القتل والتحرش والاغتصاب "لن نسلمكم أخانا توفيق بوعشرين"!!

(تفاصيل أوفى عن ملف هذا الغلاف تقرؤونها في العدد الحالي من أسبوعية "الوطن الآن")