الخميس 18 إبريل 2024
في الصميم

أستاذ بنكيران: رجاء مازالت في عنقكم بيعة!

أستاذ بنكيران: رجاء مازالت في عنقكم بيعة!

النقاش الملتهب اليوم حول «التربية الدينية»، وما يصاحبه من تدخل تكفيري من طرف كتائب الحزب الحاكم في حق المخالفين، وخرجة رئيس الحكومة الداعمة لمصطلح «التربية الإسلامية» في هذا النقاش/التدافع، والمتوجة لجهاد هذه الكتائب المقدس، على طريق الأسلمة الشاملة للمجتمع والدولة في المغرب.
كل هذا يحيلنا على مسلك مماثل له تداعياته ما دام الزمن انتخابيا، ويتعلق الأمر بالهجمة التكفيرية بتحالف الإخوان والوهابيين ضد زعيم حزب معارض لما حدد موقع حزبه في الراهن السياسي المغربي، في مهمة حماية المسلمين من الإسلاميين.
هذه الانزلاقات في مسلك الفعل الأصولي، تفرض علينا الارتقاء بالنقاش العمومي على أرضية حقائق التاريخ المغربي، وهي الحقائق التي تفرض على عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة، أن يكون في جملة طليعة المؤتمنين عليها دستوريا.
لذلك سنقوم ببعض النبش ولو على طريق الإشارة لا الاستقصاء، في النقاش الفكري السابق عن لهيب هذه المرحلة، حول مصطلح «الإسلامي»، والسياق التاريخي لاستعمال هذا المصطلح في مرحلة الاستعمار بالمغرب، ثم الوقوف على البعد المؤسساتي في المسألة الدينية، والذي يحتم على رئيس السلطة التنفيذية الاحترام التام لهذا الجانب.
أولا: سبق للزميل محمد المرابط أن استعرض في أسبوعية «النشرة» في 1 أبريل 1994، «مصطلح الإسلامي، ونهج الوصاية والإقصاء»، حيث نقف بالرجوع إلى تاريخ المغرب على الحمولة القدحية لمصطلح «الإسلامي»، إذ كان يقال لمن قرب عهده بالإسلام من اليهود بـ «إسلامي». وعليه فقد كان «الإسلاميون»، هم المسلمون المغاربة ذوي الأصل اليهودي.
وقد كان لهذا التمييز بين أهل القبلة، انعكاسات سلبية على الحقوق المدنية للإسلاميين، وهو ما سيحمل الفقيه ميارة على تأليف «نصيحة المغترين وكفاية المضطرين، بالتفرقة بين المسلمين، بما لم ينزله رب العالمين، ولا خبربه الصادق الأمين، ولا ثبت عن الخلفاء المهتدين».
بهذه الحفريات التاريخية سيخلص الزميل المرابط إلى المقارنة بين الأمس واليوم بقوله: وهكذا أخضع المسلمون/الأغلبية بالأمس، الإسلاميين/الأقلية، لإجراءات إقصائية بدوافع اقتصادية، تحت غطاء الدين. وهذا عكس ما هو عليه الأمراليوم، حيث الإسلاميون/الأقلية، في سعي حثيث لإخضاع المسلمين/الأغلبية، تحت غطاء الدين وبدوافع سياسية، لنهج يعيث فسادا بثوابت الأمة وطموحاتها في التغيير والبناء الديموقراطي.
ويضيف المرابط في سياق هذه المقارنة: «ويبقى الجامع بين الأمس واليوم هو توظيف الدين واستغلاله لإقصاء الآخر، بمصادرة حقوقه المدنية والسياسية. ويبقى الجامع كذلك بين الأمس واليوم، هو ظهور أصوات ترفض الميز بين أهل القبلة».
هذا بتركيز ما كتبه زميلنا المرابط في نشرة الشبيبة الاتحادية منذ عشرين سنة خلت، ليبلوره زعيم حزب معارض اليوم في خط سياسي،كان بالأحرى أن يبلوره زعيم الحزب الحاكم كعربون للمراجعة الفكرية التي يفرضها منطق المسؤولية العمومية.
ثانيا: كرست الحماية الاستعمارية في المغرب حكومتين؛ واحدة فرنسية وأخرى مغربية تسمى بالمخزن. وفي إطار هذا التمييز ظهر مصطلح التعليم الإسلامي والمدارس الإسلامية. وهذا التعليم تشرف عليه بالتكامل وزارتا العدلية والأحباس.
ونحيل رئيس حكومتنا على كتاب: «البيان المطرب لنظام حكومة المغرب»، الصادر سنة 1935 والمتضمن للنصوص التشريعية المؤسسة لهذا التمييز في ظرف استعماري. فلماذا يصر اليوم على هذا التمييز وقد انتفى الشرط الاستعماري؟
وبالرغم من تبلورهذا الاستعمال الذي أملته ظروف الحماية، وجدنا إلى جانبه تعبير المعهد الديني والتعليم الديني بدون مشاحة في الاصطلاح، لأن التعليم الديني هو نفسه التعليم الإسلامي في إطار التمييز عن تعليم آخر فرضته سلطة الحماية.
لكن بالرغم من هذا التمييز كانت هناك كتب «التهذيب الديني». وبالرغم من تولي وزارتي العدلية والأحباس للتعليم الديني/الاسلامي، فإنه كان للتعليم الديني مجلس إدارة في البلاط، لأنه في النهاية من صلاحيات إمارة المؤمنين.
في عهد الاستقلال ستتدخل عوامل التدافع السياسي حول مطالب دمقرطة الدولة والمجتمع،وعوامل عولمة النزوع الأصولي لأسلمة المجتمع والدولة في كل مكان، لنحت التقاء وظيفي بين الدولة والأصولية من خلال كتب «التربية الإسلامية».
وهذا الالتقاء غير المحسوب استراتيجيا هو غير ذي موضوع من الناحية التربوية ووحدة تماسك النسيج الوطني، بل شكل باكورة مخطط الأسلمة الشاملة لإقامة نظام الخلافة الإسلامية بدل إمارة المؤمنين.
ثالثا: في الراهن المغربي اليوم، فإن أمير المؤمنين هو من أمر بمراجعة مناهج وبرامج التربية الدينية. وسماها هكذا: «التربية الدينية». ولعله أراد بهذه التسمية تنقيح تاريخنا من بعض شوائب الاستعمالات الطارئة بفعل هذا الظرف أو ذاك، ليعيد الأمورإلى سيرتها الأولى حفاظا على المصالح العليا للبلاد.
لذلك لا يحق لرئيس الحكومة ولا لكتائبه الإعلامية والأيديولوجية ممارسة الوصاية على الصلاحيات الدينية الحصرية لأميرالمؤمنين، وهو الركن المؤسساتي في البلاد الواجب احترامه.
بقي فقط أن نذكر رئيس الحكومة بأن الفقهاء قرروا قاعدة: «لا مشاحة في الاصطلاح»، كما قرروا: «استصحاب الحال حجة لنا وعلينا»، لعله يستصحب في روعه مسؤولية مرجعية إمارة المؤمنين.
أستاذ بنكيران، رجاء لا تستنسخ عندنا أخطاء محمد مرسي،إنه في عنقك بيعة!!