الخميس 28 مارس 2024
اقتصاد

الخبير حدفات: ربيع لخليع.. سائق قطار فواجع المغاربة

الخبير حدفات: ربيع لخليع.. سائق قطار فواجع المغاربة الخبير مصطفى حدفات (يسارا) وربيع لخليع المدير العام للمكتب الوطني السكك الحديدية

هي فواجع كثيرة ستترك "سككها" في ذاكرة المغاربة منذ أن تولى الخليع إدارة السكك الحديدية، وفاجعة طنجة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، في ظل استمرار الاستهتار بأرواح المغاربة.. وللتاريخ، تعيد "أنفاس بريس" نشر حوار مطول يعود لشتنبر 2014، مع الخبير مصطفى حدفات، مهندس قناطر وطرق، وذلك على خلفية اصطدام قطارين للسكك الحديدية بزناتة (عمالة المحمدية).. وظلت جريدتا "الوطن الآن"، و"أنفاس بريس"، في كل إصدار تنبهان لضرورة تغيير إدارة السكك الحديدية، واعتماد مقاربة حمائية..

+ وقع اصطدام قطارين بضواحي المحمدية مما أدى إلى مقتل مستخدم وإصابة العشرات. ما الذي أدى، في نظرك، إلى وقوع الكارثة؟

- تحديد أسباب وظروف هذا الحادث المؤلم وتحديد المسؤوليات يبقى من اختصاص القضاء. وأتمنى أن يُفتح تحقيق قضائي، على أساس أن يكون مصاحبا بإنجاز خبرة محايدة مثلما فُتح تحقيق قضائي في حادث انحراف قطار ببريتني (Brétigny)  بفرنسا.

لكن، من خلال ما توصلت إليه من معلومات ومن صور يتبين لي جليا أن غياب صيانة القطارات والبنية التحتية للسكك الحديدية والبنية الفوقية، وربما غياب أنظمة التشوير (signalisation) وأنظمة التحويل والتوجيه الأتوماتيكي للقطارات (aiguillage automatique) قد يكون هو السبب الرئيسي لهذا الحادث المؤلم. وإذا ما فتح تحقيق قضائي ودعيت إلى الإدلاء برأيي وبما أعرف عن موضوع الإهمال المتعمد لصيانة القطارات والبنية التحتية للسكك الحديدية والبنية الفوقية، سأدلي بها بكل إخلاص بإفادتي كمواطن وكمهندس وكخبير.

+ ألف الرأي العام في المدة الأخيرة تأخر القطارات أو احتراقها وما شاكل ذلك، ألهذه الدرجة فقد المكتب الوطني للسكك الحديدية السيطرة على الوضع؟

- إن تأخر القطارات واحتراقها وتكرار الحوادث ناتج أساسا على عدة قرارات خطيرة اتخذها السيد كريم غلاب بصفته كمدير عام سابق للمكتب الوطني للسكك الحديدية وكوزير التجهيز والنقل. لقد اتخذ السيد كريم غلاب عدة قرارات خطيرة رغم علمه المسبق بخطورتها وحذرته فور علمي بهذه القرارات من حتمية العواقب الوخيمة لهذه القرارات على ممتلكات المملكة من منشآت وقطارات وبنية تحتية. لكنه تجاهل التحذيرات لأن همه الوحيد هو تلميع صورته الشخصية بتضخيم منجزاته على حساب الحفاظ على هذه الممتلكات. وهذا هو السبب الحقيقي والمباشر لتأخر القطارات، وتدهور حالتها الميكانيكية وتقهقر الخدمات وكثرة الحوادث ومع الأسف أصبح السفر عبر القطار غير آمن.

+ كيف ذلك؟

- لقد اتخذ السيد كريم غلاب متعمدا، وأسطر على هذه الكلمة، عدة قرارات خطيرة رغم معرفته المسبقة بخطورتها. فعلى سبيل المثال اتخذ السيد كريم غلاب:

القرار المتعمد الأول المتعلق بإهمال صيانة البنية التحتية من سكك حديدية وطرق وطرق سيارة وموانئ وكذلك القطارات والمنشآت. لقد قام بتحويل جزء كبير من ميزانيات الصيانة التي تُخصص للحفاظ على هذه البنيات التحتية والقطارات والمنشآت إلى ميزانيات إنجاز المشاريع. وذلك لكون الصيانة لا تحتسب ضمن المنجزات. لكن إنجاز مشاريع جديدة تضخم حجم الإنجازات وبذلك يتمكن من تلميع صورته الانتخابية على حساب الحفاظ على البنية التحتية للمملكة ومنشآتها.

فعلى سبيل المثال، ما بين 2008 و2011 وقعت عدة انهيارات للقناطر وعدة انهيارات للطرق وانجرافات للتربة سببها الأساسي هو إهمال الصيانة. وقد حددت وزارة التجهيز والنقل ميزانية تناهز 300 مليار سنتيم  لإصلاح وإعادة بناء هذه البنية التحتية التي ضاعت لأسباب أنانية محضة. وأسطر على هذا المبلغ الضخم الذي نحن في أمس الحاجة إليه.

إني مضطر لإعادة كلمة التعمد في أخذ هذا القرار الخطير وذلك لكوني راسلت السيد كريم غلاب لأنبهه إلى خطورة قراره وحتمية العواقب الحتمية، ثم لا تنسى بأنه مهندس القناطر والطرق وتقلد منصب مدير البرمجة (برمجة المشاريع والميزانيات) ومنصب مدير الطرق. وأخبرك بأن السيد محمد القباج، عندما كان وزير الأشغال العمومية خلال السنوات الصعبة، لم يفرط أبدا في ميزانية الصيانة رغم تلك السنوات العجاف التي عرفها المغرب.

واتخذ السيد كريم غلاب القرار الثاني المتعلق باقتناء قطارات ذات طابقين. وقد خصصت لهذه القطارات التي لا تشتغل إلا ما بين الدار البيضاء وفاس ميزانية ضخمة وتم بالإضافة إلى تهميش صيانة البنية التحتية والقطارات، تم تهميش تطوير وتجديد السكة الحديدية والقطارات بالنسبة لباقي الشبكة إلى درجة أن المكتب اضطر إلى شراء قطارات مستعملة. هذا بالإضافة إلى كون هذا النوع من القطارات ذات طابقين لا يصلح للمسافات الكبيرة. وللتذكير فقط كُتبت على هذا المشروع عدة اختلالات ومخالفات. كما أن إحدى القاطرات تم صبغها بالمغرب واستعمل "السنطوفير".

واتخذ السيد كريم غلاب القرار الثالث المتعلق بهدم وإعادة بناء أو إعادة تهيئ عدة محطات للقطار كلفت ميزانيات  جد مرتفعة على حساب البنية التحتية واقتناء قطارات حديثة وتطوير التشوير والتوجيه الأتوماتيكي للقطارات. فلا يعقل أن نحول محطات القطار إلى أسواق تجارية بكلفة باهظة، لكن عندما نصل إلى القطار نجد حالته جد مزرية ومكيف الهواء لا يشتغل ناهيك عن الخدمات الرديئة والتأخر.

فعلى سبيل المثال، فقد تم هدم  محطة القطار بمدينة فاس بالكامل، رغم أن عمر البناية لا يتجاوز عشر سنوات.

إن القرارين الثاني والثالث تسببا في خنق ميزانية المكتب الوطني للسكك وتضخم ديونه ولم يعد المكتب قادرا لا على إصلاح ما دمره قرار إهمال الصيانة ولا على تحديث وتطوير شبكة السكة الحديدية واقتناء قطارات حديثة علما أن جميع مشاريع المكتب عرفت تأخر كبير جدا. ونفس الشيء عرفته عدة مؤسسات عمومية مثل شركة الطرق السيارة والوكالة الوطنية للموانئ والمكتب الوطني للمطارات الخ.

واتخذ السيد كريم غلاب القرار الرابع المتعلق بتفضيل المقاولات الأجنبية على حساب المقاولات المغربية. فعلى سبيل المثال، فقد أسندت إلى مقاولة برتغالية صفقتين. الأولى تتعلق بإعادة بناء محطة القطار الدار البيضاء الميناء والتي أعطى جلالة الملك محمد السادس انطلاقة أشغالها في شهر أبريل 2008 على أن تنتهي الأشغال في شهر شتنبر 2010. وإلى غاية أكتوبر 2010 لم تنجز هذه المقاولة إلا حفرة غمرتها المياه وقع على إثر ذلك انجراف جزء كبير من شارع سيدي عبد الرحمان. وأذكركم أنه بعد مرور ست سنوات لم ينتهي المشروع بعد.

والصفقة الثانية تتعلق بتثليث الطريق السيار الدار البيضاء - الرباط والذي عرف تأخرا كبيرا. وانتظرت الوزارة أكثر من ثلاثين شهرا لتعلن عن فسخ الصفقتين. ناهيك على كون هذا الفسخ تسبب في رفع كلفة المشاريع بما يناهز 50 بالمائة. وهذا النوع من الضياع أصبح عادي بوزارة التجهيز والنقل. فعلى سبيل المثال، فقد نشرت الصحف أخبارا عن مقاولة أسندت إليها مقطع من الطريق المداري المتوسطي ورغم أنها لم توف بتعهداتها المنصوص عليه بدفتر التحملات، حكم لها، عن طريق تحكيم دولي عوض اللجوء إلى المحاكم المغربية كما هو منصوص عليه بالعقود، ب 18 مليار سنتيم.

والقرار الخامس يتعلق بتقليص مدة الانجاز دون الأخذ بعين الاعتبار للمدة التقنية لإنجاز المشاريع الطرقية التي بدون احترامها تقع انجرافات للتربة. وهذا القرار المتعمد نتج عنه عدة انجرافات للتربة لعدة طرق وطرق السيار حديثة الإنجاز. هذا القرار ساهم بدوره في رفع الميزانية التي خصصت لإعادة بناء ما هدمه إهمال الصيانة.

وهناك قرارات خطيرة أخرى اتخذها السيد كريم غلاب تتعلق بقطاعات أخرى. فمنها ما نشر في أسبوعيتكم وصحف أخرى. ومنها ما سنرجع لها لاحقا إذا أردت.

+ تزامنت هذه الأحداث مع انخراط المغرب في بناء "التيجيفي"، هل هناك ضمانات لكي لا يعرف القطار فائق السرعة نفس المصير؟

- أولا أنا لست ضد "التيجيفي". بل إني مع كل ما يمكن ربحه بكلفة مدروسة. بل إني من الذين يطالبون باكتتاب وطني لبناء الطرق السيارة وبناء نفق تيشكا لربط جميع جهات المملكة، شريطة أن يستعمل هذا الاكتتاب بحكامة جيدة. وقد سبق لي أن قدمت مساهمتي في ملف نُشر بصحيفتكم  حاولت فيها رسم شبكة طرق سيارة لربط الجهات الكبرى للمغرب. إن التيجيفي كما رسمت سكته (طريقه)، من المحتمل أن يحتفظ بجزء كبير من الشبكة السككية الموجودة ما بين القنيطرة والدار البيضاء (مع تثليثها) والاحتفاظ أيضا بنفس محطات القطار، وهذا خطأ كبير. لأن التيجيفي لا يمكن له أن يستعمل كتيجيفي وبسرعته الفائقة في هذه المقاطع. إنه سيستعمل كقطار عادي يمشي بسرعة منخفضة.  كما أذكرك بأنه كان من المنتظر أن يمر القطار في هذه السنة (بدون احتساب التأخرات المتكررة) من نفس النقطة التي وقعت فيها الحادثة. أترك لك أن تتصور حجم الكارثة.

كل هذه الأمثلة أسردها لأقول بأن الطريق الحالي للسكة ما بين القنيطرة والدار البيضاء (من ناحية الرسم والتصميم) لا يمكنه استقبال التيجيفي إلا كقطار عادي. كان على المسؤولين بوزارة التجهيز والنقل وبالمكتب الوطني للسكك الحديدية أن يسلكوا مسارا جديدا وبناء محطات جديدة قابلة على استقبال التيجيفي.

+ مرت أربع سنوات تقريبا على انتخاب هذه الحكومة، ولحد الساعة لم نلمس وثبة في إحداث الطرق السيارة أو الطرق السريعة أو السكك الحديدية أو الأنفاق بجبال الأطلس الكبير، لماذا فشلت حكومة بنكيران في تنزيل وعودها علما أن حزب بنكيران تمسك بقوة بوزارة التجهيز أثناء مفاوضات تشكيل الحكومة؟

- أنا لا أدافع عن الحكومة ولا عن حصيلتها. فهي كفيلة بالدفاع عن إنجازاتها إذا كانت هناك إنجازات. لكن، أظن أن هناك أخطاء كثيرة ارتكبت. فمنها ما هو سياسي. ومنها ما هو تقني. ومنها ما هو محاسباتي.

فقد ترك السيد كريم غلاب صناديق الدولة وصناديق عدة مؤسسات عمومية فارغة. بل لقد أثقل ديونها. فبسبب ما سماه "Open Sky" اضطرت الدولة إلى تخصيص دعم مادي يناهز 200 مليار سنتيم للخطوط الملكية المغربية. وترك للدولة قناطر وطرق منهارة وانجرافات التربة تتطلب من الدولة تخصيص 300 مليار سنتيم. واللائحة طويلة جدا.

وهذا العجز المالي ساهم في تضخيمه وزراء أخرون ومؤسسات عمومية أخرى. لكن عوض أن تتوقف الحكومة لحظة وتنجز تشخيصا للوضعية وتقييم المشاريع، وخصوصا تدقيق الحسابات تطبيقا لمقتضيات الدستور الذي ينص على "الحكامة الجيدة" وعلى "ربط المسؤولية بالمحاسبة" من جهة، وتنفيذا للوعود الانتخابية المتعلقة بمحاربة الفساد من جهة أخرى، نجد أن الحكومة ركبت القطار دون معرفة اتجاهه ولا حتى مآله...

وقبل الإعلان عن تكوين هذه الحكومة (في نسختها الأولى) توصل السيد بنكيران بتقرير أظنه مفصل وكامل عن وضعية قطاع التجهيز والنقل. وعلى سبيل المثال، فقد صرح لي أحد المسؤولين السياسيين في حزب العدالة والتنمية أنهم سألوا السيد كريم غلاب عن سبب اتخاذ قرار إهمال صيانة البنية التحتية والقطارات وتحويل الميزانية المخصصة لذلك إلى مشاريع جديدة فأجابهم، حسب هذا المسؤول، أن وزارة المالية هي التي قلصت ميزانية الصيانة. وهذا غير صحيح.

ثم إن السيد عبد الإله بنكيران، أثناء حملته الانتخابية أقفل الباب على مكون رئيسي للخريطة السياسية المغربية. فلم يجد إلا حزب الاستقلال ليتحالف معه، ويرفع السيد كريم غلاب على كرسي رئاسة البرلمان ويقبله قبلته الشهيرة. وأظن أن هذا التحالف كانت وراءه اتفاقيات خفية. فباستثناء وزير الصحة الذي كانت له الجرأة في ربط المسؤولية بالمحاسبة، نجد أن الوزراء الأخرين لم يحذو حذوه. مع العلم بأن السيد كريم غلاب قام بتحزيب عدد كبير من أطر الوزارة. لذلك بقيت دار لقمان على حالها لكن بصناديق الدولة والمؤسسات العمومية فارغة ومثقلة بالديون. وفي نفس السياق سئل أحد المسؤولين الكبار عن تنصيب بعض الأشخاص في مناصب عليا رغم ما كتب عليهم. فأجاب إنه رغم الاختلالات "إنهم كيخدموا مزيان" ضاربا عرض الحائط مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة التي نص عليه الدستور وهو أسمى قانون.