الاثنين 25 نوفمبر 2024
منبر أنفاس

عزيز لعويـسـي: قراءة في عقد التدريب المفضي إلى توظيف الأساذة بموجب عقد

عزيز لعويـسـي: قراءة في عقد التدريب المفضي إلى توظيف الأساذة بموجب عقد ذ. عزيز لعويـسـي

خلافا للدفعتين السابقتين من الأساتذة بموجب عقود الذي أدمجوا مباشرة في الحياة المهنية - بموجب عقد شغل مبرم مع الأكاديميات المعنية- تحت ضغط التخفيف من حدة الاكتضاض التي عانته مجموعة من المؤسسات التعليمية ، واعتبارا لردود الأفعال والمواقف التي أثيرت حول عملية الزج بمدرسين ومدرسات في الأقسام دون إخضاعهم إلى تكوينات نظرية وتداريب ميدانية كفيلة بعدم المساس بجودة التعلمات ، فقد تم تدارك الأمر من خلال الحرص على إخضاع -الناجحين نهائيا في مباراة 2018- إلى تداريب تكوينية بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكويــــن لتأهيلهم نظريا وتطبيقيا لتحمل مهام التدريس خلال الموسم الدراسي القادم ، وسيتم تأطير هذه التداريب التكوينية من الناحية القانونية بموجب "عقود تدريب" - مبرمة بين الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين من جهة ، والمتدربين من جهة ثانية - تفضي إلى "التوظيــف بموجب عقود" ، وفق توجه يكرس "فصل التكوين عن التوظيف" ،وعليه واستقراء لعقد التدريب الذي وضعته "الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين " رهن إشارة الناجحين بشكل نهائي في "مباراة توظيف الأساتذة بموجب عقـــود، المنظمة بتاريخ 13 ينايـر 2018 ، يمكن قراءة مقتضيات هذا العقــد على النحـو التالــي : 

-أولا : المرجعيات القانونية لعقد التدريب .                           

 يلاحظ أن "عقد التدريب" استهل - شأنه في ذلك شأن عقد التوظيف – استهل بالإحالة على المرجعيات القانونية التي تؤطر و تنظم عمليتي التدريب أو التوظيف بموجب عقود بقطاع التعليم ، ويتعلق الأمر بالقانون رقم 07.00 (القاضي بإحداث الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.00.203 الصادر في 15 من صفر1421 (19 ماي 2000) كما وقع تغييره وتتميمه  ) ، والمرسوم رقم 2.00.1016  (الصادر في 7 ربيع الآخر 1422(29 يونيو 2001) القاضي بتطبيق القانون رقم 07.00 ) ، والقرار المشترك لوزير التربية الوطنية والتكوين المهني و وزير الاقتصاد والمالية رقم 7259 بتاريخ 7 أكتوبر 2016 (المتعلق بوضعية الأساتذة المتعاقدين مع الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين ) ، فضلا عن الإحالة على نتائج مباراة التوظيف بموجب عقد المنظمة من طرف الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين للدارالبيضاء سطات (بتاريخ 13 يناير 2018).

-ثانيا :  الحقوق والواجبات .

لا بد من الإشارة أولا أن العقد سيؤطر مدة التداريب التكوينية التي سيخضع لها المتدربون ، وبالتالي فهو لا يعد "عقد توظيف" (البند 1) و مدة سريانه تمتد طيلة مدة هذه التداريب التكوينية بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين (البند 2) والتي لن تقل عن ستة (6) أشهـــر متواصلة بالمركز، تتوج بتسلـــــم المتدرب (ة) لشهادة اعتراف بعد التصديـــق على مجزوءات التداريب والتكوينات (البند 3) ، بعد أن يكون قد اكتســب المهارات والكفايات الأساسية من خلال التكوين النظري والممارسة الميدانية ، حتى يكون قادرا على ممارسة مهنة التدريس (البند4)

-الحقوق :

يخول عقد التدريب للمتدرب(ة) عدة حقوق ،أولهــا الحق في الاستفادة من -بناء على لائحة الحضور الموقعة من طرف مدير المركز الجهوي لمهن التربية و التكوين- من "تعويض شهري" قدره "ألف وأربعمائة"(1400) درهما طيلة مدة التدريب والتكوين (البند5)، و التمتع داخل المركز بالحــق في الوقاية ضد كل أشكال العنف والتمييز مهما كان مصدرها (البند6) ، والاستفادة من الرصيد الوثائقي التي تضمنه خزانة المركز (البند7) وكذا الاستفادة من نظام الرخــــص الجاري به العمل بالنسبة للمتدربين (البند8) .

-الواجبات :

بموجب عقد التدريب ، يتعين على المتدرب(ة) الخضوع لمقتضيات النظام الداخلي للمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين (البند9) والتعهد بالمحافظة على مرافق المركز وتجهيزاته وحسن استعمالها وحمايتها من الإتــــــلاف تحت طائلة التعرض لعملية فسخ العقد (البند 10) وإجبارية الحضور في مختلف حصص التكوينات والتداريب والأنشطة ، وعدم قبول أي تأخر إلا بإذن من الإدارة (البند 11) والامتناع عن القيام داخل المركز بأي أعمال تكتسي طابعا سياسيا أو ايديولوجيا (البند12) ، مما من شأنه أن يحد من أية إمكانية للاحتجاج أو مقاطعة التداريب التكوينية ...إلخ ، فضلا عن العناية بالهنــــــدام ، مع وجوب ارتداء وزرة بيضاء داخل المركز وأثنـــــاء التداريب الميدانية ، ماعدا المتدربين في تخصص التربية البدنية والرياضية (البند13)

-ثالثا : أحكام عامــة :

عقد التدريب ينتهي عمليا بانتهاء فترة التدريب التكويني والتصديق على مجزوءات التداريب التكوينية والحصول على "شهادة الاعتراف" بذلك، حينها يتوصل المتدرب(ة) بنموذج من "عقد التوظيف" قصد توقيعه والمصادقة عليه وإرجاعه إلى الأكاديمية (البند14)، مما يفيد أن النجاح النهائي في مباراة الأساتذة بموجب عقود المنظمة من قبل الأكاديميات ، لا يعني البتة التوظيف بموجب عقد ، بل يتيح فقط إبرام "عقد التدريب" الذي يمكن أن يفضي إلى إبرام "عقد التوظيف" ، وهذا الانتقال التعاقدي، يبقى رهينا بالخضوع إلى التداريب التكوينية واستيفاء المجزوءات بنجاح ،بما في ذلك الانفــــــلات من مخالب "فسخ عقد التدريب" في حالة الإخلال بإحدى الالتزامات المضمنة به ، وهذا يعكس إرادة واضحة للمشرع في  "فصل التكوين عن التوظيف" .

مقابل ذلك، فقد أعطى العقد للأكاديمية ممثلة في شخص المدير(ة) صلاحية "فسخ" هذه العلاقة التعاقدية دون إخطار أو إشعــار المتدرب في عدد من الحالات (البند15)من قبيل عدم التحاق المتدرب(ة) بالمركز خلال خمسة (5) أيام ابتداء من تاريخ انطلاق التدريب التكويني ، وعند القيام بتصرفات ماسة بالأخلاق العامة أو بالسلامة الجسدية أو النفسية  تجاه زملائه أو تجاه الأطر الإداريـــــــــــــة العاملة بالمركز ، أو التغيب بدون إذن مبرر بوثيقة رسميـــة لأكثر من خمسة (5) أيام أو عشرة(10) أنصاف يوم خلال مدة التدريب ، أو إذا لم يخضـــــع للاختبارات النظرية والتطبيقية ، أمـــا في حالة "الانقطـــــاع الكلي" عن التدريب التكويني ، فإن المتدرب (ة)يبقى ملزمـــا بإرجــاع "مبالغ التعويضات" التي استفاد منها خلال فتــــرة التدريب (البند16) ، مــع الإشارة إلى أن عقد التدريب يصبح ساري المفعول وملزما للطرفين المتعاقدين (الأكاديمية + المتدرب(ة)) بعد عملية التوقيع (البند17)، وبالتالي فالمتدرب(ة) يجب عليه أن يحرص تمام الحرص طيلة مدة التدريب التكويني على الواجبات المفروضة عليه تجنبا لفسخ العقد والحرمان من إبرام "عقد التوظيف" .

تأسيسا على ما سبق ، خلاصة القول أن "عقد التدريب" ما هو إلا صيغة قانونية تؤطر العلاقة التعاقدية بين "الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين" و" المتدربين" على امتداد فترة التدريب التكويني بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين ، وهو عقد سيفضي ويؤسس لعلاقة شغلية مستقبلية غير متوازنـــــــــة بين الأكاديميات -كطرف مشغل- والأساتذة المتعاقدين -كطرف مشغل- ، أثارت ولازالت تثير الكثيـــر من الجدل في ظل بنود مجحفة تصد باب المطالبة بالإدماج المباشر في أســلاك الوظيفــــــة العموميــــة وتمنح صلاحيات واسعة للطرف المشغل (مدراء الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين) في فسخ العقد وإنهائـــــــــه ،مما يقوي الإحســاس الجماعي بانعدام الاستقرار لكل الأساتذة الموظفين بموجب عقود، بشكل قد يدفع إلى التضامن والتكثل دفاعا عن المطالب المشتركة التي من شأنها أن تحقق لهم "الاستقرار" بكل مستوياته ، وهذه الوضعية سترخي بضلالها على المدرسة العمومية التي تعيش " زمن الإصلاح" المثير للجدل ، في ظل رؤية فاقدة للبوصلة يعتريها الكثير من اللبس والإبهام ، لذلك لا يمكن توقع نجاحات أو نتائج ، دون الالتفات إلى المدرس(ة) الذي يعد حجرة الزاوية في أي مشروع إصلاحي ابتداء، ودون الحسم في أي "نموذج تعليمي" نرتضيه لمنظومة لم تبارح حدود "الإصلاح" و"إصلاح الإصلاح"  انتهاء .
عزيز لعويـسـي،أستاذ التاريخ والجغرافيا بالسلك الثانوي التأهيلي، باحث في القانون وقضايا التربية والتكوين.