الخميس 28 مارس 2024
مجتمع

د. أبو حفص: الدولة نفضت يدها كليا من دعم القطاع الصحي حتى يصير تجاريا

د. أبو حفص: الدولة نفضت يدها كليا من دعم القطاع الصحي حتى يصير تجاريا الدكتور محمد أبو حفص، رئيس النقابة الوطنية لأطباء العمل في القطاع الخاص

قال محمد أبو حفص، رئيس النقابة الوطنية لأطباء العمل في القطاع الخاص، بأن مرد واقع الوضع الصحي المغربي المرهق يعود أساسا إلى رغبة الدولة في التخلي التدريجي عن المجالات الإجتماعية. لذلك وجب الإحتجاج على مدبري الشأن العام لا الخواص الذين يعتبرون أيضا ضحايا تلك السياسة الممنهجة، بحسبه. وأضاف بأن ليس ذلك هو المشكل الوحيد الذي يعانيه رجال الميدان، وإنما كذلك التصدعات المفتعلة بينهم. الأمر الذي خلق أجواء مشحونة ساهمت بدورها في تأجيل إيجاد الحلول الناجعة لتجاوز المعيقات.

 

+ بعد أن أُتخم المواطن بالتعاليق والتعاليق المضادة حول سياسة المغرب الصحية، بأي تبسيط يمكن أن توضح حقيقة الواقع؟

-- بشكل عام، هناك رغبة للدولة في إفراغ القطاع العام والتخلي عن الوزارات الإجتماعية من قبيل التعليم والصحة في أفق التقليص من حجم الفاتورات الموجهة لها. وبالتالي الإنتهاء إلى طبقة تحيا في أمن وأمان وفئات تغرق تحت وطأة الفقر والحاجة. كما أنه وعوض أن تشدد الدولة الخناق جمركيا على البضائع التي نحن في غنى عنها، تسهل عملية مرورها على حساب المعيش اليومي للمواطنين. وعليه، فكل مشتكي يفترض علمه بأن المنظومة مختلة من ألفها إلى يائها. والدولة نفضت يدها كليا من دعم الصحة لتكون قطاعا اجتماعيا لا اقتصاديا أو تجاريا. ولذلك نجد بأن أي صاحب مصحة مثلا حين يود استيراد آلة من الآلات يصدم برسوم جمركية عالية، والتضييق نفسه يواجهه حين يقدم على طلب قرض بنكي نتيجة نسب الفائدة الصارخة. الأمر الذي يلقي به في ضائقة مالية لا يكون التخفيف من حدتها إلا عن طريق ما يفرضه على المرضى من واجبات.

+ إذن من حق هذا المواطن الإحتجاج على ما يكتوى به من أسعار حارقة؟

-- أكيد، إنما ليس على صاحب المصحة، بل على مدبري الخدمة في القطاع العام، المأجورون سلفا، وعلى الدولة التي من مهامها الإستثمار في المجال العمومي مثل ما هو جاري به العمل في القطاع الحر وأفضل، حتى يصبح اللجوء إلى الأخير شأنا اختياريا، ومن غير وجود "سماسرية" أمام المستشفيات لاستمالة المرضى إلى مصحات خاصة بدعوى طول مدة مواعيد أطباء "السبيطار". والواجب أيضا التنديد بمنع البروفيسورات من العمل خارج أسوار المستشفيات وفق ظهير 1958 وحسب قانون مدونة الشغل 67-99، بمبرر اتفاقية انتهت صلاحيتها منذ سنة 2001، عقب أن وجدت لظرف استثنائي بخصوص حل أزمة الأجور الزهيدة التي كان يتقاضاها الأطباء.

+ ربما دكتور أنت أكثر الناس اقتناعا بأن التشخيص الدقيق هو نصف العلاج، ومجرد إطلالة بالعين المجردة على الجسد الطبي يتبين ما يعانيه من تورمات في علاقة أعضائه ببعضها. فكيف تقربنا من تلك التشنجات؟

صراحة، يحز في نفسي التذكير بالحملة الشرسة التي يشنها أطباء وزارة التشغيل ضدنا. وهم للإشارة مفتشين للشغل، أي أن وظيفتهم الأساسية لا تخرج عن مراقبة مدى توافق الخدمات الإستشفائية للعمل مع قانون الشغل، ومنها ضرورة التزام الشركات والمؤسسات التي يتعدى عدد عمالها الـ50 شخصا بالمواصفات المدرجة ضمن النصوص القانونية، كعدم تجاوز 200 من الأفراد على رقعة 16 متر مربع، وتوافر طبيب وممرض للشغل حائزين على دبلوم معترف به، مع آليات وتجهيزات متطورة للمصلحة. لكن المؤسف في المقابل، هو أن هؤلاء يتركون مهامهم تلك للتعدي على حقوق زملائهم في الشركات. وذلك بمحاولة تشويه صورتهم لدى المدراء من أجل الحلول محل مناصبهم.

+ وبماذا تردون أنتم كإطار نقابي؟

-- بطبيعة الحال لم نقف مكتوفي الأيدي، وبادرنا إلى تقديم العديد من الشكايات. إنما لا شيء من ذلك الواقع تغير، وتظل الفوضى ذاتها سيدة الموقف. بل الأكثر من ذلك، هناك رقم لا يستهان به من أطباء الشغل العاملين لدى الوزارة عبارة عن موظفين أشباح، كما أسميهم. بحيث يتخلون باستمرار عن أداء واجبهم الأصلي لغرض التفرغ إلى الإشتغال في أماكن أخرى، ومنهم من يستغل علاقته بمندوب الصحة لمباركة ذلك السلوك الشنيع. علما أنهم لا يسمحون في أجرة آخر الشهر التي يتسلمونها "باطل" فضلا عن الإستفادة من امتيازات "لاميتييل" ونسبة 100 في الـ100 من التغطية الصحية بعد أن أضيفت لهم نسبة 20 في المائة إلى 80 في المائة السابقة. أما نحن فينطبق علينا مثل "كَزار ومعشي باللفت". ولولا علاقتنا الطيبة مع بعض الزملاء الذين يتنازلون عن مستحقاهم في معالجتنا لكان الوضع أكثر كارثية، ولو أننا لا نعفى، في كل الأحوال، من أداء واجبات المبيت ومقابل المستلزمات العلاجية.

+ في خضم هذه الصدامات بالبيت الداخلي دائما، ما الذي يجري تحديدا بخصوص مشروع قانون الصحة والسلامة المهنية؟

-- هذا من السيناريوهات التراجيدية كذلك، وتكمن تفاصيله في أن القانون 99-65 الذي يعود لأيام عبد الرحمن اليوسفي حين كان وزيرا أولا، انصب فقط على الشركات الصناعية دون الإدارات العمومية. الأمر الذي استنكرناه مرارا وخاصة مع حادث حريق "روزامور" بالمنطقة الصناعية لـ"ليساسفة" في الدار البيضاء. إذ كان السبب في أن نودي علينا لنقاش الموضوع. وهي الفرصة التي أكدنا من خلالها على أن هناك ممارسة لـ "عنصرية" لا تغتفر جراء إقصاء عمال الإدارة العمومية برغم ما يواجهونه من أخطار مهنية ومن غير حماية صحية، وبالتالي من العار "نعملو الفرزيات" بين العمال، البعض يحظى بحقوقه القانونية والآخر مقذوف في براثن الإهمال والتهميش. ولتجاوز هذا الوضع أتى المشروع المتحدث عنه. لكن ومع ذلك أبى المعرقلون إلا أن يضعوا العصا في العجلة، بحيث ومن منطلق أن الفئة الطاغية على المكتب الوطني لهيئة الأطباء هي من شريحة أطباء الشغل العام، فإنها تجاهد لسباق الزمن من أجل إدخال تطبيق 13-131 قبل أن يخرج هذا القانون إلى حيز الوجود، نظرا لكونه سيفتح لهم الباب أمام الإشتغال عندنا 20 ساعة في الشهر، وهم الذين لا يعملون حتى في مواقعهم الأصلية.