الجمعة 29 مارس 2024
مجتمع

د. شهبي: احنا مستعدين مايخلصناش المريض والدولة اللي مسؤولة هي تْكلّْفْ

د. شهبي: احنا مستعدين مايخلصناش المريض والدولة اللي مسؤولة هي تْكلّْفْ الدكتور محمد شهبي، أخصائي في طب وجراحة العيون وتصحيح النظر
تأسف الدكتور محمد شهبي، أخصائي في طب وجراحة العيون وتصحيح النظر، لخرجات مسؤولين لا يفقهون شيئا في المنظومة الصحية، وفق تعبيره. مقرا بأن استهداف شريحة الأطباء لأجل تقزيم حجمهم في عيون المواطنين أمر مقصود ومبيت بالأدلة والبراهين. هذا قبل أن يستدل بالأرقام، في حوار مع جريدة "أنفاس بريس"، على مدى هول الاقتطاعات التي تفرض في حق أصحاب المصحات كمبرر ملموس على افتقاد ما يتهمون به لأي مصداقية أو منطق.

+ كما لا يخفى عليك طبعا، طلعت في الآونة الأخيرة تصريحات من مواقع حكومية ومؤسساتية رسمية  تضعكم كأطباء في قفص الاتهام حيال ما يعيشه القطاع من أزمات. كيف تجيب؟

-- أجيب بأن أخطر ما يمكن أن يسلَّط على مجتمع ما هو الإبتلاء بمسؤولين كبار يجهلون منظومته الصحية، ولا يعرفون ما يجري في باقي الدول. ومن ثمة، الإسهام في إسقاط المواطنين ضحايا خبطات حناجرهم التي اختارت أن يكون الأطباء هدف قصفها ظلما وعدوانا. ولهذا أقول بأنه إذا كانت خيرة هذا البلد "مامزياناش وما شي وطنيين" في نظرهم، ومن لم يتلقوا تكوينا دراسيا "مامزيانينش وماشي وطنيين"، فمن "المزيان الوطني" إذن؟ هل الحكومة؟ نريد فقط أن نعرف.

+ هل يفهم من تساؤلك هذا أن الموضوع مغلف بنية مبيتة في نفوس مثيريه؟

-- لا شك في ذلك، وكل المعطيات تؤكد على أن هناك استهداف مدروس يحاكى ضدنا. والدليل هو أن ليس وزارة الداخلية وحدها من افتعلت ما يروج، وإنما أيضا مديرية الضرائب التي هاجمت الأطباء ومعهم المحامون بتهم التهرب من أداء واجباتهم الضريبية. الأمر الذي يوضح كون الموضوع لا يتعلق بشيء أكثر من تعلقه بالرغبة في التشهير. ولو كان العكس لبوشرت مساطر المراقبة في إطارها القانوني ضد المخالفين في صمت، وكفى المومنين شر القتال. هذا مع الإشارة، ولو للإعتبار، بأنني شخصيا أؤدي قيمة ضريبية تفوق ما تدفعه شركات عالمية كبرى بحجة الأرقام والوثائق.

+ وماذا عن الذين ترجموا ما قيل عنكم إلى مجرد الرغبة في خدمة الصالح العام؟

-- وهذا أيضا من أفظع ما يمكن استخلاصه، من منطلق انجراف الناس وراء تلك الترهات التي لها سوابق مع وزير الصحة المقال الحسين الوردي، حين جيَّش الرأي العام ووسائل الإعلام وكل ما بدا له خادما لادعاء قانون 13-131 على أساس كونه "عصا موسى" التي ستخرج محن المواطنين إلى بر الأمان. وبالتالي، التسويق لملف الإستثمار عبر دغدغة عواطف البسطاء وساكني القرى النائية كفئات من حقها التداوي. لكن، ومع تمرير القانون، هل بدا هناك تحسن؟ وهل لمس ذلك المريض المقهور قيمة مضافة؟ أبدا.. كان فقط ضحك على الذقون لبلوغ أهداف ملغومة. بيد أننا طالما حذرنا ونبهنا بالتشديد على أن المشكل الحقيقي ليس فيما يلمحون إليه، إنما لم نكن نقابل سوى بتهم عدم رغبتنا في المنافسة.

+ لكن هناك من يؤاخذ على الطب الخاص ارتفاع تكلفته التي لا تساير المستوى المعيشي لمعظم المغاربة؟

أعتقد بأنه من الواجب وقبل إصدار أي حكم الإستناد على إثباتات موضوعية وذات مصداقية. وأعطي مثال بمجال تخصصي. فلما أود مجرد فحص عين المريض أكون ملزما باستخدام 3 أجهزة يساوي مجموع قيمتها المالية مبلغ مليون درهم، منها نسبة 20 في المائة تخص الضريبة على القيمة المضافة، و2,5 في المائة لإدارة الجمارك. وكل هذا بمقابل 200 درهم. بمعنى يلزم فحص 5000 زبون لأعادل ما يتطلبه تشخيص الداء. وحتى تلك الـ200 درهم لا نحصلها كاملة، بل تقتص منها الضرائب كذلك نسبة 38 في المائة التي تقول لك الدولة وبطريقة غير مباشرة "اعطيني أنا حقي وخوذ انت من المريض". هذا دون ذكر ما يلي ذلك من أجور الموظفين وواجبات الماء والكهرباء ومستحقات صندوق الضمان الإجتماعي... فهذا ما أريد أن يفهمه المغاربة، ويعرفوا أيضا بأن من يحرضهم على الإساءة لنا بالأباطيل هو أول من تجب مساءلته، لأن الذي يشير لغيره بأصبع "تاشفارت" هو غالبا اللص بغية إبعاد الشبهة عليه. والأكثر من ذلك، نحن مستعدون ومن اللحظة لعدم التعامل مع المريض بالنقود "تخلص عليه الدولة اللي مسؤولة، وما يكونش حتى قطاع خاص وآخر عام ما دمنا بحال بحال. ويكون كلشي بمستوى القطاع الحر". وأزيد من الأخير، إن أرادوا مثلا إجراء عملية إزالة "الجلالة" بسعر 3000 درهم بدل 6000 درهم "يحيدو لينا الضريبة". مع العلم أنه فقط "الميكروسكوب" تبلغ قيمته 100 مليون سنتيم وآلة إزالة "الجلالة" 80 مليون سنتيم، ومن تلك الـ6000 درهم يقتطع مقابل المستلزمات والعدسة.

+ وما الحل في نظرك لَما المريض ومعالجه على نفس المستوى من الشكوى؟

-- المَخرج في علاج المنظومة برمتها، لأن ما نعيشه حاليا نتيجة طبيعية لعشوائية تسيير الشؤون العامة ووليد شرعي لعدم عقلنتها. وكل ما يُعمل هو فقط محاولة تعليق جميع الإخفاقات على شماعة الطبيب، وتحميله ما لا طاقة له به كبديل للتملص من المسؤوليات. يجب كذلك توفير الظروف الملائمة للأطباء من أجل انعكاس ذلك على المرضى. مع الإعتراف بفضل من اختاروا القطاع الخاص في تخفيف حمل ثقيل من الأعباء على الدولة، بدء بإعفائها من تشغليهم ووصولا إلى مساهمتهم في توظيف شريحة مهمة من العاطلين ودون أدنى تحفيزات.

+ على ذكر التحفيزات، كيف ترى تفعيلها والآلاف من المناصب تعاني الخصاص؟

-- الأمر يعود لمن تقلدوا مهام التخطيط، وهم من عليهم أمر تحقيق هذا المبتغى. لذلك لم يخصص راتب للطبيب، وإنما واجب أتعاب حتى يتقاضى ما يعادل مجهوده. وهذا الدافع للإشارة يخلق مع الإنسان بشكل فطري، والخالق الذي أوجد البشر منحنا تحفيزات للجزاء كـ"حسنة بعشر أمثالها". أما بشأن الخصاص، فيجب العلم أولا بأنه إذا كنا في حاجة لـ7000 طبيب و 9000 ممرض، فإن عدد هؤلاء هو نفسه الذي هاجر خارج أرض الوطن هربا من المزايدات والوضع الموبوء. والأكثر إيلاما هو ممارسات التحايل على تغليط ما يجري واقعا. بحيث في الوقت الذي تؤكد فيه المعايير الدولية على أن يخصص ما بين طبيبين و 3  أطباء لكل 1000 مواطن، نتوفر نحن على نصف طبيب لكل 1000 من الساكنة إلى درجة لا يستطيع معها المسؤولون ذكر الرقم كما يجب، ويتحاشونه بقول 5 أطباء لكل 10000 مغربي. لهذا يبدو لي بأنهم كمن يجري وراء ملء كرسي الإحتياط وهو لا يتوفر على العدد الكاف لعناصر الفريق الرسميين. ولأن الحالة لا تتضح صورتها إلا بالمقارنة مع ضدها أسوق نموذجا من فرنسا التي تبلغ ساكنتها ضعف ساكنة المغرب. إذ وكما نتوفر نحن على 1200 طبيب عيون تتوفر تلك الدولة على 5500 طبيب أي ما يقارب 5 أضعاف ما عندنا، ومع ذلك تقر بالخصاص وتستقطب أطباء من رومانيا.

+ لنعود إلى المغرب حيث السؤال عن مدى إمكانية تأثير هذه الضجة على علاقة المريض بالطبيب؟

-- لن أخفيك قلقي على تلك العلاقة التي ظهر بعض التشويش على صفائها، واستمرار السعي لإفقادها عامل الثقة مع أنه الأساس في أي مسار علاجي كيفما كان جنسه. وكل الخوف أن لا يتم التعجيل بوقف تلك القلاقل المصرة على إفشال الطاقات المغربية وتقزيم حجمها، بل ونعتها بأوصاف الإهانة بعد أن كابدت الأمرين إلى أن بلغت تلك المستويات العلمية، وقاست العطالة بعد تخرجها في انتظار صرف الميزانية، وقبلت الإشتغال بين ظروف أقل ما توصف به هو الرداءة والإزدراء. فهناك أسر ضحت بأموالها ودكاترة داسوا على متعة زهرة شبابهم لأجل الدراسة، وحرموا من أجواء عائلاتهم حبا في المهنة، حتى أن منهم "ما عرفش إمتى كبرو ولادو". وبعد كل هذا "ما كيسمعو حتى كلمة زوينة". وصدقني لو أجريت دراسة نفسية على أطباء المغرب لأتت النتائج بما لا يتصور من تبعات التذمر والإنهيار.