الخميس 25 إبريل 2024
كتاب الرأي

الحسن زهور:  القدس التاريخ المشترك بين الفلسطينيين و الاسرائيليين

الحسن زهور:  القدس التاريخ المشترك بين الفلسطينيين و الاسرائيليين الحسن زهور

قرار الرئيس الأمريكي "المتهور"  ترامب في إعلانه القدس عاصمة  لإسرائيل، قرار يفتقد إلى الحكمة والنضج السياسي الذي تحلى بها الرؤساء الأمريكيون السابقون.

القراءة الواقعية لقرار ترامب تؤكد أنه قرار اتخذ في ظروف سياسية تعيشها حاليا منطقة الشرق الأوسط لفرض تصور وواقع سياسي بالقوة الناعمة المرتكزة على القوة الأمريكية المهيمنة على العالم، وهذا أمر طبيعي شأنه شأن الإمبراطوريات العظمى التي فرضت هيمنتها في التاريخ كالإمبراطوريات الرومانية والأموية والعباسية... والتي فرضت واقعا بالقوة يدخل الآن ضمن الشرعية التاريخية .

لكن أن يتجاوز الرئيس ترامب القرارات الدولية، ومنها قرار مجلس الامن 242 الداعي إلى احترام حدود الدول بالشرق الأوسط ويوحي إلى الدولتين: الفلسطينية والإسرائيلية، فذلك يشرع لقانون القوة المنفلت من ضوابط الشرعية الدولية مع ما ينتج عنه من مخاطر يشرعن للقوة اسوة بما قامت به روسيا في ضمها لجزيرة القرم الأوكرانية.

شرعنة القوة الناعمة كما فعل ترامب في تغيير ما هو ممكن أن يؤدي إلى سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين لن يساعد إلا في تقوية قوى التطرف في الجانبين لإسالة المزيد من الدماء وتأجيج الصراع وإدامته. فالقدس، قبل أن تكون فلسطينية بحكم التاريخ والواقع أو إسرائيلية بحكم التاريخ والواقع كذلك، هي إرث إنساني وأرض الديانات السماوية، وتتطلب تسوية عادلة عبر تطبيق الشرعية الدولية في إقامة دولتين فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية ودولة إسرائيلية وعاصمتها القدس الغربية، وتبقى الأماكن المقدسة للديانات الثلاث منطقة مفتوحة للجميع تحت السيادة الشرفية للدولة الفلسطينية أو مشتركة بين السيادتين الفلسطينية والإسرائيلية. منطق الشرعية الدولية هذا هو ما يريد الرئيس ترامب تخريبه لصالح الطرف الإسرائيلي، ولن يفيد هذا إسرائيل كدولة محتلة للضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية التي هي جغرافية الدولة الفلسطينية، حسب قرارات الشرعية الدولية، ولن يفيدها كذلك في محاولاتها الانتماء إلى منطقة الشرق الأوسط ما دامت لم تلتزم بهذه الشرعية.

بقي أن نشير إلى أن الفلسطينيين يعيدون إنتاج ظروف انكساراتهم ومآسيهم لعدم استغلالهم للظروف السياسية المتاحة لهم. فلا التهييج ولا الخطب النارية ولا الشعارات العاطفية التي ابتليت به ساحاتنا منذ قيام دولة إسرائيل إلى اليوم لم تزد قضيتهم إلا تدهورا وهزائم وانقسامات. فمنذ التقسيم الذي أقرته الأمم المتحدة عام 48 إلى مبادرات الزعيم التونسي الراحل بورقيبة في نهاية الخمسينات والملك الراحل الحسن الثاني في الستينات لقبول التقسيم والامتثال للشرعية الدولية  آنذاك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه (والتي لم يقبلها الفلسطينيون ووراءهم القادة المهيمنون آنذاك) بقيت الشعارات هي نفسها والخطب الحماسية هي نفسها، وبقي التهييج الشعاراتي والعاطفي للشارع من أجل فلسطين وسيلة لكسب مواقع سياسية في الداخل (واليوم يكرر التاريخ نفسه)، فلو قبل الفلسطينيون في تلك المحطات التاريخية منطق التاريخ باستغلال تلك الفرص المتاحة لهم لما وصلوا إلى ما وصلوا إليه اليوم من ضياع وتشرد وتقاتل على السلطة  بإمارتين في رام الله وغزة.