الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

تسليت أونزار: تهميش الجنوب الشرقي.. سياسة أم واقع حال؟

تسليت أونزار: تهميش الجنوب الشرقي.. سياسة أم واقع حال؟

ليست كذبة أبدا تلك المعلومة التي تقول بتوفر خارطة المغرب على مناطق ما يعرف بِـ "المغرب المنسي"، مناطق أدت غاليا فاتورة تَموقعها الجغرافي، و لا تزال. مناطق لا تدري إن كانت ضمن محور المغضوب عليهم، أم أن كانت مقصية بسبب تهميش ممنهج، وحدها الحكومات المتعاقبة على نظامنا تدرك سره.

البنيات التحتية المنعدمة و المؤسسات الخدماتية والصحية، هي عنوان على المعاناة المستدامة للساكنة، على أمل أن يشملها مخطط تنموي ما، يُسهل عليها بعضا من قساوة الطبيعة و البشر.

فاجعة منطقة "أمسيصي" (قرب تنغير)، لربما تكون من أخطر حوادث السير التي عرفها بلدنا مؤخرا، حيث كل ضحاياها من الأطفال التلاميذ: خمسون (50) جريحا منها 48 إصابة خطيرة وحالة وفاة واحدة. وكالعادة، لم تنل هذه الفاجعة حقها من الإعلام و الاهتمام الوطنيين، ولم تستحوذ أرواح الأطفال الأبرياء على تعاطف المقاولات الإعلامية المرئية، المكتوبة أو الإلكترونية.. ففعلا هم من المغرب المنسي، وفي مكان بعيد عن دائرة الإعلام وأيضا بعيد عن مراكز اهتمام الحكومة، فذاك الجنوب الشرقي ومسلسل معاناته لا يزال مستمرا تحت ظل كل الحكومات المتعاقبة على السلطة.

تبدأ القصة حين رغب تلاميذ الثانوية الإعدادية "ابن خلدون"، في العودة إلى منازلهم بدواوير "تزولايت، "بوديب" و"فزو"، كان ذلك يوم الجمعة 11 مارس 2016، والذين كانوا على متن شاحنة نقل معادن، نعم شاحنة، حيث اصطدمت بسيارة ذات دفع رباعي، وصراحة ليس المهم هنا من السبب في الحادث، بقدر ما هو مهم كيف يعقل لـ 53 تلميذا أن تكون وسيلة نقلهم للدراسة هي شاحنة، في غياب نقل مدرسي كما ينبغي أن يكون، يحفظ لهم سلامتهم و كرامتهم!.

صاحب هذه الشاحنة هو متطوع ألِفته ساكنة الدواوير، له حس إنساني، يتكفل بنقل التلاميذ وتجنيبهم قطع الكيلومترات على الأقدام، أو خيار انقطاعهم عن الدراسة.

في هذا اليوم الذي لن أصفه بالمشؤوم، لأن لا أفعال بعض المسؤولين هي المشؤومة،.. في هذا اليوم يتدخل القدر فتقع هذه الحادثة الخطيرة، حيث أسلمت فيها الروح التلميذة "كريمة عدو"، وحيث بُترت يد التلميذ "مصطفى يجو" ذو 15 سنة وهو في الثالثة إعدادي، مع إصابات بين بقية التلاميذ المتراوحة أعمارهم بين 12 و18 سنة، إصابات أغلبها كسور في الأعضاء السفلية والعلوية وعلى مستوى الرأس، الكثير منها استدعى عمليات مستعجلة، منها ما أجري ومنها مازال في حالة انتظار بسبب قلة الإمكانيات أو بسبب إهمال الجهات المعنية وعدم إشرافها ومتابعتها للحالات، علما أن الوضعية المادية لعائلات المصابين لا تخول لهم توفير المصاريف اللازمة.

وكالعادة، لا يمكننا إلا نتقدم بكل الشكر والتشجيع للجنة الدعم التي تشكلت فور الوقوف على حجم هذه الفاجعة، شباب من المنطقة تطوع للسهر على تقديم المساعدات المعنوية، النفسية والمادية للمصابين، شباب بادر للتخفيف ولو جزئيا من مُصاب الضحايا وعائلاتهم، محاولين ملأ الفراغ الذي تركته الجهات المعنية.

48 إصابة جلها خطيرة مع حالة وفاة، هي نتاج لسياسة التهميش التي تنهجها الحكومة في كل المناطق البعيدة عن أعين المركز، حيث لا وجود لشبكة طرقية وحيث التلاميذ لا يتوفرون على مؤسسة تعليمية في محيط دواويرهم، ولا نقل مدرسي يَقيهم خطورة ركوب الشاحنات. تمت العديد من المراسلات في هذا الصدد لرفع العزلة عن المنطقة، لكن لا حياة لأي مسؤول يُنادى عليه.

المضحك المبكي في القصة، أن السلطات تنوي متابعة سائق الشاحنة، إلا أن الأهالي تضامنوا معه بكل وعي عن عدم مسؤوليته المباشرة في هذا الحادث، مطالبين بعدم تحميله المسؤولية، فكل ذنبه أنه قام مقام السلطات، ووفر لأبنائهم وسيلة نقل مجانية ساعدتهم على استكمال دراستهم لسنوات، وهذا فضل يحسب له لا عليه.

حتى متى يستمر تهميش الدولة للمناطق النائية؟ وكم يَلزمنا من حادثة من هذا الحجم حتى تستفيق بعض الضمائر وتقوم بواجبها نحو المواطنين؟ كيف نَعيب على بعض الشعب غياب حس الوطنية عنده وهو لا يعامل كمواطن في بلده وفوق أرضه؟ هل نحن ملزمون باستعارة مقولة الرئيس الأمريكي الراحل ج. ف. كينيدي: "لا تسألوا بلدا عن ما قدم لكم، بل اسألوا أنفسكم ماذا قدمتم لهذا البلد".

هل بلدنا قدم لنا كفاية ما يجعلنا نسقط سؤاله وبالمقابل، نسائل أنفسنا عن ما قدمنا نحن له؟! المواطنون المهمشون الذين لا يستفيدون من عائدات هذه الأرض ولا من أدنى حقوقهم كبشر للعيش بكرامة.. ألا يحق لهم سؤال هذا البلد أين هي ثرواته وخيراته، وأين هي حقوقهم في العيش كمواطنين؟؟ أم ربما البطاقة الوطنية وحدها كفيلة بمنحهم هذه الصفة؟!

صراحة، مقولة "كينيدي" تنطبق على الدول المتقدمة والعظمى، لا على البلدان المتخلفة التي تستحوذ عليها لوبيات اقتصادية وسياسية آخر قضياها الشعب وكرامته. 

ليَحيا الشعب رغم كل الإكراهات وتحية له على كل الصمود.