الاثنين 20 مايو 2024
ملفات الوطن الآن

أزمة السويد تنزع أوراق التوت عن «ديبلوماسية الكافيار» بالمغرب!

 
 
أزمة السويد تنزع أوراق التوت عن «ديبلوماسية الكافيار» بالمغرب!

إذا كان تاريخ السفارات يشكل، نظريا، جزءا من تاريخ الدول وذاكرة حقيقية للتوافقات والصراعات مع العالم، فإن الأمر مختلف جدا في الحالة الدبلوماسية المغربية، ذلك أن توترات الشرعية التي تفجرت حول الحكم، منذ السنوات الأولى للاستقلال، قد جعلت مجال السفارات المغربي، بما يعني ذلك من اختيار السفير وفريقه مجالا محفوظا لا لمؤسسات الدولة المغربية، ولكن تحديدا للملك الحسن الثاني الذي أراده حقلا مغلقا يتولى، هو شخصيا، مهمة الإشراف عليه.

ولأن زمن الحرب الباردة كان يدعم فكرة الدولة المركزية، ولأن المغرب لم يكن له دور فاعل وحاسم في الاستقطابات الدولية الخارجية، فقد اقتصرت مهام السفراء المغاربة على وظائف بروتوكولية صرفة تجعل المرشح لمثل هذه المهام أشبه بمن أنعم الله عليه بنزهة سياحية رفيعة، أو بتقاعد مريح.

ولأن «المال السايب يعلم السرقة» فقد وجدنا سفراء سياحا من الطراز الممتاز يستثمرون وجودهم في الخارج للتجول في العالم، وفي تحصيل المال والامتيازات، وفي تحقيق أعلى قدر من العقارات، وكل أشكال «التبزنيس» الممكنة، غير عابئين بالمصلحة الوطنية وتطورات الملف المغربي، بقدر ما يهمهم شخصيا رضى الملك أولا وأخيرا.

جرى كل ذلك بعيدا عن اهتمامات الرأي العام الوطني الذي كان قد يئس من احتكار الحسن الثاني للحقل الدبلوماسي برمته. خاصة أن الملك كان، بالإضافة إلى هذا الاحتكار، يحتكر أيضا دفة التسيير الحكومي، وذلك إلى الفترة الأخيرة من عمره حين قرر فتح المجال أمام المعارضة لتشاركه العمل التنفيذي.

في نفس الإطار، وفي ظل الصراع المحتد بين الملك والأحزاب السياسية الوطنية، ظل اليسار المغربي منشغلا بتطوير علاقاته الخارجية المحدودة بهدف تطويق النظام وتأجيج العداء ضده، وذلك ضمن سياسة عملية لي الأيدي الدموية أحيانا. وهو ما أدى إلى أن يتشكل في الخارج عقل يساري مهووس بجفاء مطلق تجاه المغرب بسبب الملكية، وتفردها بالسلطة. وهو الأمر الذي ظل مؤثرا في هذا العقل حتى بعد تغير الاعتبارات السياسية المغربية، ودخول بلادنا تجربة الإنصاف والمصالحة، وإشراك اليسار في العمل الحكومي خلال الربع الأخير من تسعينيات القرن الماضي، وتوسيع هامش الانفتاح السياسي وقد تعمقت هذه التغيرات إيجابيا مع توالي الزمن حيث حقق المغرب نقلة ديموقراطية مقارنة مع دول شمال إفريقيا، وعدد من دول المحيط العربي الإسلامي والإفريقي.

ورغم هذا التفرد في البناء الذاتي للشخصية السياسية المغربية ظلت صورة بلادنا مشوبة بكثير من التشويش، لدرجة أن دولا عديدة لا تزال تسجن بلادنا في الصورة التي تشكلت عنا، منذ الحرب الباردة، باعتبارنا دولة «موغلة في الاستبداد والانغلاق»، تماما كما لو أن المغرب هو كوريا الشمالية. مصدر العطب واضح الأبعاد: إنه تكلس الأداء الدبلوماسي المغربي، وهو كذلك عجز بلادنا عن تسويق صورتنا في الخارج، وتحسين شروط تداولها في المنتديات الدولية. وقد تضاعف الخلل مع وجود نخب سياسية مثقلة بالأعطاب بدورها ما دامت تختزل العمل السياسي في الانكباب، برداءة وتشنج، على الوضع الحزبي الخاص بها، في نزوع واضح للتصارع الانتهازي حول الكراسي والمواقع وكل أوهام التسلق السياسي والاجتماعي.

إزاء هذا الوضع نقرأ نازلة السويد اليوم كحصيلة طبيعية لصيغة تدبيرنا لملف السفارات وللملف والدبلوماسي بشكل عام، وكحصيلة لقصور وعي النخب الحزبية والمدنية لحقيقة الصراعات على المستوى الدولي. وإزاء هذا الوضع كذلك تطرح على المغرب مهام جسيمة لاستدراك الزمن الضائع، ومن هذه المهام: - إعادة النظر في تدبير الملف بما يجعل الترشح لمهام السفارة عملا نضاليا وطنيا لا يعني الإقدام على نزهة سياحية، ولكنه يعني الوقوف على جبهة الحرب من أجل إعلاء الكلمة الوطنية.

جعل الملف الدبلوماسي شأنا مجتمعيا وسياسيا عاما لا مسألة حكومية خاصة، وذلك يقتضي إشراك كل الأطياف السياسية الوطنية في تدبير تفاصيل الملف وأبعاده، وربط المسؤولية في هذا المجال بالمحاسبة . وفي هذا الإطار يمكن للعقل المغربي أن يبتكر أساليب غير مسبوقة بالنظر إلى حساسية قضيتنا الوطنية مثل التفكير جديا في تعيين ملحق حزبي (حسب العائلات السياسية) بكل سفارة مغربية، على أساس أن يتم توزيع هؤلاء الدبلوماسيين الحزبيين على الدول بحسب العائلات الفكرية والسياسية الحاكمة في هذه الدول التي قد ينتمي بعضها إلى الأممية الاشتراكية، وبعضها الآخر إلى أممية ليبيرالية أو تكتلات دينية محافظة أو غيرها. (انظر افتتاحية هذا العدد).

إن من شأن مثل هذا الاقتراح أن يعزز الوجود الدبلوماسي المغربي في الخارج، وأن يخلق جسورا للتفاهم مع المحيط الدولي قد تكون لها مردودية إضافية تعزز مردودية الكثير من الأطر التي تمتلئ بها سفاراتنا اليوم. - أما المهمة الأخيرة فتتمثل في وجوب سن مقاربة جديدة لملف الصحراء تقوم، في المنطلق، على تحقيق الإنصاف والمصالحة بمنهجية عقلانية جديدة تقطع مع سلوك الماضي وضغائنه، وتؤسس لسلوك مغاير قائم على الثقة المتبادلة بين كل الأطراف.

إن من الممكن جدا لمثل هذه المنهجية الجديدة أن تغير في المعادلات السياسية الوطنية والدولية، وأن تمنح لملفاتنا في الخارج نفسا مختلفا يعي بأن اللغة الدبلوماسية تقتضي سياسة المصالح أولا وأخيرا، لكنها تقتضي أيضا ممارسة غير تقليدية تقوم على اعتبارات الكفاءة والذكاء السياسي، والحديث إلى عالم اليوم بلغات جديدة.

 

كم يكلفنا فتح السفارة بالخارج؟

يتوفر المغرب على 87 سفارة بالخارج، وعلى 4 بعثات وعلى مكتب اتصال واحد و55 قنصلية. وكل سفارة تكلف سنويا ما مجموعه 600 مليون سنتيم، وهو نفس المبلغ الذي يصرف على تدبير قنصلية واحدة كل عام ايضا، اي أن مجموع تمثيليات المغرب بالخارج تكلف سنويا حوالي 80 مليار سنتيم في أقصى قدير، وهو مبلغ هزيل لايسمن ولايغني من جوع ولايسمح بهامش واسع للتحرك لتسبح العلاقات داخل بلدان الأإقامة، (حفلات، موائد، لقاءات عامة، تمويل عمليات صغرى...

هذا التقشف الذي تتعامل به الدولة مع سفارات المغرب في الخارج يقابله للأسف تبذير في مناحي أخرى بوزارات وجماعات محلية يحصى بالملايير كان من الأولى توجيهه لخلق آلة دبلوماسية عنيفة، علما أن مشروع استثماري تجلبه سفارة مغربية بالخارج يضخ الملايير في خزينة الدولة (الطاقة، الفلاحة، برامح الصحة، الماء، الطرق والسدود..). وحسب تقارير خبراء استأنست «الوطن الآن»، بآرائهم فإن الدبلوماسية المغربية تحتاج إلى أن يرصد لها ما بين 300 و400 مليار سنتيم كل عام.

طبعا، هذا المبلغ لا يستحضر السفراء والقناصلة ذوي النيات السيئة الذين يمدون أياديهم إلى المال العام، بل تمت صياغته من وجوب توفر هاجسين لدى صانعي القرار: الهاجس الأول هو الحرص على اختيار دبلوماسيين أكفاء ولهم خبرة ولهم «كبدة» على البلاد، أما الهاجس الثاني فهو وجود مايسترو حكومي ينسق ويشرف على تدبير الملف الدبلوماسي بما يخدم أطروحة المغرب.

قد يقول قائل إن المغرب ليس دولة بترولية حتى يساير هذا القول، لكن هذا الطرح واه لاعتبارين اثنين: الاعتبار الأول: أن قضية الصحراء، ليست للمساومة المالية، خاصة وأن الملايير كما قلنا تنفق في التفاهات، فمثلا بلدية الدار البيضاء تنفق مليارين في السنة على سيارات المنتخبين ولجانهم، وتنفق مليارا آخر كل عام على كراء محلات معظمها مغلق أو لا حاجة للمواطنين به، أي أن البلدية لوحدها تخسر في التفاهات 3 ملايير سنتيم كل عام، وقس على ذلك باقي الجماعات الكبرى.

أما المكتب الوطني للكهرباء، فينفق سنويا على مقره بالبيضاء 300 مليون سنتيم للإضاءة بالنهار! ونفس المبلغ تنفقه الأبناك على مقراتها (أي في المجموع 2 مليار سنتيم). وإذا عرجنا على وكالة الموانئ ومكاتب الاستثمار الفلاحي وأكاديميات التعليم ومرسى ماروك وباقي المؤسسات العمومية، فإننا سنصل إلى اكتشاف مبلغ 10 ملايير سنتيم أخرى يذهب سنويا هباء منثورا.

بمعنى أن «حساب الشارفات» الذي قدمناه الآن مكن من اكتشاف مبلغ يقارب 15 أو 20 مليار سنتيم يتم «رميها في البحر» كل عام بدل أن توجه إلى ما هو مصيري وجوهري في حياة المغاربة، (أي ملف الصحراء). وبالتالي إذا قام صانعو القرار بضبط المصاريف التافهة فلي اليقين أن المبلغ الذي سيتم توفيره سيتجاوز 200 مليار سنتيم سنويا، ومن العار بل حرام أن ترمى أموال الشعب في «الخوا الخاوي»، بدل تخصيصها لما هو جوهري..

أما الاعتبار الثاني فيتجلى في أن المغرب مازال في حرب، لأن الحرب لم تنته عام 1991 بل تم فقط وقف إطلاق النار، أما الحرب فلم تزد إلا حدة وسعارا. وهذا ما لم ترد النخبة السياسية بالمغرب، أي الحكومات والبرلمانات المتعاقبة، أن تستوعبه، والحرب تتطلب مصاريف ووقودا لتشغيل ماكينة الهجوم والدفاع في نفس الوقت: الهجوم على معاقل الخصوم والدفاع عن المصالح الاستراتيجية للمغرب.

العقل المعطل

رغم أن وزارة الخارجية تتحكم في مصير الشعب المغربي، فإن التجربة أظهرت أنها لا تتوفر على خلايا للتفكير الاستراتيجي تزود صانعي القرار بالتوجهات الواجب استحضارها أو تنبههم إلى مواطن الخلل التي يجب تجنبها. صحيح أن الديوان الملكي يتضمن عقلا يفكر في الأسس الدبلوماسية المغربية، لكن لما تعطى التعليمات لوزارة الخارجية يتم تحويرها وتفرغ من مضمونها لغياب خلية تفكير بالوزارة، وهذا ما يجعل المراقبين يتساءلون لماذا لاتتوفر وزارة الخارجية إلى اليوم على مراكز للتفكير وعلى منابيع للاقتراحات تساعد على اتخاذ القرار الحصيف والرزين؟ هل الذين يعطون التعليمات تكون تابعة من مساهمة فردية أم مساهمة جماعية؟ فالتجربة بينت أن القوة الاقتراحية لاتخرج عن ثلاثي يضم في العادة الكاتب العام للوزراة ورئس الديوان ومدير المديرية المركزية بالوزارة المعنية بالموضوع. وهنا يحق السؤال مجددا هل هذه التركيبة صالحة لإعطاء الاقتراحات، وهل هم مؤهلون بالمنصب أم بالخبرة الميدانية؟

كم لدينا من دبلوماسي؟

رغم أن المغرب له قضية مصيرية، بل وجودية، ألا وهي قضية الصحراء التي مازالت لم تطو بعد في الأمم المتحدة، فإن السلطات العمومية لم تحرص على ترجمة انشغال المغاربة بهذا الملف لتوفير «الجيوش الدبلوماسية» اللازمة لحشد الأنصار وتعبئة المجتمع الدولي لصالح المغرب.

فالدبلوماسيون المغاربة العاملون بمختلف البعثاث والسفارات لا يتجاوز عددهم 1600 فرد، في حين أن العدد الإجمالي العامل في السفارات والقنصلية بالخارج لا يتجاوز 2000 شخص (عدول، بوليس، أعوان، قضاة، تقنيون..) علما أن هذا العدد 1600 دبلوماسي ليس قارا، بل يعرف تناوبا دوريا يطال حوالي 1100 دبلوماسي مغربي (700 بالخارج والباقي بالمصالح المركزية بالرباط)، إذ في كل سنة أو سنتين تقريبا تجري حركة انتقالية لصغار وكبار الديبلوماسيين تشمل بين 300 و200 فرد.

هذا العدد الذي تتوفر عليه الدبلوماسية المغربية هو أضعف مقارنة مع دول أخرى ليست لها نفس الرهانات ونفس المخاطر التي يعرفها المغرب، حيث لم تعمل الحكومة المغربية على توفير سوى دبلوماسي واحد لكل 20 ألف مواطن، مما يعني وجوب مضاعفة العدد الموجود من المواطنين في السلك الدبلومسي المغربي بالخارج.

مصادر «الوطن الآن» كشفت أن المغرب بحاجة إلى 1800 إطار دبلوماسي إضافي بالخارج و600 بمصالح وزارة الخارجية للتبع الملفات وتوثيقها ودراستها ولتخصص فيها.. أي أن الخصاص يقارب 2400 فرد.

طبعا هذا الخصاص يشمل فقط السفارات والقنصليات والبعثاث الموجودة وعددها يقارب 147 وحدة (انظر أعلاه) في حين أن المغرب في حاجة إلى مراجعة الطريقة التي يدير بها علاقاته الدبلوماسية مع مجموعة من الأحواض الجغرافية (خاصة إفريقيا وأمريكا اللاتينية)، حيث يكلف المغرب سفيرا واحدا بثلاث أو خمس دول، وهو ما يؤدي إلى ضعف المردودية وغياب الفعالية. لأن السفير لايمكنه أن يتردد شهريا على كل دولة وينسج علاقات قوية مع نخبها المدنية والأمنية والعسكرية والجامعية والجمعوية والسياسية.

 برلمانيون أم حراكَة؟

لما اندلعت أزمة السويد، اكتشف المغرب أن هناك أذرعا يمكن توظيفها في الحرب الدبلوماسية لحماية مصالح المغاربة في كل ما يهم ملف الصحراء، ونقصد بذلك الذراع البرلماني والحزبي، إذ صدرت «الفتوى» بإرسال برلمانيين وحزبيين يساريين إلى السويد، بالنظر إلى أن الحزب الحاكم في السويد ينتمي لعائلة اليسار.

وإذا كان القرار محمودا، فإن ما أبرزته هذه الأزمة أن المغرب هو البلد الوحيد تقريبا بالعالم الذي لا يوفر حتى الجواز الدبلوماسي لبرلمانييه، بل هو البلد الوحيد تقريبا الذي لم يدخل في مفاوضات مع حكومات الدول لإبرام اتفاقيات ثنائية تعفي البرلمانيين وكبار السياسيين من الفيزا. وهذا الموقف يبرز النظرة التحقيرية للحكومة المغربية للبرلمان وللبرلمانيين، علما أن برلمانات الدول الأخرى تكون هي مصدر التوهج والتقدير.

فالبرلمانيون المغاربة (غرفة أولى وثانية لا يتوفرون سوى على جواز خدمة على عكس زملائهم في برلمانات العالم (أزيد من 80 برلمان) الذين يتوفرون على جواز دبلوماسي. والخطورة تكمن في أن بعض الدول لا تعترف بجواز الخدمة (مثلا السويد)، ما يفرض على البرلماني الحصول على فيزا. وهذه الوضعية (أي احتقار وزارة الخارجية المغربية لبرلمان المغرب) تجعل الدول الأخرى تحتقر البرلمانيين المغاربة، لأن هذه الدول ترى بأم أعينها أن الحكومة المغربية لم تحترم البرلمانيين فأحرى أن تحترمهم الحكومات الأجنبية.

والخطير في الأمر أن «فيزا شينغن» فرضت منذ أزيد من 15 سنة، ومع ذلك لم تعمل الحكومات المغربية المتعاقبة إلى اليوم، على مراجعة الاتفاقيات مع الدول الأوربية بضمان الكرامة لممثلي الأمة المغربية. والأفظع أن مواطني هذه الدول الأوربية العاديين (وليس البرلمانيين) يدخلون للمغرب بدون فيزا حتى، فأحرى جواز خدمة.

بروفيل السفير ما هي وظيفة السفير؟ وهل هي تقنية أم سياسية؟

استأنست «الوطن الآن» برأي بعض الممارسين لتحديد بروفيل السفير الذي تبقى وظيفته تقنية وليس سياسية. فهو (أي السفير)، يساير السياسات في البلد الذي عين فيه ولا يتدخل في هذه السياسات ولا يشتغل في السياسة حتى لا يتهم بأنه يتدخل في شؤون البلد المعني.

وإذا كان السفير مطالبا بمسايرة السياسات بالبلد الذي عين فيه، أي أنه مطالب ببناء صداقات مع مختلف شرائح المجتمع من سياسيين ورجال أعمال ورجال إعلام وفنانين وبرلمانيين وجامعيين وجمعويين، والحرص على نسج شبكة من العلاقات مع الوسط المدني والعسكري والأمني بالبلد الذي يمارس فيه مهامه، وذلك لاستثمارها، (أي العلاقات) لإحداث تفاعل مع المغرب والبلد المعني، فيصبح السفير المغربي هو صلة الوصل بين بلده والبلد الذي يمارس فيه مهامه. فيقترح الاتفاقيات لرفع حجم التعاون الثنائي وجل الاستثمار للمغرب، وتذليل الصعاب الضريبية والمالية والقانونية أمام الجالية المغربية (إن كانت موجودة في بلد التعيين) عبر اقتراح الحلول القانونية والدبلوماسية (تعديل اتفاقيات أو عقد أخرى جديدة إن كان هناك فراغ..) ويوظف الشبكة العلائقية لتعزيز التعاون الفني وتبادل الطلبة والفنانين وينمي واجهة المغرب كقبلة سياحية.

هذا دون أن ننسى الشق التقني العملياتي الخاص بعلاقتهم مع القناصلة (بحكم أن السفير هو الرئيس التسلسلي) لتسهيل إعطاء الفيزات والعمل على نسج علاقات مع الفاعلين في صفوف الجالية المغربية هناك لتوجيههم واستغلال علاقاتهم. بما يفيد الأطروحة المغربية في كل المناحي (سياسية واقتصادية وإشعاعية).

وإذا كان السفير وفيا لهذا البروفيل، فإنه في حال تحرك حزب أو جمعية نافذة ببلد الإقامة للقيام بخطوة ضد المصالح العليا للمغرب يكون السفير على علم بها، لأن له أصدقاء سيسهل عليه الحصول على المعلومة من جهة، وسيتحرك بفاعلية لإبطال مفعول كل تحرك ضد المغرب بالاعتماد على شبكة علاقاته من جهة ثانية، وسيقترح على السلطة المركزية بالمغرب التدابير الواجب اتخاذها لتطويق المشكل في المهد من جهة ثالثة، كما سيسهل عليه التواصل مع «أعداء» المغرب ببلد الإقامة سواء لمراجعة هواتفهم أو على الأقل لضمان حيادهم.

طبعا، هذا البروفيل لا يسقط واجب معرفة السفير للجوانب التقنية الدبلوماسية المضمنة في اتفاقية فيينا لعام 1968 وضبط فصولها وتأويلاتها المتعددة ليعرف متى تبدأ الحصانة ومتى تنتهي وكيف يتعين الحرص على ممتلكات المغرب بالخارج وكيف يحافظ على سرية العلاقات. وعليه أن يضبط الحدود الفاصلة بين أن يكون جاسوسا والعمل في الخفاء أو الوفاء للعمل الدبلوماسي الذي من شروطه العمل في الوضوح، وأيضا كيف يضبط بروتوكول الحضور في الحفلات وتلبية الدعوات المتعددة وكيف يدير التعامل مع أزمة طارئة بين بلد الإقامة والمغرب. ثم، وهذا هو الأهم، أن تكون للسفير وللدبلوماسي عموما قدرة على العيش في الغربة والتضحية بالحياة الأسرية والعائلية بحكم التنقل من بلد إلى آخر.

القيادي الاتحادي محمد بنعبد القادر، عضو الوفد الحزبي إلى ستوكهولم

اليسار في السويد حالم وعاطفي.. وفي إسبانيا وفرنسا آثم ومثقل بالشعور بالذنب

* كشفت الأزمة الأخيرة بين المغرب والسويد أن المغرب لم يتمكن من اختراق العقل السياسي اليساري بأوروبا، لماذا هذه الحساسية لذا هذه الأحزاب؟

**لا يمكن في اعتقادي اختزال مهمة التصدي للأطروحة الانفصالية والدفاع عن سيادة المغرب ووحدته الترابية في عملية ذهنية، تقتفي تسللا دماغيا في جسم اليسار الأوروبي أو اللاتينو أمريكي، لأن الدفاع عن مغربية الصحراء في المحافل السياسية الدولية تحكمه براديغمات متعددة يتفاعل معها الفاعلون الدوليون بهذا القرار أو ذاك، ثم إنه لا يجوز التعميم والتجريد عند الحديث عن عقل يساري عابر للقارات، فليس هناك «عقل يساري» منسجم ومطلق ويصدر عن نفس المقولات ويشتغل بنفس الآليات. أنا على الأقل وبحكم التجربة المتواضعة أميز في هذا الصدد بين اليسار الحالم واليسار الآثم. فاليسار الحالم (العاطفي) هو يسار السوسيوديمقراطيين السكندناف وفي مقدمتهم السويديين. وهؤلاء ما يميزهم هو أنهم أبدعوا نموذجا متوفقا في دولة الرخاء الاجتماعي والحداثة السياسية، إلى درجة لم يعد أمامهم أي قضية يستثمرون فيها مخزونهم النضالي وجدانيا وسياسيا، ولم تبق أمامهم فئة اجتماعية يسبغون عليها فائض عطفهم ويفرغون فيها شحنة رفاقتهم. لذلك راحوا يبحثون في خريطة بؤر النزاعات الدولية عن «شعوب» وقبائل وأقليات وقوميات يحملن جراحها على عاتقهم ويؤتثون بها فضاءات مؤتمراتهم وفق مقاربة رومانسية سانحة لا تستند على أي فهم أو قرب من سياقات النزاع وخلفياته ورهاناته الحقيقية على الأرض. وهناك اليسار الآثم وأقصد به أساسا (اليسار الإسباني والفرنسي) وما يميزه هو أنه يسار مثقل بالشعور بالذنب كقوة استعمارية سابقة في المنطقة إنه يسار معقد، لم يصفي حسابات ماضيه (بلغة فرويد) ولم يتخلص من عقدة ذنبه décomplexer لذاك نراه ينطلق من خطاطة ذهنية تبسيطية مشدودة تجعل من صاحب الحق (المغرب) جلادا وتخلق له شعبا (صحراويا) لا يوجد له أي أثر كشعب في أرشيف الحماية الإسبانية أو الفرنسية. هذا اليسار الآثم بدأ يتعافى في السنوات الأخيرة من عقدته اتجاه المغرب في سياق تداخلت فيه عدة عوامل في مقدمتها الاشتغال الاتحادي الدؤوب في هذا المجال، حيث أن جل التنظيمات الاتحادية بأقاليم إسبانيا يتوفر مناضلوها على عضوية مزدوجة في الاتحاد الاشتراكي والحزب الاشتراكي العمالي الإسباني، بالإضافة للحوار السياسي المفتوح بين قيادتي الحزبين، وقد بدأت الثمار الأولى لهذا العمل تظهر مع حكومة ثباتيرو الاشتراكية، التي انتقلت بمفهوم الحياد السلبي للموقف الإسباني إلى حياد إيجابي تمثل في تدعيم مقترح الحكم الذاتي واتخاذ مسافة نقدية من جبهة البوليساريو، ولعل الأفق الانفصالي في كتالونيا سيدفع في تعزيز هذا التوجه، ونفس الأمر بحدة أقل يمكن سحبه على اليسار الفرنسي.

* معلوم أن اليسار المغربي منخرط في الأمم الاشتراكية وفي علاقات ثنائية مع اليسار الأوروبي، لماذا لم يستغل هذه العلاقة لصد الضربات ضد المصالح الاستراتيجية للمغرب؟

** إذا أردت أن أستعرض أمامك عدد وحجم الضربات التي تصدى لها الاتحاد الاشتراكي فلن تكفيك صفحات هذا العدد من «الوطن الآن» لذلك أحيلك فقط على البوابة الرقمية للأممية الاشتراكية لكي تتبع بنفسك تطور الأدبيات الأممية بخصوص الصحراء المغربية، الذي ليس لهم إلمام بالعلاقات الدولية، يعتقدون أنه يكفي أن تكون على الصواب لكي يصفق لك الآخرون، ولا يعرفون أن اليسار المغربي كان في المؤتمرات الدولية يتدخل في جميع قضايا البشرية باستثناء الصحراء لا يسمع له فيها صوت، بمجرد أن تطرح القضية حتى يسلط على رقبة اليسار المغربي سيف الأغلبية العددية، فتمرر القرارات والتوصيات لفائدة الانفصال في أقل من لمح البصر. هذا الواقع عشناه بكثير من الألم والضغط العصبي والإرهاق النفسي منذ انخراطنا في العلاقات الخارجية للشبيبة الاتحادية. لكن لماذا اليوم تتجاهل الصحافة الوطنية أن الانفصاليين نزلوا إلى مجلس الأممية الاشتراكية بباريس بكل ثقلهم ودعاماتهم الافريقية واللاثينو أمريكية والاسكندنافية لاستصدار بيان للأممية يدين تورط المغرب في «مذبحة أكديم ازيك»؟ ولماذا لم يصدر هذا البيان الذي زرع البوليساريو في مسودتهم أن أحداث «أكديم إزيكَ» هي الشرارة الحقيقية للثورات الربيع العربي، ولماذا ضغط الانفصاليون وأنصارهم الوازنون من أجل ترقيتهم من عضو ملاحظ إلى عضو كامل العضوية في الأممية الاشتراكية، فتم رفض الطلب ثلاث مرات متتالية قبل إغلاق الملف نهائيا، ولماذا؟ ولماذا؟ أنا أخجل من نفسي كاتحادي أن أواصل استعراض المكتسبات في التصدي للضربات ضد مصالح المغرب، لأن هذا ليس من أخلاقنا، فنحن نشتغل في صمت وتواضع وأحيانا نعود ظافرين من معركة طاحنة فنقدم تقريرنا للقيادة الحزبية ونعتذر للجريدة عن إعطاء أي تصريح في الموضوع، وحتى عندما تزايد علينا بعض الصحف في هذا الصدد فإننا نتحاشا البوليميك في القضية الوطنية. فالمهم هو مصلحة الوطن وليس أن نظهر بمظهر الفرسان.

د سعيد الصديقي، أستاذ العلاقات الدولية بكل من جامعتي العين بأبو ظبي

القرار السويدي ليس بجديد والخلل في الديبلوماسية المغربية التي مازالت أسيرة أساليب تقليدية

* كيف تقرأ الأزمة الديبلوماسية الحالية بين المغرب والسويد على ضوء احتمال اعتراف ستوكهولم بـ «دولة البوليزاريو». وهل يمكن إسقاط الخطوة السويدية على ما عرفته فلسطين، إذ بدا الإعتراف بها من السويد ثم توالت الاعترافات إلى أن رفع العلم الفلسطيني بمقر الأمم المتحدة؟

** تأتي هذه الأزمة الدبلوماسية في ظل ضعف العمل الدبلوماسي المغربي في الدول الإسكندنافية، بل أكثر من ذلك فمنصب سفير المغرب بستوكهولم لا يزال شاغرا منذ مدة طويلة، مما ترك الساحة فارغة للدعاية الانفصالية التي تنشط في هذه الدول بكثافة منذ سنوات مدعومة بتمويل جزائري سخي. إضافة إلى هذا فإن موقف الحزبين الحاكمين في السويد من قضية الصحراء كان معروفا منذ زمان، حيث عبرا عن موقفهما المتعاطف مع البوليزاريو عندما كانا في المعارضة، وكانت الحركة الانفصالية تحظى بدعم سياسي ومادي مهم من الأحزاب اليسارية والبيئية في الدول الاسكندنافية مما كان يفرض على الدبلوماسية المغربية الرسمية أن تقوم بمبادرات استباقية منذ تولي هاذين الحزبين الحكم. لذلك فيمكن أن نتوقع الأسوأ، وهو إصدار البرلمان السويدي لقانون يلزم الحكومة بالاعتراف بما يسمى بـ»الجمهورية الصحراوية»، خاصة وأن إسرائيل بجماعات الضغط الموالية لها في مختلف أنحاء العالم لم تفلح في إقناع الحكومة السويدية من العدول عن الاعتراف بدولة فلسطين. لذلك أرى أن تركز الدبلوماسية المغربية في هذه المرحلة الحرجة على التخفيف من خطورة أي قرار سياسي للحكومة السويدية في قضية الصحراء، وأن تستثمر عامل الزمان، فعلى الأقل أن تحول دون صدور قرار نهائي بالاعتراف الرسمي وإقناع الحكومية السويدية بتأجيل البث في هذا القرار ريثما ينتهي مسلسل المفاوضات، على اعتبار أن أي قرار نهائي سيؤثر على القضية برمتها.

* البعض اعتبر القرار السويدي جواب على موقف المغرب المساند للسعودية في أزمتها مع ستوكهولم في مارس 2015. وبالتالي «ردت السويد الصرف» للمغرب بالاعتراف بدولة البوليزاريو. هل تتفق مع هذا الطرح؟

** لا أرجح هذا التفسير لكون موقف الحزبين الحاكمين حاليا في السويد من قضية الصحراء كان معروفا من قبل، ويجدر الذكر هنا أن البرلمان السويدي وبضغط من هاذين الحزبين ناقش في عام 2012 مسألة الاعتراف بـ»الجمهورية الصحراوية». تجدر الإشارة هنا أن السويد والدول الاسكندنافية عموما تتميز بدبلوماسية هادئة وذي نظرة بعيدة المدى، وليس بردود الأفعال مثل دبلوماسيتنا التي لا تزال أسيرة الأساليب التقليدية.

* القرار السويدي معروف منذ زمان (خاصة البرلمان) لكن المثير أن المغرب لم يبادر حتى بملء منصب سفير بالسويد الشاغر منذ 2014 فأحرى أن يتحرك منذ تلك اللحظة لإبراز حججه ومواقفه للطرف السويدي. ما السبب الذي أدى الى صحوة الرباط اليوم؟

** مع الأسف فدبلوماسية المغرب يحكمها كما سبق القول رد الفعل وليس الفعل والمبادرة، ولم يستنفر المغرب آلياته الدبلوماسية إلا في آخر لحظة. رغم أن هذا الوفد المشكل من الأحزاب المغربية قد ينجح في التخفيف من خطورة القرار الذي ستتخذه الحكومة السويدية بشأن قضية الصحراء، لكن تبقى هذه المبادرة مجرد رد فعل، وهذا ما دأبت عليه الدبلوماسية المغربية التقليدية التي لا تتحرك بقوة إلا بعد استشعارها الخطر المحدق أو بعد فوات الأوان. وقد كتبت عند تشكيل حكومة عبد الإله بنكيران أن المغرب مدعو لنهج دبلوماسية هجومية فيما يخص قضية الصحراء. في المعارك الدبلوماسية، كما هو الشأن في المعارك العسكرية، فإن الهجوم هو أحسن طريقة للدفاع، كما أن الطرف الذي يبادر بالهجوم يكسب هوامش أوسع للمناورة والضغط.

* قضية السويد أظهرت أن بنكيران اكتشف وجود المعارضة بالمغرب مما جعله يخطب ودها لكي ترسل مبعوثيها للسويد لكي تلتقي مع البرلمانيين هناك. ألا ترى أن بنكيران أخطأ حينما عمل على قتل المعارضة وتمطيط هيمنته على الحقل السياسي مما يفقد هؤلاء كل مصداقية أدى الطرف الأجنبي؟

** أرى بأن قضايا السياسة الخارجية وعلى رأسها قضية الصحراء شأن ملكي خاص ولا دخل للحكومة في اتخاذ القرار الاستراتيجي بشأنها وهذا ما اعترف به أعضاء الحكومة الحالية مرارا وتكرارا وعلى رأسهم رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، والناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى الخلفي، ووزير الشؤون الخارجية السابق، سعد الدين العثماني، وغيرهم. لذلك فإن رئيس الحكومة ينفذ في هذا الشأن التعليمات الملكية ويظل هامش اجتهاد الحكومة في هذه المسألة محدودا جدا. أما بالنسبة للاستعانة بالمعارضة، فإن المؤسسة الملكية اعتمدت دائما هذا النهج عندما تكون بصدد اتخاذ قرار مصيري في قضية الصحراء سواء في عهد الملك الراحل الحسن الثاني أو في ظل هذا العهد، حيث يتم إشراك أحزاب المعارضة في الحملات الدبلوماسية إلى الخارج، وقد تٌشْرك في بعض المؤتمرات مثل تشكيلة الوفد الرسمي الذي مثل المغرب في القمة الإفريقية بأديس أبابا في نوفمبر1984، التي أعلن فيها المغرب انسحابه من هذه المنظمة بعد ما منحت صفة العضوية لـ«الجمهورية الصحراوية» حيث أشرك الملك الراحل الحسن الثاني جميع الهيئات الممثلة في البرلمان في هذا الوفد. وتهدف المؤسسة الملكية أيضا في مثل هذه الفترات الحرجة إلى إظهار الجبهة الداخلية موحدة ومجمعة على موقف واحد من هذه القضية.

* ما العمل لكي لا يبقى المغرب في موقع دفاعي بشأن ملف الصحراء. ألا ترى أنه ينبغي أن يحل المشكل مع الجزائر بأي ثمن أم أن القوى الكبرى ستمنع ذلك حماية لمصالحها وحماية لاستمرار الأمر الواقع؟

** أتصور أن قضية الصحراء هي أولا مظهر لطبيعة النظام المغاربي الراهن الذي يطغى عليه الشك والتوجس والخوف من الآخر، ويجعل كل طرف يسعى لضمان أمنه بمزيد من التسلح أو إضعاف الآخر مثل ما تفعل الجزائر بتوظيفها لقضية الصحراء ضد المغرب. لذلك لا أتوقع أن تحل هذه المعضلة بالنوايا الحسنة ومبادئ حسن الجوار أو الرهان على تغيير جزئي في التشكيلة الحاكمة في الجزائر، بل يكمن الحل في تغيير جذري لبنية النظام المغاربي الراهن، وهذا أمر يصعب تحقيقه الآن على الأقل، لأنه لا يظهر في الأفق أن أي من الدولتين المغاربيتين الأساسيتين قادرة على فرض نفسها قوة جهوية قوية تستطيع أن تفرض تصورها للمنطقة. وهذا ما يجعلني متشائما من الوصول إلى حل لقضية الصحراء في المستقبل المنظور إذا استمرت بنية النظام المغاربي كما هي، اللهم إذا حدث تحول مفاجئ كأن يقع مثلا تغيير جذري للنظام السياسي في الجزائر الأمر الذي يؤدي بالضرورة إلى تغيير موازين القوى القائمة أو الوصول إلى توافق واقعي بين المغرب والجزائر على قائدة لا غالب ولا مغلوب,