الجمعة 26 إبريل 2024
كتاب الرأي

رشيد صفـَـر: إيزوبيل ... التظاهر بالموت للنجاة من الموت

رشيد صفـَـر: إيزوبيل ... التظاهر بالموت للنجاة من الموت

قصة مؤثرة ترويها الشابة "إيزوبيل بودري isobel bowdery" 22 عاما، وجدت نفسها من بين الرهائن الذين تم احتجازهم بمسرح "Bataclan" بباريس يوم الجمعة الماضي، ونجت بأعجوبة داخل المسرح بفضل "المسرح"، في تلك الليلة التي شهدت هجمات إرهابية، خلفت الذعر وأسالت الدماء واستهدفت الحق في الحياة والأمن والطمأنينة، في مدينة الأنوار التي انطفأت فيها شمعة الحياة في تلك الليلة المُرعبة.

كتبت "إزوبيل" في صفحتها على الفايسبوك، أنه قبل وقوع الحادث الإرهابي، كانت تشاهد عرضا بلون "موسيقى الروك" في مسرح الحادث، وهي مفارقة التقى فيها الفن كمسرح بمسرح الحادث الإجرامي. كتبت "إزوبيل" : أجواء العرض الموسيقي كانت بهيجة، وكان الكل يغني ويرقص. تنتقل بعد ذلك لوصف مشاهد دخول الإرهابيين الثلاثة، الذين حوَّلوا مسرح الموسيقى لمسرح دم. لم يفت هذه الفتاة الشابة أن ترصد أول انطباع لضيوف مسرح "Bataclan"، في تلك الليلة، بعد اقتحام الجُناة الثلاثة لقاعة العرض، إذ أشارت أن الجميع ظن أن دخولهم بحسن "نية الفرجة"، ما هو إلا مقطع تمثيلي من الفقرات الفنية التي تمت برمجتها في الحفل الساهر، الذي نُزعَت منه قسرا وقهرا وظلما لحظة الانتشاء بالفن الموسيقي من وجدان ضيوف قاعة المسرح وتمَّ تحويلها للحظة بلون الدم وفقدان الحياة.

رواية "إزوبيل" تضيف أنها بعد أن شاهدت الرصاص، يغتصب حق الحياة ويُردي جمهور الحاضرين قتلى وجثثا ومعطوبين، فكرت في التظاهر بالموت وألقت بنفسها بين الجثث والجرحى، وكأنها كانت تقول للجناة الثلاثة في تلك اللحظة العصيبة : (ظننت أنكم تؤدون لوحة تمثيلية، فخذلتموني وخذلتم الحق في الحياة سوف أخذلكم وأتظاهر بالموت علـَّهُ ينقذني من الموت..). اختلط المسرح بالغدر والجرح والقتل. توسلت "أزوبيل" الموت وسيلة لمواجهة أخطر موقف يمكن أن يواجهه الإنسان في مشارق الأرض ومغاربها، فنجت من الموت، ظنها القتلى من بين الضحايا الذين فقدوا الحياة. أتقنت "أزوبيل" مُكرهة دورها في ساعة من الزمن. تمالكت دموعها. كبست صياحها. حبست أنفاسها، ولو كان باستطاعتها إيقاف دقات قلبها لفعلت ذلك، علَّ المجرمين يتحققون من ما سعت إليه نفوسهم، دون أن تصاب الفتاة برصاصات الغدر، تقول "إزوبيل" أن حبها للحياة وهو حقها المشروع وحقنا وحق  كل مخلوق على وجه البسيطة، (حبها للحياة) جعلها تتظاهر بالموت. كانت في موقع لا يسمح لها بالهروب مثل آخرين نجوا من المجزرة. روايتها تقدِّمُ درسا للجناة الذين يستهدفون قتل الناس وقهرهم وزرع الرعب في نفوسهم في كل بقاع العالم. درس قد يفهمه الجُناة وقد يتظاهرون بعدم استيعابه وتحصيل المعنى منه، الذي يكمن في الجواب على أسئلة :

ماذا يجني الإنسان (الفاقد لإنسانيته) من قتل إنسان وسلب حقه في الحياة؟

أي حياة وبعد حياة وراء غصب حياة إنسان بريء وأعزل على اختلاف اللون والجنس والدين؟.

هل يشفي غليلكم انطفاء شمعة حياة إنسان، لن يعود بعد جرمكم لمعانقة أهله وأطفاله ووطنه ... والحياة !!؟.