الاثنين 25 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

المصطفى روض: امحمد طلابي و القطيعة اللاهوتية

المصطفى روض: امحمد طلابي و القطيعة اللاهوتية

امحمد طلابي غادر منظمة العمل الديمقراطي الشعبي سنة 1997 في ظرف كانت تتواصل فيه بقوة تداعيات الانشقاق الذي هز بنيتها التنظيمية و عصف بإعلامها و شتت خيرة أطرها النضالية. في هذه الأجواء قام الرفيق السابق و الأسبق طلابي بانتهاز الفرصة لكي يعلن استقالته من المنظمة، بل و من فكرها اليساري بشكل خاص و فكر اليسار الماركسي بشكل عام، ليصبح بقدرة قادر واحدا من أطر الإسلام السياسي المغربي الذي كانت إستراتيجيته وقتها و قبلها واضحة في معناها و مبناها:

أسلمة الدولة و المجتمع بواسطة الهيمنة السياسية بعد استنفاد الهيمنة الدعوية و جني ثمارها لتفتح آفاق الهيمنة السياسية، و نحن الآن نرى بأم أعيننا واحدة من ثمارها مرسخا في وجود حكومة إسلامية.

قد يتساءل المرء بموضوعية كيف لرفيق كان حداثيا في فكره و سلوكه و بين عشية و ضحاها ينقلب على نفسه قبل أن ينقلب على تنظيمه و مرجعياته الفكرية و السياسية التي كانت تحدد له رؤيته للعالم و الوجود و تمنحه المبادئ و القيم الكونية التي كانت تحفزه على النضال الطبقي و السياسي و البيئي. يحدث هذا التحول بسرعة البرق، دون أن تظهر على الرفيق أعراض فكرية و اهتزازات تؤشر على أنه قادم على تحول تسميه الأدبيات الماركسية بالقطيعة الابستمولوجية على غرار ما فعل ماركس عندما كان شابا هيغيليا، أي أنه انعطف يمينا نحو الإسلام السياسي بدون أدنى تأمل، و كأن وحي ما نزل على الرفيق ليلتحق بموقع الحركات الظلامية، و يصبح واحدا من فقهائها و شيوخها لاعبا دوره الدعوي في تحريض خطير على العلمانية و العلمانيين، و كافة الديمقراطيين اليساريين.

عندما علمت باستقالته و أنا في مقر الجريدة بدار الخطابي، و بالرغم من انزعاجي التام على التشردم و الانشقاق و الحرب الدائرة يومها بين الرفاق، اتصلت بالرفيق طلابي و طلبت منه أن نشرب معا فنجان قهوة و نناقش موضوع الاستقالة، و أذكر أن جلسنا معا بمقهى مقابلة لشاطئ المحمدية، و كنت أريد أن أعرف منه إن كانت ثمة تأملات فكرية جعلته يقدم على الاستقالة في أفق القطيعة الابستمولوجية، لكن أي شيء من هذا لم يظهر لي في كلام الرفيق سوى أنه يريد أو يرغب في تطوير الفكر الإسلامي، لكنني وجدت نفسي، من حيث الموضوعية، مشجعا له على مراكمة و تطوير الفكر الإسلامي، حيث أشرت له على القيمة الكبرى لهذا الحقل إذا الرفيق طلابي يريد فعلا أن يتسلح بمعرفته العلمية حتى تصبح له منهجيته الخاصة كما هو الشأن لمفكرين أمثال حسن حنفى، طيب تيزيني، هادي العلوي، حسين مروة، حامد أبو زيد...الخ، بغض النظر عن الاختلافات بما فيها الايديولوجية بين هؤلاء المفكرين، و اقترحت عليه الاطلاع على أعمالهم لعله يجد فيها سندا و مدخلا أساسيا تساعده ليس فقط في مراكمة المعرفة الخاصة بالفكر الإسلامي، و إنما، كذلك، أن يكتسب منهجا نقديا حتى و إن أراد أن يصلي أو يتأسلم ، فقد يساعده مثل هذا المنهج في مواجهة كل الأفكار الشاذة عند حركات الإسلام السياسي على غرار ما يفعل حسن حنفي المتسلح بمنهجية المعتزلة. لكن مر زمن طويل، و فيما بعد وصلتني أخبار تفيد أن الرجل أ صبح يخدم لفائدة حركة الإسلام السياسي الظلامي، و المني كثيرا أن يكون الرفيق الأسبق امحمد طلابي قد وقع ضحية قطيعة لاهوتية موقعته في خانة معادية لكل ما هو إنساني في القيم الكونية و لكل ما هو حداثي مرتكز على الإرادة الحرة للإنسان و لكل ما هو مدني ديمقراطي كأسلوب و هوية في ممارسة الدولة لهويتها باعتبارها دولة علمانية و دولة قانون و حق.