الاثنين 25 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

رشيد صفــر: الصحافة الصفراء

رشيد صفــر: الصحافة الصفراء

كـُنيتي "صفر" بفتح الصاد والفاء. كثيرا ما يقرنها البعض بالرقم (0) "صِفـْر"، الذي اخترعه "الخوارزمي" واعتنى به بعض العرب ووضعوه فوق رأسهم فأضحوا "تحت الصفر" شكلا، أما المعنى والجوهر فيخضعان للتغيير، طلوعا، نزولا، فوق وتحت الصفر. عشت مرارا في فصول الدراسة أثناء "لابيل" خلال النداء علي بكنيتي، لحظات تصحيح وتقويم "الفونيتيك" للناطقين بها من أساتذة وزملاء. وقد ينعتني البعضبعد الخلط بين حرفي الصاد والسين بـ "سفر" voyage .

صفر كما هو معروف شهر عربي "صفر الخير". أعتز بكنيتي فهي تعريف وكنية "الوالد رحمه الله" ولقب عُرف به أجدادي ومن الصدف أن وزيرا أول تونسي سابق، له نفس لقبي واسمي "رشيد صفـر" ولا أظنه سليلا لأجدادي. تختلفُ التعريفات والشروح لـ "صَفـَر" وتميل بعضها لتأصيله على الاصفرار أي اللون الأصفـر، لكن قد تجد المنعوت بالأسود أبيض القلب وقد تُصادف رجلا اسمه "كريم" لكنه شحِّيح وقد لا تلتقي في حياتك بفتاة اسمها "اتصال"، لأنها تعيش في عزلة قاتلة.

مناسبة هذا الكلام هو ما راج على لسان "ريهام سعيد" الإعلامية المصرية المثيرة للجدل، إذ نعتت بعبارة "صحافة صفرا"، مواقعَ إلكترونية مغربية وعربية تعرضت لخبر ترحيلها من المغرب بسبب "تحايلها على السلطات المعنية بالتراخيص" لتصوير تقرير عن الجن والسحر والجنس بالمغرب - حسبما جاء في تحقيق لموقع "إحاطة.ما"- ونقلته العديد من المواقع المحلية والعربية. حقيقة الصحفي ليس مُخبرا بوليسيا والمتهم بريء حتى تبث إدانته، لكن من حظ "ريهام سعيد" غير السعيد، أن سبق الحدث إدانة لها بسبب بعض الفضائح التي فجرتها إعلاميا في مناسبات فارطة.

"ريهام سعيد" كذبت الأخبار التي جاء فيها "ترحيلها ومحاولة تصويرها لتقرير مسيء للمغرب"، وهذا حقها في الرد مع الفارق، خلال نعت منابر ومواقع إعلامية بالصحافة الصفراء. فالمنطق لا يستقيم في حالة الجمع بين صفتي "اللاعب والحكم" داخل قبعة واحدة. تخيلوا أن يكون داخل رقعة الملعب بين عناصر فريق مُنافس لآخر، حكم في يده ورقتي الإنذار والطرد وبين شفتيه "صفارة"، سيُصفِّرُ ويُزمِّرُ صاحبنا لصالح فريقه على أخطاء وضربات جزاء خيالية فتصبح واقعية وسيُقدمُ على ذلك وقتما رأى الفرصة مُناسبة وكلما هجم الفريق المُنافس وهدَّدَ شباكه أوحين تظاهر زملائه بالسقوط "السينمائي" والعطب "المسرحي"، ليشهر بعدها بسوء نية الورقة الحمراء والصفراء (تبا عدتُ للون الأصفر دون أن أدري).

 وحدها الوقائع الصحيحة والدلائل الدامغة والمصادر الموثوقة، تـُحدِّدُ صحة الأخبار من عدمها ووحده الخط التحريري الرزين والمُحايد والباحث عن الحقيقة مع تحقيق الوصول إليها، الفيصلُ بين الصحافة الصفراء والزرقاء (نسبة إلى زرقالاف) أو السوداء وكل ألوان الطيف. من عجائب "صاحبة الجلالة" أن رُزنامة الصحف داخل أي بلد تُـعرض كلها في أكشاك على جانب الرصيف، فينعتُ بعضها دون آخر بصحافة الرصيف.

وبالعودة إلى نعت "الصحافة الصفراء" فهو وصف تمَّ إطلاقه على الصحافة التي توصف بـ "غير المهنية"، التي لا ديدن لها سوى إثارة فضول القـُرَّاء والرأي العام والخاص، بشتى الوسائل المُتاحة دون اعتبار لأخلاقيات مهنة "نقل الأخبار"، للإكثار من حجم الانتشار والزيادة في رقم المبيعات أو نسبة الاستماع أو المشاهدة، ويستدلُّ عليها الباحثون في المجال بـ "صحافة الفضائح"، المقرونة بتوسُّل المُبالغة غير المقبولة وضرب مبدأ الحياد بعرض "سور الصين العظيم".

تشير بعض المصادر أن من ساهم في ولادة وشيوع "الصحافة الصفراء"، هو الناشر والصحافي "وليم راندوف هيرست"، الذي عاش بين (1863 و 1951). كان "وليم الأصفر صحفيا" يَملكُ في كل الولايات الأمريكية المتحدة صحيفة أو مجلة، وكان قد اعتمد في فلسفة تسويق منشوراته الصحفية على الفضائح والجرائم وأخبار "بوووم" و"القنابل" الصحفية، التي كان قيد حياته يُديرُ حملات إعلامية لتفجيرها هُناك وهُنالك داخل "يو إس أي"، وقد تمَّ إطلاق اللون الأصفر على هذا النوع من الصحافة، لأن ورقَ دَفـَّـتي المنشور الصحفي لـ "وليم" وما بداخله، كان أصفر اللون وبجودة ضعيفة ورخيص الثمن وغالبا ما كان هذا الورق عبارة عن فضلات "ورق عادي أو كارطون" تمَّ استعماله واستغلاله سابقا وإعادة تدويره "روسيكلاج" آت من "شوت" بالفرنسية وصلنا لـ"لاشيت" النهاية.