الاثنين 25 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

أوسيموح لحسن: غرفة "شايطة"!

أوسيموح لحسن: غرفة "شايطة"!

قبل أن يعود نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية للمطالبة بحذف الغرفة الثانية مباشرة بعد الإعلان عن نتائج اقتراع الجمعة الأخير، كانت أصوات من الأغلبية الحكومية قد انتقدت الغرفة التي طالما وصفت ب «الناجية» واعتبرتها "معطلة للقوانين"، لكن الولاية المنتهية كشفت أن النسق السياسي بحاجة لتلك الغرفة لكبح جماع الحكومة وأغلبية بقبة مجلس النواب للحيلولة دون تمرير قوانين معدة على المقاس.

محمد الشيخ بيد الله رئيس المجلس المنتهية ولايته كان صارما في الرد على تلك الانتقادات، وقال ذات يوم بوكالة المغرب للأنباء إن «الغرفة الثانية ماشي زايدة ولا تضيع الفلوس» وأنها "لا يمكن أن تتحول إلى مجرد غرفة تسجيل". ورغم أن النقاش حول جدوى الغرفة الثانية مطروح حتى في أعرق الديمقراطيات، كما بريطانيا حيث الانتقاد دائم لمجلس اللوردات، لكن لغرفة الشيوخ أو الحكماء كما تسمي عادة «معنى» في دول عديدة ولو أن من بين 186 برلمانا في العالم يوجد 80 منها تعمل بالثنانية فقط، وذات الأهمية أصبحت للمجلس في النظام المغربي.. وعلى حد قوله محمد الشيخ بيد الله فإن "الثنائية ببلادنا أساسية أولا لكبح جماح الغرفة الأولى لكي لا تسطو الأغلبية بعددها على المكتسبات أو لتطبيق (ليس نزواتها) بل أفكارها بسرعة فائقة".

بعيدا عن نقاش جدوى الغرفة الثانية، فإن تجديد نخبها وولوج وجوه جديد من نساء ورجال للمؤسسة سيبعث فيها بالتأكيد روحا مختلفة لأنها امتداد لمكونات المجتمع السوسيو-مهنية وصوت لمدبري الشأن العام بالمجالس الترابية، خاصة مع المقتضيات الدستورية الجديدة والأولوية التي أعطيت للغرفة في البث في قضايا الجماعات الترابية والشؤون الاجتماعية والتنمية المستدامة.

في الولاية السابقة عرفت الغرفة نقاشات مكهربة خاصة خلال الجلسة الشهرية لرئيس الحكومة، ووجهت الانتقادات لها بكونها «قلعة للمعارضة»، لكن المجلس الدستوري بعد اجتهاده فيما يخص القانون التنظيمي للمالية أعاد سؤال التوازن بين المجلسين أي مجلس النواب ومجلس المستشارين إلى سكته، وأصبح على الحكومة وأمانتها العامة أن تحترم حق الأسبقية في إحالة القوانين الانتخابية عليها.

ولأنه شاءت إرادة الناخبين الكبار أن تعطي لأحزاب المعارضة البرلمانية الأغلبية العددية في تركيبة المجلس، وفي انتظار التحالفات الجديدة لانتخاب رئيس وككتب جديدين، فإن مجلس المستشارين سيجد نفسه أمام تحديد تطبيق فلسفة الدستور الجديد وترسيخ البرلمان كسلطة تحتكر التشريع وباختصاصات رقابية للعمل الحكومي وللمؤسسات الحكومية، وذلك حين تتماهى الغرفة الأولى مع الحكومة وتتحول إلى مدافع عن اختياراتها وسياساتها.. لكن لا يزال الرهان أن تعكس المؤسسة التشريعية بغرفتيها حقيقة إرادة المجتمع المغربي وقاطرة للتنمية السياسية.. وفي مستوى ثان يفترض أن يكون فضاء للحوار من مستوى رفيع وميدان تتنافس فيه الأفكار والبرامج وليس الأشخاص والأفراد.

وفي انتظار الخطاب الملكي يوم افتتاح الدورة الخريفية، فإن صدى خطاب السنة المنصرمة لا يزال يرن في الأذهان.. فأن يخطب ملك البلاد أمام البرلمانيين ليذكرهم بما منح لمؤسستهم من صلاحيات واسعة في التشريع والرقابة والتقصي، فذلك أمر يستوجب من ممثلي الأمة استحضاره في كل لحظة وحين.. وأن يطلب منهم بأن "يستشعروا جسامة الأمانة العظمى (تمثيل الأمة)، التي تستوجب التفاني ونكران الذات، والتحلي بروح الوطنية الصادقة، والمسؤولية العالية في النهوض بمهامهم"... فذاك أيضا يستحق أن ينصتوا إليه بإمعان، بل وحفظه عن ظهر قلب.

إنهم قد يتناسوا صراحة خطاب جلالة الملك الذي طالبهم ب "ضرورة اعتماد الحوار البناء، والتعاون الوثيق والمتوازن، بين البرلمان والحكومة، في إطار احترام مبدأ فصل السلط، بما يضمن ممارسة سياسية سليمة، تقوم على النجاعة والتناسق، والاستقرار المؤسسي، بعيدا عن تحويل قبة البرلمان إلى حلبة للمصارعة السياسوية"، فما بالك بالتعاون بين غرفتين يفترض فيهما أن تعكس إرادة الضمير الجمعي للمغاربة، بل والتنسيق في قضايا ذات الأولوية بعيدا عن التشكيك في جدوى وجود أي مكون من مكونات البرلمان، لأنه ببساطة ليس هناك، وبالدارجة المغربية، "شي غرفة شايطة".