الأحد 24 نوفمبر 2024
منبر أنفاس

د/ محمد بنلحسن: أعطاب الديموقراطية في عالمنا العربي

د/ محمد بنلحسن: أعطاب الديموقراطية في عالمنا العربي

الديموقراطية تمرين صعب وشاق وطويل، هيهات أن يكون بمكنتنا نحن العرب، استنبات بذورها وجذورها في تربتنا العربية القاحلة والجافة بسهولة وسلاسة ويسر؛ وذلك  بسبب طول سنوات الجفاف العجاف !! لاسيما وتربتنا ليست بيئتها الأصلية الحقيقية ....

إن الديموقراطية، أوسع باعا، وأشد ذراعا، و أكبر مجالا، وأسمى فكرا، وأنبل مقصدا، فلن تهب على عالمنا العربي بين عشية وضحاها؛ مثل الكتل الهوائية الرطبة والباردة التي تأتي من الغرب محملة بأمطار الخير في رمشة عين، أو هي شيء يمكن استنباته من خلال تقنية " نسخ " " لصق " التي يعشقها بعض طلبتنا اليوم.

الديموقراطية قبل أن تصير عندهم ممارسة حقيقية واقعية وفعالة، بدأت فكرا وعقيدة ومذهبا، آمن الناس بوجودها، وثابروا لإخراجها لحيز الوجود بالفعل بعدما كانت ثاوية فيه بالقوة ...

لم تكن الطريق إليها عندهم يسيرة سالكة؛ بل إن الدول الأوروبية على سبيل المثال،  قدمت تضحيات جسام بعد ثورات مشهودة،  غيرت أفكار الناس ورؤيتهم للأمور، وجعلتهم يتخذون  موقفا من الاستبداد والاعتداء على حقوق الإنسان ...وحريته و وجوده الاعتباري.

هل بمكنتنا نحن العرب، أن نطأ سطح الديموقراطية،  وأن نحلق في سمائها؟

كثير من بني جلدتنا، وأخوتنا العربية، لازالوا يعتقدون أن الديموقراطية لاتعدو كونها تقليعة (MODE)، يراد لعالمنا العربي تقليدها والتشبه بأهلها، وفي المحصلة لانتبع منها على أرض الواقع إلا القشور !!

بل، إن هناك من يتصور الديموقراطية بدعة وافدة من الغرب غير المسلم ، الهدف من استيرادها والمطالبة بها، هو تغريب المجتمع العربي ، وإبعاده عن تاريخه وحضارته وماضيه ، واجتثاثه من جذوره !!

وهناك من كفر الديموقراطية، وكفر بأصحابها وبفكرهم !! حجتهم في ذلك أن الديموقراطية من المفاهيم الوافدة على الشرق والعالم العربي ، وانها دخيلة غريبة؛ ذات مرجعيات تتصادم مه الهوية العربية، والشخصية العربية والماضي التليد...إلخ

إن السؤال الهام الذي يتبادر في هذا السياق، هل مارسنا ما يناظر الديموقراطية في عالمنا العربي ؟

هل  أحوالنا تدل على أننا غير محتاجين لهذا المفهوم الوافد من وراء البحار ؟

هل الغرب كله شر ؟

ألم يكن الغربيون سباقين لغزو الفضاء ؟

أليسوا متقدمين حضاريا، على مستوى الحضارة المادية على الأقل ؟

وبالرجوع للحكم والحكامة ، أليست دول الغرب وشعوبه ، الأكثر احتكاما إلى قواعد الصناديق الشفافة ؟

هل أزهقت نفس واحدة خلال استحقاقاتهم الانتخابية سواء لاختيار البرلمانيين، أم لانتخاب رؤساء الدول ؟

هل تضيع حقوق الأفراد والجماعات في الغرب؟

هل يقع التمييز بين الناس على أساس اللون والملة والنحلة والمذهب ؟

لماذا تفوقت دول الغرب اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا ؟

أليس هناك علاقة بين الديموقراطية والرفاهية والتقدم الذي يعرفهما الغرب وشعوبه ؟

الديموقراطية لو يعلم كثير من الناس في عالمنا العربي، حل مناسب جدا  لأغلب – إن لم نقل كل – مشاكلنا وأزماتنا المزمنة والخطيرة التي تتهدد الإنسان العربي في أي مكان...

لنأخذ على سبيل المثال، ثورات الربيع العربي، التي توجس من سياقها وأبعادها ودلالاتها، الكثير من الملاحظين والمتتبعين في عالمنا العربي، بحجة أنها مؤامرة من الخارج، وأنها تسعى لزرع الفوضى الخلاقة ووو إلخ  

ماذا جرى خلال الربيع ؟

في تونس أزيل النظام الذي ظل جاثما على آمال وطموحات وتطلعات الشعب التونسي لعقود، وقد نال الشعب التونسي حريته في اختيار ممثليه ...وللمرة الأولى شعر أفراد الشعب قاطبة بأن بمقدورهم التصويت إيجابا على مرشحين أو تيارات حزبية سياسية، ثم بعد ذلك أحسوا بأن لهم الحق في العدول عن خيارهم أو اختيارهم ...ذلك ما حصل بالفعل ...فقد صوت الشعب التونسي على حركة النهضة في الانتخابات التي أعقبت سقوط النظام البائد، لكن وبفضل ثمار الديموقراطية الفتية والوليدة التي أرسى الشعب التونسي دعاماتها، فقد حجب الناخبون الثقة عن مرشحي الحركة، ومنحوها لحزب جديد هو نداء تونس الذي يختلف عن النهضة في الفكر والمرجعية ...أليست هذه ثمار الديموقراطية التي بناها التونسيون والتونسيات بسواعدهم ؟

إن مناهضي الربيع العربي يستندون على الفشل الذريع الذي منيت به تجربة سوريا واليمن ومصر، وقد رتبوا على ذلك موقفا مفاده أن الديموقراطية لا تصلح للعالم العربي ، وهذا أمر غير صحيح في الواقع ...

إن الديموقراطية يمكن أن تكون حلا ناجعا لمعضلة الطائفية التي تفتك الآن ببعض الدول العربية، لأن الديموقراطية لا تؤمن باللون والعرق والملة والنحلة، إن الديموقراطية تنتصر للإنسان باعتباره قيمة كونية ...

إن الديموقراطية تنتصر لرأي الأغلبية، ولكنها لا تتسلط على الأقلية، أو تقمعها ، أو  تبيدها ... الديموقراطية تقيد مسؤولية المنتخبين ، وتجعلهم خاضعين للقانون، ومعرضين للمساءلة والمحاسبة ...

إن اللاديموقراطيين في عالمنا العربي هم الذين يخشون الاحتكام للشعب، ولقراراته واختياراته، والشعوب في الغرب، لا تحتاج للخروج في الشوارع من أجل التعبير عن اختياراتها وآرائها ومواقفها من حاكميها، إنها تختزل كل ذلك في عملية التصويت التي تقوم بها خلال عمليات انتخابية شفافة ومنتظمة ...

الصناديق الشفافة يمكنها أن تسمو بمجتمعاتنا العربية، بفعل ممارسة ديموقراطية حقيقية، شريطة أن نمنح الشعوب الحرية في اختيار مرشحيها، والتعبير عن إرادتها ... الديموقراطية الحقيقية لا تكون بالانقلاب على إرادة الشعوب، أو تزييفها، في حال لم تجر الرياح بما تشتهي السفن ...

اللاديمقراطية وصف يمكن أن نطلقه على كل ممارسة  تستند إلى سلطة ما، من أجل تغيير اختيارات الناخبين، أو تأويلها، أو إلغائها ...أو ممارسة الوصاية على إرادة الشعوب .

إن الديموقراطية حكم الأغلبية للأقلية، لكن هذه الأغلبية كما يشترط في مكوناتها عدم التسلط والتجبر في حق الأقلية، فإن هذه الأخيرة مطالبة باحترام رأي الكتلة الناخبة الأكبر ...

إن الديموقراطية تدفع المرشحين لتدبير الشأن العام للمواطنين، للتنافس في خدمة الشعب ، وبذل الجهد من أجل تلبية مطالبه ورفع الظلم عنه ، كما أن المعارضة تعبيرا منها عن احترام قرارات صناديق الاقتراع، مطالبة بل ملزمة، بممارسة المعارضة الإيجابية؛ التي تنجح الحكومات وتقربها من أصوات المواطنين.