أمام الانتكاسة التي مني بها حزب الاستقلال الذي يعد أعتى وأعرق حزب سياسي مغربي، خلال النتائج التي حصل عليها في الانتخابات الجماعية والجهوية لاستحقاقات 04 شتنبر 2015، والتي حصل بفعلها على المرتبة الثانية من مجموع عدد المقاعد المتبارى في شأنها في الانتخابات الجماعية، والمرتبة الثالثة على مستوى مقاعد الانتخابات الجهوية، وهو ما يختلف مع انتظارات الحزب وطموحه الذي عبر عنه أمينه العام السيد "حميد شباط" في أكثر من تصريح، باعتباره يسعى لترتب المشهد السياسي الترابي بتصدره لمقاعد الانتخابات الجماعية والجهوية على التوالي.
وإن كانت النتائج قد سارت في غير طموح ورهان الحزب السياسي العتيق، فإنه قد أدخل قادة الحزب في تحد صعب، خصوصا أمام الوعد الذي قطعه أمينه العام السيد حميد شباط بالتخلي عن منصب الأمانة العامة في حالة عدم الحصول على المرتبة الأولى. وقد أثبتت النتائج الرسمية للانتخابات خلاف ذلك، فهل يلتزم الأمين العام لحزب الاستقلال بوعده وترك منصب الأمانة العامة للحزب؟
مباشرة بعد الاعلان عن النتائج الرسمية لانتخابات الجماعية والجهوية من قبل وزارة الداخلية بعد يومين من تنظيمها، عقدت اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال اجتماعا عاجلا لمناقشة النتائج المحصل عليها من قبل الحزب وتأثيرات ذلك على وضعيته ضمن المشهد السياسي، وذلك يوم الأحد 13 شتنبر 2015 ليلة تشكيل المجالس الجهوية. وقد أثار الاجتماع الذي عقدته اللجنة التنفيذية للحزب وطبيعة النقاط المدرجة في جدول أعماله، بالإضافة إلي التوقيت الذي عقد فيه، الكثير من الجدل سواء بين الفاعلين السياسيين المتحالفين مع الحزب أو المناوئين لتوجهاته، أو بين المنخرطين في الحزب ذاته، باعتباره يعكس توجه يسعى من خلاله الحزب إلى تقييم المرحلة السابقة من تدبير السيد حميد شباط للحزب وطبيعة التوجهات التي رسمها، وتقييم وضعيته التنظيمية ومكانته داخل الحقل السياسي بعد ثلاثة (03) سنوات من انتخاب السيد حميد شباط أمينا عاما له، ومن ثم إعادة النظر في تحالفاته التي من شأنها أن تمنح للحزب مكانته المتميزة داخل المشهد السياسي المغربي.
وإن كان الاجتماعي التنفيذي يرتكز في أحد أبعاده على تقييم توجهات الحزب ووضعيته السياسية، فإنه في بعد آخر يسعى إلى تدعيم بقاء حميد شباط على رأس الحزب مع إعادة النظر في بعض الحسابات والتوجهات التكتيكية، على اعتبار أن نتيجة الانتخابات الترابية من شأنها أن تحسم مستقبل الخارطة الحزبية للانتخابات البرلمانية المزمع تنظيمها نهاية السنة المقبلة.
وترتكز أبعاد هذا الاجتماع الاستثنائي للجنة التنفيذية في النقاط التالية:
أولا: العمل على توريط حزب التجمع الوطني للأحرار
خلق حزب التجمع الوطني للأحرار حليف حزب العدالة والتنمية المفاجئة بتصويته لصالح أحزاب المعارضة أثناء جلسات تشكيل مجالس الجهات/ المحافظات، وتخليه عن الاتفاق الذي أبرم بين الأحزاب المشكلة للحكومة المغربية (حزب العدالة والتنمية، حزب التجمع الوطني للأحرار، حزب الحركة الشعبية، حزب التقدم والاشتراكية)، التي قطعت وعدا على التحالف لتشكيل المجالس الجهوية والجماعية.
من شأن عدم الالتزام بهذا الاتفاق من قبل حزب التجمع الوطني للأحرار وتصويته لصالح أحزاب المعارضة في بعض الجهات التي ظفرت برئاستها خصوصا جهة طنجة/تطوان في الشمال وجهة الدار البيضاء/سطات في الوسط، أن يؤثر على العلاقة بين الأحزاب المشكلة للائتلاف الحكومي، خصوصا بعد تصريجات العديد من قيادي الحزب المترأس للحكومة بأن هذا العمل الذي أقدم عليه حزب التجمع لا يليق بتاريخ الحزب ولا بصمعته وقد يدفع بموجبه حزب التجمع الوطني للأحرار الثمن غاليا جراء ذلك.
تمثل المقاربة التي اعتمدها حزب الاستقلال ليلة تشكيل المجالس الجهوية عملا سياسيا لتوريط حزب التجمع الوطني للأحرار، وقطع الطريق أمام أي تحالف مستقبلي له مع حزب العدالة والتنمية الذي يعد إيديولوجيا الأقرب إلى حزب الاستقلال المحافظ، يسعى بموجبها هذا الأخير إلى تأمين حظوظه للحفاظ على مكانته داخل المشهد السياسي، من خلال التقرب لحزب العدالة والتنمية ولو في مرحلة تعرف في عمقها مسا بمرتكزات حزب الاستقلال، إن هو عاد إلى البيت الحكومي دون ضمانات كفيلة برد الاعتبار المعنوي الذي ألحق به جراء خروجه من حكومة عبد الاله ابن كيران في نسختها الأولى.
ثانيا: العمل على تغيير معالم الخريطة السياسية التي أفرزتها الانتخابات الجماعية والجهوية
إذا كانت النتائج الانتخابية المحلية لسنة 2015 قد حافظت على جزء من مثيلتها لسنة 2009 بترتب حزبي الأصالة والمعاصرة وحزب الاستقلال للمشهد الانتخابي المحلي، فإنها في جزء آخر عرفت تغيير لمراتب بعض الأحزاب السياسية سواء على مستوى تقدم ترتيبها (حزب العدالة والتنمية) أو على مستوى تراجع تصنيفها (التجمع الوطني للأحرار والاتحاد الاشتراكي)، وهو ما من شأنه أن يحدث رجات تنظيمية على مستوى أجهزة الأحزاب السياسية خصوصا بالنسبة لتلك التي لم تحافظ على مكانتها ضمن المشهد السياسي.
خصوصا وأن الخارطة السياسية مقبلة على تغييرات شاملة في تركيبتها الحزبية، ومقوماتها الإيديولوجية، ومنهجها التدبيري، بفعل ما أفرزته من نتائج، من شأنها التأثير على مخرجات السنة الأولى من الانخراط في تفعيل توجه الجهوية المتقدمة، التي عمل المغرب على التأسيس لها بإصدار منظومتها القانونية وكذا انتخاب الهيئة التي ستشرع في تنزيل أسسها. إضافة إلى تأثيراتها المحتملة وذات الإسقاط المباشر على الاستحقاقات البرلمانية التي ستعرفها المملكة المغربية نهاية السنة القادمة.
على هذا الأساس تعمل قادة حزب الاستقلال على التأسيس لمرحلة انتقالية تننقل بموجبها من مقعد المعارضة للالتحاق بمقعد الأغلبية الحكومية، والمساهمة من موقعها الجديد في تدبير الشأن الترابي والحكومي معا، من خلال المطالبة أولا برئاسة مجلس المستشارين (الغرفة الثانية للسلطة التشريعية) ومن ثم التحالف مع الائتلاف الحكومي المقبل الذي ستفرزه نتائج الاستحقاقات البرلمانية لشهر نونبر 2016.
ثالثا: العمل على إعادة ترتيب حيثيات المشهد السياسي لاسترجاع الحزب لمكانته
تعمل اللجنة التنفيذية للحزب على الدعوة لعقد لقاء استثنائي للمجلس الوطني للحزب (برلمان الحزب) لمناقشة القضايا العاجلة المطرحة للتداول بفعل النتائج الأخيرة المحصل عليها، واتخاذ القرار المناسب في الأمر المستجد والمستعجل، باعتبار المجلس الوطني الهيئة التي لها الصلاحية في تحديد وبلورة اختيارات الحزب وتحديد خارطته التنظيمية والسياسية في المراحل الدقيقة والقضايا المثيرة للجدل.
وإن كان القرار في عمقه يتخذ طابع من شأنه إضفاء شرعية استمرار الأمين العام الحالي للحزب في ممارسة مهامه إلى حين انتهاء مدة ولايته بشكلها الطبيعي. فمن جهة يعمل رفاق السيد "حميد شباط" على تغيير خطاب الحزب لكسب ود المناوئين له في التوجه المعروف ب"تيار بلا هوادة" وفي مقدمتهم عبد الواحد الفاسي نجل الزعيم التاريخي للحزب الراحل علال الفاسي، من خلال تخفيف النهج الانتقادي للعمل الحكومي، ومراجعة الخط التحرير للجريدة الناطقة باسم الحزب "جريدة العلم"، بالإضافة إلى تغيير خطاب قادة الحزب اتجاه الحكومة والمعارضة على التوالي.
خصوصا بعد النتائج الجماعية الجهوية الأخيرة، التي مني بها الحزب بهزيمة تاريخية بعقر داره "مدينة فاس العاصمة العليمة للمغرب" و"مدينة وجدة المحاذية للحدود المغربية الجزائرية"، واللتان يعتبران إلى الأمس معقل للحزب ومصدر قوته التنظيمية والسياسية، ومركزا لشرعيته التاريخية. من شأنها زعزعة قواعد الحزب ومكانته داخل الحقل الحزبي والسياسي بالمغرب، إن لم يحسن الحزب قراءة المرحلة وتحليل مدخلات ومخرجات العمل خلال هذه الفترة الحاسمة، التي ستأثر بدون شك على نتائج الانتخابات التشريعية (البرلمانية) المزمع تنظيمها نهاية السنة الجارية.
أجل ذلك اختار حزب الاستقلال عن وعي ومسؤولية وبإرادة قادته السياسيين العمل على تجميع قواعد الحزب ولملمة شمله المشتت، من خلال اختياره الاصطفاف إلى جانب الأغلبية الحكومية خلال السنة المتبقية من عمر زمنها السياسي، لتوحيد قواعد الحزب التي انشقت بعد قرار الحزب الخروج من الحكومة بعد سنة من توليها المسؤولية الوزارية تحت رئاسة السيد عبد الإله ابن كيران، والتي خلقت جدال كبيرا تلاه انكسار وحدة الحزب بين تيار الأمين العام الحالي وتيار نجل زعيمه التاريخي المعروف ب:"تيار بلا هوادة". على اعتبار أن هذه المقاربة هي الكفيلة باسترجاع الحزب لمكانته المعتبرة داخل الحقل السياسي المغربي.
وإن كانت في عمقها تمثل مناورة سياسية ممن خبروا السياسية وفنون إدارتها، تتطلب التريث في تحديد توجهاتها وبلورة اختياراتها وفق ما تمليه مصلحة الحزب لاسترجاع مكانة الصدارة ضمن المشهد الحزبي، خاصة في ظل هذه الظرفية التي حسمت فيها رئاسة الحكومة المقبلة لحزب العدالة والتنمية بناء على نتائج الاستحقاقات الأخيرة مع تراجع قد يمس عدد المقاعد المحصل عليها مقارنة مع الانتخابات التشريعية لسنة 2011، ينضاف إلى ذلك التغير الذي ستشهده تركيبتها على مستوى الائتلاف الحزبي الذي سيشكلها، والذي يعمل بموجبه حزب الاستقلال على ضمان عضويته داخلها مستغلا التصدع الذي عرفته الأغلبية الحكومية أثناء مرحلة تشكيل المجالس الجماعية والجهوية الحالية، خلف بموجبه تبادل اتهامات خطيرة بين أحزابها خصوصا حزبي العدالة والتنمية وحزب التجمع للأحرار أدى إلى استدعاء اللجان التنفيذية لكلا الحزبين قصد تدارس هذه النقطة واتخاذ القرار الحاسم في ذلك، وهو ما ينذر بتأزم الأغلبية الحكومية وتأثيراته المباشرة على عملها الحكومي قبل سنة من انتهاء فترة انتدابها، من شأنه أن يستغل من قبل أحزاب المعارضة لإضعاف شعبيتها.